محمد فودة يكتب: متحف الحضارة.. «منارة ثقافية» فى القاهرة القديمة
◄موكب «المومياوات الملكية» أهم حدث عالمى للترويج للسياحة
◄"لعنة الفراعنة" مجرد خرافة.. وشائعات السوشيال ميديا تحاول التقليل من أهمية "الموكب"
◄تطوير منطقة الفسطاط بالكامل وتحويلها إلى منطقة حضارية على أعلى مستوى
أنا لا أعترف بالخرافات ولا أعتقد فى نظرية المؤامرة لذا فقد استفزنى وأثار حفيظتى هذا الكم الهائل من الحكايات الغريبة والعجيبة التى انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعى حول موكب المومياوات الملكية الذى من المقرر أن يتحرك من المتحف المصرى بالتحرير إلى متحف الحضارة فى منطقة عين الصيرة بالقاهرة القديمة لتستقر المومياوات الملكية داخل قاعة مخصصة لها بالمتحف، فالمضحك فى الأمر أن تلك القصص الغريبة والمريبة تربط بين حادث تصادم قطارى سوهاج وأزمة السفينة البنمية الجانحة فى قناة السويس وانهيار عقار جسر السويس وبين الموكب المنتظر للمومياوات الملكية وتفسيرها بأنها لعنة الفراعنة، تلك اللعنة التى تصيب كل من يعبث بحياة الفراعنة وهى حكاية قديمة أثيرت حولها الكثير والكثير من الحكايات والقصص الخيالية على مر السنين وكأن أحداً يريد أن يغرس فى أذهان الناس أن ملوك الفراعنة غاضبون من قرار نقلهم من المتحف المصرى إلى متحف الحضارة وأنهم يرفضون اقتحام حياتهم بأى شكل من الأشكال.
ما هذا العبث وما هذه الخرافات التى يتم الترويج لها بأشكال وأساليب مختلفة عبر السوشيال ميديا؟ فنحن أمام حدث عالمى بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. حدث سوف يترتب عليه بكل تأكيد الترويج لأحدث وأهم متحف من نوعه يقام فى منطقة عين الصيرة التى تحولت إلى منطقة سياحية وثقافية بعد الانتهاء من تنفيذ مشروع متكامل استهدف تطوير المنطقة بالكامل وتحويلها إلى منطقة جذب سياحى عالمى، أعتقد أن تلك القصص والحكايات عن لعنة الفراعنة لن نجنى من ورائها أى شيء بل من الممكن أن يؤثر بالسلب على ما يجرى من تطوير شامل فى كل مكان على أرض مصر .
إن فكرة المتحف القومى للحضارة تقوم أساساً على تقديم الحضارة المصرية بمختلف وجوهها بما يتعلق بالتراث المادى أى الملموس، والتراث غير المادى الذى يعتمد على أسلوب حياة وفكر أو رؤية صور بتقنية عالية تشرح الكثير من الأمور وبالتالى فهو المتحف الوحيد فى مصر الذى يقوم بعرض مثل هذه التفاصيل الدقيقة للحياة على أرض مصر عبر العصور المختلفة والحضارات المتنوعة، فقد اعتدنا من قبل على التعامل مع المتاحف المتخصصة فى مجال معين وعلى سبيل المثال لدينا متحف الغزل والنسيج أو متحف متخصص فى حقبة زمنية معينة مثل المتحف الإسلامى أو القبطى أو الفرعونى وخلافه .. أما المتحف القومى للحضارة الذى نحن بصدد الحديث عنه الآن هو نوع مختلف تماماً عما عرفناه من قبل عن المتاحف فأسلوبه فى تقديم وتبسيط وتوضيح الفكر الأثرى مرتبط بالعديد من أساليب وأشكال المعرفة فهو مرتبط بالتاريخ وبالثقافة أى أنه عندما يقوم الشخص بزيارة متحف الحضارة فإنه يكون فى درس يتعلم منه تطور الحياة فى مختلف العصور وفى ظل كافة الحضارات حيث يعرف بالأدلة والوثائق كيف كان يعيش الإنسان المصرى فى تلك الحقب الزمنية .. ومنها على سبيل المثال كيف كان يستخدم الخبز وكيف كان متقدما فى مجالات مهمة مثل الطب وكيف كان مستوى وشكل الفن فى هذه العصور المختلفة فالمتحف كما قلت من قبل يمنح الزائر جرعة ثقافية مختلفة عن بقية المتاحف.
