"الشورى" تفتح ملف الزيادة السكانية.. وحش يهدد الدولة والمواطن
وزارة الصحة: مليار جنيه لتوفير وسائل تنظيم الأسرة بالمجان للسيدات
الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء: تنظيم النسل جائز شرعًا وضرورة وطنية
بدأت جهات الدولة المختصة العمل على قدم وساق لمواجهة الزيادة السكانية، وفقا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، وقال الدكتور حسام عباس، رئيس قطاع السكان وتنظيم الأسرة بوزارة الصحة، إن الوزارة خاضت رحلة طويلة بغرض التحكم فى معدل النمو السكانى وتنظيم الأسرة على مدار السنوات الثلاث الماضية، مشيرًا إلى أن هذه الرحلة لم تنته بعد، لأنها تدخل ضمن خطة التنمية مصر 2030، خاصة أن أى انفجار سكانى جديد لن تستطيع الدولة السيطرة عليه ومعالجة آثاره، وأضاف: "خلال عام من نشر ثقافة الاعتماد على وسائل تنظيم الأسرة والتباعد الزمنى فى الإنجاب، انخفض معدل الزيادة الطبيعية لكل ألف نسمة إلى 17.6 فى نهاية عام 2020، وانخفض معدل المواليد إلى 23.4، كما بلغ إجمالى زيارات منتفعات تنظيم الأسرة نحو 22.4 مليون زيارة، بدلا من نسبة زيادة 18.7، ومعدل مواليد 24.5، وإجمالى زيارات 18.6 مليون زيارة فى العام السابق عليه".
وذكر أن البرنامج القومى لضبط النمو السكانى يهدف إلى خفض أعداد المواليد بمعدل 500,000 طفل بحلول عام 2022، مشيرا إلى أنه تم حصر أعداد السيدات فى العمر الإنجابى بين 18 و50 عامًا، والتى وصلت إلى نحو 22 مليون سيدة، لافتا إلى أن مبادرة رئيس الجمهورية لدعم صحة المرأة أتاحت بيانات نحو 11 مليون سيدة على مستوى الجمهورية، وتابع: "لدينا 9,4 مليون سيدة مستهدفة ضمن برنامج ضبط النمو السكانى، منهن 8,5 مليون سيدة متزوجة، و700 ألف امرأة عاملة، و7,9 مليون امرأة غير عاملة، وسيجرى تقديم خدمات البرنامج من خلال 368 مستشفى تكامل، بالإضافة إلى عيادات لمتابعة صحة المرأة ومبادرات الصحة العامة”، وقال: "سيجرى تقديم الخدمات أيضا من خلال مراكز المشروعات الصغيرة للسيدات غير العاملات، لتوفير فرص عمل لهن، وتصنيع مستهلكات وزارة الصحة، مع توفير حضانات للسيدات العاملات وأطفالهن، وتقديم خدمات التطعيمات والرعاية الأولية، بالإضافة إلى جلسات التوعية والتثقيف والتدريب".
وأكمل: "يجرى العمل أيضا على ميكنة خدمات صحة المرأة وتنظيم الأسرة، بهدف توفير جميع وسائل تنظيم الأسرة بالمجان بجميع المنافذ بشكل دائم، مع ربط المنتفعات بالأرقام القومية مما ييسر عملية المتابعة، وختم حديثه بقوله: "لدينا 5400 نقطة لتنظيم الأسرة فى 27 محافظة، وأكثر من 400 إدارة صحية ومديرية، لخدمة مشروع توفير وسائل تنظيم الأسرة بالمجان، وهناك تعاون بين الصحة وباقى الوزارات المعنية فى هذا الشأن، وتم توفير الأجهزة المطلوبة، بالتنسيق مع وزارة التخطيط، بتكلفة تقديرية بلغت 370 مليون جنيه، مع اعتماد الميزانية الجديدة المطلوبة لوسائل تنظيم الأسرة التى تقدر بنحو 634 مليونا و401 ألفًا، بزيادة كبيرة عن ميزانية العام الماضى التى بلغت نحو 253 مليونا و427 ألف جنيه".
من جانبها، تخوض المؤسسات الدينية فى مصر ما يمكن أن نسميه «معركة وعى»، لتصحيح المفاهيم الخاصة بالإنجاب لدى الشعب المصرى، وسط انطباعات وصورة ذهنية موروثة، يشوبها الكثير من المغالطات والتأويلات الخاطئة للنصوص الدينية، فى ظل خطاب عام تطلقه الدولة لزيادة الوعى بالقضية السكانية التى تؤثر على عملية التنمية، وقد ناقش الرئيس عبد الفتاح السيسى تلك الأزمة خلال افتتاحه المجمع الطبى بالإسماعيلية قبل يومين، وأطلقت مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء حملات توعية عديدة خلال السنوات الماضية وسعت لتوضيح العلاقة بين الأزمة السكانية والنمو الاقتصادى وسلوكيات الفرد فى المجتمع، وأوصت المؤسسات بتنظيم النسل، معتبرة أنه حلال وجائز شرعا لكى يستفيد الجميع من جهود التنمية.
