العباس السكرى يكتب: إلهام شاهين نجمة من ذهب.. تاريخ حافل بالإنجازات الفنية ومسيرة مهنية تحمل بصمات مضيئة ومؤثرة فى الفن العربى
انحازت للمجتمع بقضاياه الإنسانية والفكرية.. وساندت المرأة فى كل أعمالها فكسبت ثقة الجمهور
سيدة المواقف الوطنية.. وتمتلك حالة من الرضا منحتها روحا خاصة من التألق والتميز
تعاونت مع كبار المخرجين والمؤلفين والممثلين.. وامتلكت موهبة فريدة جعلتها واحدة من أيقونات الفن المصرى
تاريخ طويل من الفن والإنسانية والمواقف الوطنية النبيلة، تحمله النجمة المبدعة إلهام شاهين على كتفيها، فهى صاحبة قضية ورسالة، وعلى مدار تاريخها لم تكتف بدورها كنجمة وفنانة من طراز رفيع، بل دخلت الإنتاج من أجل صناعة سينما هادفة وحقيقية تناقش بها رؤى مختلفة، إذ تعشق الدفاع عن قضايا المرأة وتتحيز لها بكل ما أؤتيت من قوة، ويشهد لها الجميع بمواقفها الإنسانية الصادقة، وحبها لوطنها ومهنتها، وصمودها وشجاعة مواقفها التى لم تتزحزح حتى فى عز الأجواء العاصفة التى مرت بها البلاد، وظلت إلهام شاهين هى إلهام شاهين، فنانة قوية وإنسانة من طراز فريد، نجمة تحب الصراحة والوضوح، لا تخشى أحدا ما دامت على حق، ولم تغير أبدا فى مواقفها أو تتلون فهى ثابتة على مبادئها، لذلك استحقت أن تكون نجمة من ذهب.
وإلهام شاهين نجمة تقف على قمة النجومية، صدقت نفسها فصدقها الجمهور فنا وأداء وتمثيلا، تعرف فى الوسط الفنى بأنها "صاحبة أصحابها"، تشع بهجة على كل من حولها، فنانة لا يختلف عليها اثنان فنيا وإنسانيا، اسمها علامة وماركة مسجلة للنجاح الفنى والاختيار الدقيق والعمل الهادف المؤثر سواء فى السينما أو التليفزيون، فهى أكثر وأهم النجمات فى جيلها اللاتى قدمن أعمالا مؤثرة، وأدوارا تعد علامات مميزة فى تاريخ الفن المصرى والعربى، ولعل جيل إلهام شاهين _ من وجهة نظرى_ هو آخر جيل يقدم تجارب تستحق التأمل والتوقف أمامها، جيل يدرك معنى الفن وقيمته وتأثيره فى المجتمعات، جيل تتلمذ على يد عمالقة واستلم الراية منهم وعرف معنى النجومية ومعنى الكلمة فازدهرت راية الفن فى عهدهم، فإلهام أخلصت تماما لفنها منذ بداياتها، تحترم الكبار وتتعلم منهم وتصغى وتسمع وتعقل، حتى وصلت لحالة من النضج مبكرا جعلتها تعرف كيف تختار أدوارها بعناية، وتحرص على أن تقدم فى أعمالها شيئاً هادفاً يخدم مجتمعها ويناقش مشكلاته، لذلك نجحت على مدار مشوارها الفنى فى كسب ثقة الجمهور، الذى بادلها الحب فبادلته حبًا بحب، وأصبحت أهم النجمات القادرات على منحه كما كبيرا من البهجة والسعادة والتفاؤل والطاقة الإيجابية، لما تمتلكه من حالة رضا تمنحها روحا خاصة، لذلك تربعت النجمة الكبيرة على عرش السينما المصرية كواحدة من أيقونات الفن المصرى والعربى ولا تزال تثرى الشاشتين الصغيرة والكبيرة بأعمال مهمة وراقية تمتع بها جمهورها وتقدم رسائل هادفة فى نفس الوقت، ولعل آخرها فيلمها الذى أثار جدلا وحقق نجاحا غير عادى ودخلت به كعادتها مناطق شائكة وهو فيلم "حظر تجول".
الحديث عن نجمة مهمة بحجم إلهام شاهين وفنها وإنسانيتها لا يمكن اختزاله أبدا فى صفحة أو صفحتين، لكنه يحتاج إلى مجلد كبير كى نستطيع أن نرصد تاريخ نجمة مهمة ورحلتها فى الدراما والسينما والحياة، خصوصا أن إلهام دائما تبرز على الخريطة كشخصية وطنية بجانب كونها فنانة ملهمة لها أعمال رسخت اسمها فى تاريخ الفن المصرى بل حفرته بأحرف من ذهب، فهى صاحبة الأدوار المتنوعة التى تعدت أكثر من المائة شخصية، وهو رقم يصعب تكراره كثيرًا ويدل على موهبة فنية نادرة أثبتها النجاح الكبير لكل عمل قامت ببطولته، مما دعا للثقة الكبيرة التى تحظى بها إلهام شاهين سواء من الجمهور أو من صناع الأعمال الفنية، فقد نجحت فى تجسيد كل ألوان ونوعيات الشخصيات والقضايا التى تمس المرأة المصرية فهى الضاحكة والباكية والشقية والهادئة والأستاذة والنائبة والراقصة والأم الحنون وسيدة الأعمال والفقيرة والأرستقراطية والشعبية، وغير ذلك من الأدوار التى حققت بها نجاحات كبيرة، وهى أيضا واجهة مشرفة لمصر فى جميع المحافل الفنية ومهرجاناتها فى كل دول العالم، نظرا لأعمالها التى تعد بصمات فى تاريخ السينما المصرية. وربما كان من الحظ وحُسن الطالع أن يقترن اسم إلهام شاهين بفاتن حمامة، ويكون هناك شبه فى الملامح بينها وبين سيدة الشاشة العربية، حتى إن فاتن حمامة قالت لها :"انتى تشبهينى أكثر من بنتى"، ومن هنا صاروا ينادونها فى المعهد العالى للفنون المسرحية عندما كانت طالبة، بـ "البنت اللى شبه فاتن حمامة"، كانت إلهام شاهين طالبة فى المعهد العالى للفنون المسرحية عندما عرض عليها المخرج محمد راضى المشاركة فى فيلمه "أمهات فى المنفى"، مع عدد كبير من النجوم عادل إمام، إسعاد يونس، جلال الشرقاوى، وغيرهم، ونجحت إلهام فى إثبات ذاتها كممثلة وهى طالبة، لتتوالى عليها العروض وهى مازالت طالبة أيضا لتشارك فى مسلسلات :"وقال البحر، محمد رسول الله، ورحلة عذاب، وفيلم إنهم يسرقون عمرى"، وبدور "ليلى" فى فيلم "العار" مع نور الشريف ومحمود عبد العزيز وحسين فهمى، وفيلم "لا تسألنى من أنا" مع النجمة الكبيرة شادية، وفى كل هذه الأثناء كانت أصابع النجومية تشير إلى أنها نجمة ساطعة، حتى جاء المخرج سمير سيف ليرشحها فى فيلمه "الهلفوت" مع الزعيم عادل إمام من تأليف وحيد حامد، وهنا تخوفت إلهام شاهين النجمة الشابة من خوض التجربة، وفكرة الوقوف كبطلة مطلقة أمام الزعيم، واعتذرت فى بداية الأمر، كونها مازالت فى البدايات، لكن هاتفها الزعيم عادل إمام وأبلغها برغبته فى انضمامها للفيلم، وقال لها "انتى بطلة الفيلم وأنا مش محتاج لنجوم كبار معايا، وتسويق الفيلم باسمى"، ووافقت إلهام وقدمت واحدا من أبرز أدوارها فى بداياتها الفنية ليضعها فيلم "الهلفوت" فوق القمة فى عام 1948، عقب تخرجها فى المعهد العالى مباشرة.