فحسب تصريحات صحفية للدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذى لهيئة المتحف القومى للحضارة المصرية أنه لا يتم التعامل مع المتحف القومى للحضارة على أساس أنه مجرد متحف، بل هو بمثابة منارة ثقافية حضارية فمن الناحية العلمية يحتوى على معامل على أعلى مستوى يوجد بها أجهزة لا توجد سوى فى المتاحف الكبرى مثل اللوفر فى فرنسا وأبو ظبى، كما يتمتع المتحف بأنه يقدم بعداً ترفيهيا، حيث تم تزويده بعدة بازارات مهمتها عرض للمنتجات المصرية الأصيلة من مختلف محافظات مصر، إلى جانب وجود بعد ثقافى آخر يتمثل فى وجود سينما ومسارح، فيوجد المسرح الرومانى الذى توجد فى قلبه مصبغة أثرية، كما يوجد مسرح آخر، وهذه المسارح مهمتها التأكيد على البعد الثقافى والأثرى الذى تحرص الدولة على الترويج له، وبالتالى عندما تذهب الأسرة المصرية أو الأجنبية لزيارة المتحف لن تكون مجرد زيارة عابرة بل سيكون يوما ممتعا بكل المقاييس ، يوما يتخلله ترفيه وتناول وجبات طعام ، خاصة أن المتحف يطل على البحيرة، التى سيكون بها العديد من الوسائل الترفيهية والثقافية. أما فيما يخص العرض المتحفى فإن المتخف يضم العديد من القاعات، فى مقدمتها قاعة المومياوات، والقاعة المركزية، وهناك أشياء أخرى سيتم افتتاحها تباعا، خاصة أن التكلفة المالية مرتفعة للغاية، لكن الأعمال الأساسية تم الانتهاء منها أما التوسعات فلن تتم بنسبة 100%، لأنها سوف تتوقف على إمكانية التوسع والظروف المادية، لذا فإن قرارات التوسعات متروكة للمستقبل، فالمتحف والكلام حسب تصريحات الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذى لهيئة المتحف القومى للحضارة المصرية قد تحول إلى هيئة اقتصادية، والبعد الاقتصادى عامل مهم فى اتخاذ أى قرار، فلا نريد التوسع ويكون العائد الاقتصادى غير مجدٍ فيجب أن نحافظ على الجودة والمستوى الثقافى والبعد الأثرى، كما نحاول فى نفس الوقت، ليس شرطا أن نحقق ربحا، ولكن أيضا أن نقلل الخسارة.
وفيما يتعلق بالقطع الأثرية التى يتضمنها المتحف فهى تبلغ ما يقرب من 2000 قطعة أثرية، تحكى تاريخ مصر منذ عصور ما قبل التاريخ، فمن يزور المتحف يجد نفسه وهو يعود بالزمن إلى 35 ألف سنة قبل التاريخ، مرورا بالعصور الفرعونية والأسرات المختلفة، والعصر البطلمى والعصر الإغريقى والرومانى والعصر القبطى والإسلامى، انتهاءً بالعصر الحديث، فالزائر سيرى قطعا من أجمل القطع الأثرية الموجودة، جميعها تحكى قصصا مختلفة، واللافت للنظر أن كل فاترينة وراءها قصة مختلفة، كما سيرى الزائر شرحا فى بعض الفاترينات لما هو هذا الشيء، وكيفية استخدامه وما هى القصة التى تكمن وراءه، سواء فيما يتعلق بالطب، وبالموسيقى وبالفن وبالحياة اليومية، وبتطور بعض الأدوات وكيف يتم استخدامها، فكل ذلك سيراه فى قاعة من أجمل القاعات الموجودة فى المنطقة العربية وإفريقيا. وحسبما تم الإعلان عنه من قبل فإن هذه القطع الأثرية عبارة عن خليط من كل الحضارات المتعاقبة، فهناك قطع أثرية ستعرض لأول مرة، وهناك قطع كانت معروضة فى بعض المتاحف الأخرى، أو كانت موجودة فى مخازن المتاحف الأخرى، وتم الحصول عليها من أجل استكمال القصة، فالجديد فى المتحف هو أننا نتعرف على القصة من مختلف جوانبها وليس القطعة فقط، فنحن نرى ما وراء هذه القطعة، وهذا هو المفهوم الأساسى وراء هذا المتحف.