وأفتى شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، بجواز تنظيم الأسرة ومشروعية تحديد النسل، وأعلن موقف الأزهر الشريف صراحة من تلك القضية فى المؤتمر القومى للسكان عام 2017، قائلا: «الرسول عليه الصلاة والسلام تحدث عن القضية السكانية فى وقت لم تكن فيه زيادة سكانية، وأجاز العزل بين الزوجين بالاتفاق فيما بينهما»، موضحا أن تنظيم الأسرة جائز شريطة الاتفاق بين الرجل والمرأة. وأوصى «الطيب» بتكاتف المجتمع للقضاء على المفاهيم المغلوطة حول القضية السكانية لكى يستفيد الجميع من جهود التنمية، كون الزيادة السكانية عبئا على موارد الدولة وانطلاقتها نحو التنمية، مستنكرا الأصوات التى تعارض تنظيم الأسرة. أما وزارة الأوقاف فحددت موضوع خطبة الجمعة غدا، تحت عنوان: «تنظيم النسل قضية أخذ بالأسباب الشرعية»، وأكد الوزير الدكتور محمد مختار جمعة، أن قضية الصحة الإنجابية وتنظيم النسل من أهم القضايا المجتمعية، وأن تنظيم النسل فى واقعنا الراهن ضرورة شرعية، وأنه يدخل فى عمق مفهوم الأخذ بالأسباب الشرعية، وأشار إلى أن الوزارة ستنفذ حملة توعوية حول الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة من خلال عدد من الندوات المشتركة مع الهيئة الوطنية للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة، وعدد من الدورات التدريبية المكثفة على مدار العام الجارى، وأكد الوزير أن تنظيم النسل من أهم القضايا التى تفرضها الساعة، وهى قضية من الأحكام المتغيرة حسب ظروف كل دولة، والحكم فيها ليس مطلقاً، مشيراً إلى أن تنظيم النسل والإنجاب فى ظل وضع مصر الراهن يتجاوز الحلال والحرام ويصبح واجباً شرعياً ووطنياً، والاهتمام به يدخل فى عمق تصويب الخطاب الدينى.
وأوضح أنه كلما زاد مستوى الوعى الدينى أو الثقافى زاد الاهتمام بتنشئة الأبناء بشكل صحيح، لأن الطفل يحتاج إلى رعاية تعليمية وصحية وحياة كريمة، وبالتالى يعى الناس معنى الإنفاق على الطفل وتهيئة حياة محترمة لابن أو اثنين ليكونا أعضاء نافعين بالمجتمع. وقال الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، إن اتفاق الزوجين على عدم الإنجاب، إذا كان فى ذلك مصلحة تخصهما جائز، ولا يجوز لأحدهما أن يتخذ القرار دون موافقة الآخر، وهذا الجواز على المستوى الفردى، أما على مستوى الأمة فلا يجوز المنع المطلق من الإنجاب؛ لما فيه من الإخلال بنسبة التوازن التى أقام الله الخلق عليها، ولا يدخل فيها ما تقوم به الدول من إجراءات للعمل على تحديد النسل طلبًا للحياة الكريمة لشعوبها وفق الدراسات المفصحة عن إمكانيات هذه الدول، وذكر الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية، أنه لا غنى عن الإنجاب من أجل بقاء الجنس البشرى؛ ومن مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ النسل، مع اعتبار أنها تهدف إلى مجتمع أفرادُه أقوياء بدنيًّا وخُلقيًّا وعلميًّا؛ وبذلك تتحقق مقاصد الشريعة؛ لكن ليس للإسلام حاجة فى كثرة النسل إن كان يؤدى ذلك إلى الجهل والفقر والمرض وعدم الرعاية، وقد ورد فى كلام الصحابة رضى الله عنهم التحذير من كثرة العيال، خاصة عند عدم توفر وسائل التربية الصالحة لهم.
وأضاف «نجم» أن المجتمعات توصلت فى تطورها إلى عدة وسائل وإجراءات من شأنها تباعُد مدد الحمل أو إيقافه لمدة معينة من الزمان حتى تتحسن ظروف الأسرة ومستواها المعيشى، أو من أجل المحافظة على صحة الأم وحياتها من أضرار كثرة الحمل وتكرار الولادة والرضاعة، ومن ثَمَّ يتمكن الزوجان من رعاية أبنائهما رعاية متكاملة دون مشقة، وهو ما يُعرَف فى عصرنا بـ«تنظيم النسل» الذى صار من ضرورات هذا العصر، وأكد أن تنظيم النسل صار طريقًا لا محيد عنه؛ ووسيلة طبيةً لا يعارضها الشرعُ؛ بل يتفق معها؛ لأن الواقع والمشاهدة تدل على أن سبب شُح الموارد هى الزيادة السكانية، ولا سبيل لحل هذه المشكلة إلا بتنظيم النسل لإحداث التوازن بين موارد الأرض وعدد السكان، وشدد «نجم» على ضرورة عدم الإنصات إلى مزاعم أن تنظيم النسل يتعارض مع الإيمان بالقضاء والقدر؛ لأن تنظيم النسل فى الحقيقة ما هو إلا طريقة لمباشرة الأسباب التى أمرنا الله تعالى بالأخذ بها لتنظيم حياتنا، وما علينا إلا مباشرة الأسباب مع الإيمان بأن كل شيء بيد الله.