بعد نجاح دور "وردة" فى فيلم "الهلفوت" شاركت الزعيم فى فيلمه "رمضان فوق البركان"، لتؤكد على نجوميتها الكبيرة، واستطاعت بشكل تدريجى أن تكتسب شعبية كبيرة فى السينما لتشارك كل نجوم المرحلة من الزعيم عادل إمام ووحش الشاشة فريد شوقى، مرورا بالنجم الكبير محمود ياسين، وأحمد زكى، ونور الشريف، ومحمود عبد العزيز، ويحيى الفخرانى، وغيرهم، ولأنها نجمة مثقفة حرصت على التعدد والتنوع فى مدارس الإخراج المختلفة والمميزة، حيث تعاونت مع كل المدارس والاتجاهات سواء فى الكتابة أو الإخراج فى مجال السينما على رأسهم من المخرجين سعيد مرزوق، حسام الدين مصطفى، أشرف فهمى، سمير سيف، على عبد الخالق، على بدرخان، إيناس الدغيدى، أحمد السبعاوى، مجدى أحمد على، عادل الأعصر، وفى التأليف وحيد حامد، بشير الديك، يسرى الجندى، مصطفى محرم، بسيونى عثمان، وغيرهم، كما لمعت إلهام فى المسرح بعدد مهم من المسرحيات على رأسها مسرحيتها الشهيرة مع النجم سمير غانم "بهلول فى اسطنبول" للمؤلف يوسف معاطى والمخرج محمد عبد العزيز وحققت نجاحا كبيرا، ومسرحية "خشب الورد" مع عبد المنعم مدبولى ومحمود عبد العزيز .
بالتوازى مع السينما كانت تحرص إلهام شاهين على تقديم تجارب درامية مهمة منذ بداياتها، وحققت نجاحا غير مسبوق على الشاشة الصغيرة فى التلفزيون المصرى، وارتبط الجمهور بها كبطلة مطلقة فى الدراما منذ منتصف التسعينيات تحديدا عندما لعبت بطولة مسلسل "البرارى والحامول" للمخرج حسين عمارة مع سعد أردش ومصطفى متولى، وأصبحت شخصية "زاهية" التى قدمتها إلهام فى المسلسل حديث الناس فى الشارع، لتبدع من بعده فى رائعة يحيى العلمى ومحمد جلال عبد القوى والنجم يحيى الفخرانى "نصف ربيع الآخر" لتصبح إلهام شاهين أيقونة درامية ينتظرها المشاهد كل عام، وبدأ مشوار تميزها بتقديم عمل كل موسم وأحيانا عملين، وفى كل عمل تختلف عن الآخر فنجدها تبدع فى ملحمة "الحرافيش" عن قصة نجيب محفوظ مع النجم نور الشريف، وتتألق فى "سامحونى ماكنش قصدى" مع المخرج إسماعيل عبد الحافظ، المسلسل الذى كان يتحدث عنه الشارع العربى وعن شخصيتها "جلنار"، واستكملت إلهام مسيرتها نحو التألق بالعمل مع الكبار فى الدراما، فقدمت مع يحيى العلمى واحدا من أجمل مسلسلاتها "بنات أفكارى" للكاتب محسن زايد، وشاركها البطولة محمود مرسى.
وللحق فإن جميع أعمال إلهام شاهين تستوجب التأمل والتفكير وجميعها تحمل قضايا مهمة سواء فى الشق الاجتماعى أو النفسى أو العاطفى، دراما حقيقية، ومن واقع الحياة، ولا ينسى لها المشاهد العربى إبداعاتها الخالدة فى "الكومى" لخيرى شلبى ومحمد راضى، و"نجمة الجماهير" للمخرج على عبد الخالق، و"مسألة مبدأ" لخيرى بشارة ومحمد صفاء عامر، و"بنت أفندينا" و"قلب امرأة" للمخرج مجدى أبو عميرة، و"قصة الأمس" للكاتب الكبير محمد جلال عبد القوى، والمخرجة أنعام محمد على، و"علشان ماليش غيرك" و"نعم مازلت آنسة" و"قضية معالى الوزيرة" و"نظرية الجوافة" و"ليالى الحلمية" بأجزائها، ولازالت تبدع وتقدم كل جديد، ولعل مسلسلها الجديد "حتة منى" الذى تصوره الآن ما هو إلا استكمال لقضاياها المهمة التى تقدمها لتخدم بها المجتمع.
إلهام شاهين فنانة رائعة ونجمة استثنائية وإنسانة مثقفة، تؤمن بأن الفن لا يمكن أن ينفصل عن المجتمع وأن الفنان الحقيقى الذى يحبه ويلتف حوله الجمهور لابد أن يكون له دور اجتماعى مؤثر وهى بالفعل كذلك، لذا استحقت وسام الاحترام والتقدير.