الجمعة 22 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
د يمنى أباظة
د يمنى أباظة

اشتدت الحملة على الكاتبة الطبيبة نوال السعداوى حتى وهى بين يد الرحمن، وعلى ما يبدو فإن بعض الجماعات المتاجرة بالدين وجدت نفسها فجأة وقد دفعت بها إلى الظل حركة ثقافية جدية ومستنيرة بقوتها وحضورها فشاءت هذه الجماعات أن تعود إلى الأضواء بفضيحة جديدة وذلك بعد الفضائح المتتالية من قتل فرج فودة إلى محاولة قتل نجيب محفوظ وصولا إلى طرد نصر حامد أبو زيد من البلاد وتهديد أساتذة الجامعات الذين يختارون نصوصا من عيون الأدب العربى والعالمى الحديث ليقرأها طلابهم والتحريض على تطهير المكتبات الجامعية والعامة من بعض هذه الكتب، مما أثار سخرية العالم منا، وقد اختار المهووسون هذه المرة بشكل عصرى جديد نوال السعداوى وهى بين يد الرحمن لتوجيه ضربتهم كواحدة من أجرأ الأصوات فى الساحة الوطنية والقومية والعالمية دفاعا عن حقوق المرأة وإنسانيتها من موقعها كطبيبة وباحثة معا، وقد دخلت كتاباتها فى الكلاسيكيات العربية الحديثة التى جرى ترجمتها إلى عدة لغات وكانت فى مناسبات كثيرة من أفضل الكتب مبيعا.

وقد استطاعت نوال السعداوى بشجاعتها الفكرية والعلمية أن تعالج تلك المناطق الحساسة من التجربة الإنسانية وعلاقة الرجل والمرأة التى تواطأ المجتمع على إغماض عينيه عنها تجاهل رؤيتها أو الاقتراب منها بالدراسة والفحص. وعلى حد قول الدكتور شريف حتاتة زوج الراحلة والمفكرة الكبيرة، فإن نوال لم تخش أبدا الخوض فى حروب ضد المشاكل الاجتماعية الراسخة جدا فيما يخص الأسرة وعلاقة الرجل بالمرأة وعلاقة الجنس بالمجتمع، وكانت دائما مدركة أن أفكارها ستفزع الناس، فمن الطبيعى أن يتعب الناس من الجديد، لأن التعايش مع القديم أسهل وأكثر استقرارا. وقد ساهمت نوال السعداوى بأفكارها الجريئة فى تغيير المجتمع، حتى فى السينما، فقد كان فيلم أسرار البنات الذى كتبته عزة شلبى وأخرجه مجد أحمد على، هو استجابة لأفكار نوال السعداوى لمواجهة المشكلات الحقيقية دون تزييف أو خداع النفس أو دفن الرءوس فى الرمال مؤكدة على مسئولية المجتمع كله من الأسرة إلى المدرسة ومن المؤسسات التثقيفية والإعلامية المدعوة جميعا لتجديد نفسها حتى تكن قادرة على مد يد العون للشبان والفتيات للرجال والنساء لمساعدتهم على احترام أجسادهم. كانت المفكرة الكبيرة دائما تؤكد أن اختلاف الوظائف لا يجعل الرجل أفضل من المرأة أو العكس، والدعوة الحارة للتوقف عن تشويه جسد الإنسان بالختان أو احتقار وظائفه باعتبارها صوا للخطيئة والدنس، وهى المفاهيم الراسخة والشائعة فى ثقافتنا عن جسد المرأة على نحو خاص.

وحتى لو كانت نوال السعداوى قد عبرت فى أحاديثها عن آراء وأفكار يرى البعض أنها خاطئة فإن الرد الحضارى عليها والذى يستهدف حقا تطوير الحوار الفكرى فى الساحة الوطنية والقومية ابتغاء استخلاص الجديد ورعايته، يكون بمجادلتها بالتى هى أحسن وليس بالإبلاغ أو الشماتة فيها وفى موتها، لأن ذلك من أخلاق العبيد والعاجزين لإرهاب المثقفين الأحرار وإسكاتهم. وإننى أود أن أطلع حضراتكم على كلمات للسيدة الراحلة وهى تقف حائط صد ضد الذين يحاولون طيلة الوقت أن يصوروا المرأة أنها قاتلة بسبب حملات ضدها بسبب أخبار قتل النساء لأزواجهن. قالت: "مهلا لهؤلاء الذين تصوروا أن المرأة المصرية المحبة للخير والسلام، قد انقلبت مجرما سفاكا للدماء وأن إيزيس القديمة التى جمعت أشلاء زوجها من جميع أنحاء الأرض وأعادت له الحياة تحولت إلى إبليسة تقطع جسد زوجها قطعا وتوزعها على أنحاء الأرض، مهلا لهذا المسلسل اليومى عن قتل الأزواج الذى يصور الرجل مذبوحا بالساطور وزوجته واقفة كالمارد العملاق يشرب الدم، مهلا لهذه الحملة الخطيرة التى لا تنفع أحدا والتى تعالج مشكلة تصاعد العنف فى حياتنا الخاصة والعامة بطريقة غير علمية تعتمد على الإثارة والبلبلة وتؤدى فى النهاية إلى مزيد من العنف وخاصة لعلاقة الأفراد داخل الأسرة الواحدة، لماذا لا نعالج الجريمة التى تقترفها المرأة بطريقة علمية هادئة وعميقة ترفع الوعى بالأسباب الحقيقية والظروف الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التى تدفع الأم واهبة الحياة إلى سلب الحياة من أعز إنسان لديها؟ لماذا لا نقوم بدراسات علمية وصحفية هادئة وعميقة عن: لماذا يتحول الحب أحيانا إلى كراهية بين الزوج والزوجة ولماذا يضطر أحدهما إلى قتل الآخر عندما تشتد الأزمة؟".

وأنا من منطلق هذا المبدأ أقول للشامتين: مهلا مهلا، كلنا راحلون، ولا أحد منا يعرف مصيره.  

تم نسخ الرابط