وهناك مسألة أخرى فى غاية الأهمية هى أن جميع المتاحف فى مصر تتبع المجلس الأعلى للآثار، ما عدا متحفين فقط هما المتحف القومى للحضارة المصرية، والمتحف المصرى الكبير، فهذان هما الهيئتان الاقتصاديتان الوحيدتان، والتفكير فى تحويلهما لهيئات اقتصادية جاء بسبب كبر حجمهما، وارتفاع تكلفتهما الإنشائية وارتفاع المصاريف التشغيلية، بالإضافة إلى إمكانيتهما على الحصول على دخل منهما، فعندما تقوم بتحويلهما لهيئات اقتصادية، تعطيهما القدرة على الانفراد فى منطقة خاصة بهما، ويكون هناك حافز لأن يكونوا مختلفين، لأن البعد الاقتصادى دخل فى الحسبان، هل سيحققان أرباحا أم لا؟ ليس بالضرورة، وليس مطلوبا أن نحقق أرباحا دائما، فأنا أقلل الخسارة لأننى يجب أن أهتم بالجودة والبعد الثقافى والهوية، وأحافظ عليها، فهذا من الناحية الاقتصادية قد يكون غير مجدٍ، فالهدف من تحويلهما لهيئات اقتصادية هو تحقيق التوازن بين الأمر الاقتصادى والحفاظ على الهوية والشكل العام وخلافه.
أما بالنسبة لموكب المومياوات الملكية فإنه سيتم خلال أيام نقل 22 مومياء من المتحف المصرى بالتحرير لتصل إلى حيث مقر المتحف القومى للحضارة، فى احتفالية خاصة جدا، سيشارك فيها عدد كبير من الهيئات والوزارات، منها وزارتا الدفاع والداخلية، سواء كان من خلال وجود الخيل، أو الأفراد، أو الموتوسيكلات، كما سيتم إطلاق الأعيرة النارية احتفالا بهؤلاء الملوك والملكات، وسيجوب هذا الموكب شوارع مصر من المتحف المصرى بالتحرير إلى متحف الحضارة، وسيكون هناك كرنفال ورقصات، بالإضافة لمشاركة فنانين مصريين فى هذا الاحتفال، وسيكون فى استقبالهم أعلى تمثيل من الشخصيات الهامة على مستوى مصر والعالم، كما سيكون هناك أوركسترا وأشياء أخرى كثيرة، ستكون مفاجأة للشعب المصرى، فهى احتفالية كبيرة وعظيمة تليق بمهابة الشخصيات، مع الحفاظ على قدسية وحرمة الموت والمومياوات، وإجراءات النقل لها مؤمنة تماما، سواء بالنسبة للتعقيم، أو فيما يتعلق بالحماية من حركة السيارات، فالمومياوات موضوعة فى كبسولات نيتروجينية، وسيتم استقبالها فى المتحف وإتمام الإسعافات اللازمة، وضمان خلوها من البكتيريا والحشرات، ثم ستنقل إلى مثواها الأخير، فى قاعة المومياوات.
ومن أجل استثمار هذا الحدث للترويج للسياحة المصرية فى جميع أنحاء العالم سيتم عرض اليوم بأكمله على شاشات التليفزيون، فمن يرى مشاهدة الموكب بأكمله لن يستطيع من خلال الوقوف فى الشارع، وأفضل وسيلة لرؤيته هى شاشات التليفزيون، فاستحالة شخص سيستطيع رؤية الموكب بالكامل فى الشارع، كما أنه لا توجد تجمعات بسبب فيروس كورونا، والموكب سيتم نقله على جميع الشاشات المصرية.