ماذا حدث فى زماننا العجيب من جرائم الأبناء على الأمهات وأصبحت الأمهات تحت مقصلة الأبناء بما يمثل انتهاكات لقدسية الأم وانهيارا لكرامتها التى أحاطتها الأديان بسياج من التحريم فى الاعتداء عليها، والتنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعى له تأثير على الأبناء منذ نعومة أظافرهم، لأنها تتحمل مسئولية تغذية الأبناء وتلبية احتياجاتهم الجسمانية ولا ينتهى دورها عند هذا الحد فقط بل يمتد إلى مسئولية تعليمهم السلوك الأخلاقى وتدريبهم على المهارات المختلفة كما تقوم بضبط سلوك الأبناء ليصبح مسايرا للمجتمع.
والعلاقات الحميمية الودية والدفء العاطفى والمناخ المليء بالعلاقات الدافئة المباشرة والقوية فى الأسرة ينمو فيها الحب والتعاطف وفيها تتكون الاتجاهات الأخلاقية التى يتصف بها فهى قيم تجعل الأبناء مشاركين فى المجتمع والأسرة المعاصرة لها عدة وظائف تجاه أبنائها، وإضافة إلى وظيفة التنشئة الاجتماعية ووظيفتها أن تعلم الطفل قيم المجتمع ومعاييره الأساسية التى سيشترك فيها مع غيره عندما ينضج حيث تبين أهمية العلاقة بين الفرد والنظام الاجتماعى مما يؤكد أهمية التنشئة التى تجعل من الأبناء أعضاء اجتماعيين نافعين وليسوا منحرفين أو هدامين إضافة إلى وظيفة الضبط الاجتماعى خلال الأخذ بقواعد السلوك ومجموعة النواهى والأوامر والقوانين والجزاءات والقيم والعادات الاجتماعية المرغوبة والقواعد الأخلاقية التى اصطلح عليها المجتمع ومن ثم يجب أن يتمسك بها الفرد ويربى ضميره على ضوئها حتى يعيش فى مجتمعه بأقل أخطاء ممكنة.
ليس ذلك فقط، فإن الدراسات أكدت أن الإدمان والاغتراب أحد مسببات عقوق الوالدين، حيث تخلق هذه المواد لدى الشباب إحساسا بعدم الولاء أو الانتماء لأسرته أو مجتمعه.
وإننى فى حقيقة الأمر أطالب باستمرار عطاء الأمومة والأبوة الرشيدة التى تفى بحاجات الشباب النفسية حتى يشعر الأبناء بالطمأنينة ويجدوا ملجأ لهم وراحة نفسية حتى يشعروا أن هناك من يساعدهم ويشد من أزرهم تجاه المواقف التى يحتملونها حتى لا يقعوا ضحايا لليأس ثم للميول الانسحابية فى السلوك الهدام وغير السوى بما فيه الإدمان والمخدرات ولا بد للأسرة أن تمنح أبناءها الثقة بالنفس والاعتماد والذات وإعطائهم حقهم فى التقرير حتى يشعروا بقيمتهم الذاتية فى العمل والكفاح والتأثير فى المجتمع حتى لا يلجأ الشباب خارج الأسرة باحثا عن قيمة نفسه وقدره فى أى مكان ولو أدى ذلك لمصاحبة رفاق السوء أو يلجأ إلى المخدرات والعنف لإثبات رجولته.
وأظن كل الظن أن عقوق الأبناء يرجع إلى متغيرات اجتماعية واقتصادية ونفسية وسلوكية ودخل بعض الأبناء عالم الإدمان وهو ما ينعكس على السلوك الاجتماعى داخل الأسرة حيث بدأ الشخص المتعاطفى إسقاط الثوابت الاجتماعية والتهاون بأدوات ضبط السلوك كما أن مرحلة الانفتاح الاقتصادى والهجرة للعمل بالخارج أثرت اجتماعيا على علاقة الأبناء بالأم حيث غالبا ما تكون الهجرة للأزواج بمفردهم تاركين أسرهم وراءهم مما أدى إلى تفاقم آثار هذه الهجرة على القيم الأسرية وفى ظهور الكثير من المشكلات من خلال الزوجات أو الأبناء الذين عانوا بالدرجة الأولى من غياب الزوج مما أثر على بنية الأسرة المصرية واختلاف أدوارها.
وغالبا ما يكون غياب الأب يؤدى إلى تشتيت الأسرة المصرية وأن أبناء الأسر المتغيب عنها الأب بسبب الهجرة أو الطلاق أو السفر أقل تكيفا مع الأسرة وتظهر لديهم الميول العدوانية حتى على أقرب الناس إليهم وحتى لو كانت الأم التى تعانى فى الفترة الأخيرة من تصرفات بعض الأبناء سواء بالاعتداء أو الضرب أو الطرد من الشقة فى بعض الأحيان وهنا فى ظل هذه الظروف يصبح الأبناء فى سلوك غير سوى من مجالات الصراع والقلق والانطواء على النفس أو إبداء أنماط من السلوكيات الشاذة كالكذب والسرقة والغيرة والسلوك والعنف وغير ذلك من أنماط الانحراف والعنف التى تدفع الأسرة ضريبتها بسيف غياب الأب أو تفكك العلاقات الأسرية بين الوالدين والأبناء وغالبا ما تكون الأم ضحية.
وعلينا جميعا أن نقدس الأم، فالإسلام كان سباقا فى تكريم الأم متخطيا كل المتشدقين وأدعياء الحرية فلم تعرف أى نظم فى العالم ما عرفته الشريعة الإسلامية الغراء من تكريم الأم والاعتراف بفضلها فالأم لها المكانة العظمى والمنزلة الكبرى فهى التى تلد وهى التى تربى وتمنح الرعاية والحب والاهتمام ولذلك لا نستغرب أن يجعل الحق سبحانه وتعالى الإحسان للوالدين بعد عبادته مصداقا لقوله تعالى: " وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ".