الطيب: سيدنا محمد دعا على المتشددين بالهلاك
قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ ا الأزهر الشريف، إن الله تعالى لا يكلف الإنسان من الأوامر إلا بالقدر الذي يستطيع الوفاء به، وتتسع له قواه وطاقته ووقته، ولا يكلف الإنسان ما يعجز عنه ويحمله على الانقطاع وعدم الاستمرار
وأضاف شيخ الأزهر، خلال الحلقة الخامسة عشرة من برنامجه الرمضاني: «الإمام الطيب»، أن الحكمة النبوية بها ما يؤكد أن العمل القليل الدائم خير من الكثير المنقطع، وبها نهي صريح عن المغالاة في التدين والعبادة وذم واضح للتشدد والتنطع في الدين، منوهًا بأن النبي –صلى الله عليه وسلم- دعا على المتشددين بالهلاك حينما قال: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ. قَالَهَا ثَلَاثًا».
وتابع شيخ الأزهر: إن فلسفة الأمر في التشريع الإسلامي تتعارض مع محاولات التنميط، التي تروجها المذهبيات المنتشرة على الساحة الآن، وتحاصر بها حياة المسلم وتمثل عرض منفر ردئ لشرائع الإسلام وأحكامه.
وأشار إلى أن صيغ النهي الواردة في الشريعة الإسلامية على قلتها لا تستلزم التحريم بدلالة تلقائية، فالتحريم تقرره القاعدة العامة في التشريع الأصل في الأشياء الإباحة، وأن تحريم أي شيء لا بد فيه من دليل قاطع يفيد التحريم فائدة صريحة.
وأوضح فضيلة الأمام الأكبر ، أن يسر التكاليف فى الإسلام بلغ أن الاقتصار على أداء الفرائض فقط يكفي في تحصيل السعادة في الدنيا والآخرة، كما في حالة الرجل الذي وعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بالالتزام بأداء الفروض فقط دون زيادة عليها أو نقصان، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عنه: "أفلح إن صدق"، وكما في قوله -صلى الله عليه وسلم-:"ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة وقيل له:ادخل بسلام".
ولفت إلى أن فلسفة "الأمر" في التشريع الإسلامي، في هذا الإطار، تتعارض كليا مع محاولات: "التنميط" التي تروجها المذهبيات المنتشرة على الساحة الآن، وتحاصر بها حياة المسلم، وتمثل في الوقت نفسه انحرافا في فهم الإسلام وعرضا منفرا رديئا لشرائعه وأحكامه، موضحا أن جمهور العلماء من الأصوليين والنظار ذهب إلى أن مجرد النهي يدل على "التحريم"، استنادا لقوله -تعالى!-: {وما نهاكم عنه فانتهوا}، [الحشر: 7]، كما ذهب كثير منهم إلى أن مطلق النهي لا يفيد التحريم، بل يفيد "الكراهة" أو "التنزيه" الذي يقابل التحريم، وأنه يحتاج في الدلالة على التحريم إلى دليل مصاحب يتعين معه قصد التحريم، مشيرا إلى أن هناك رأي ثالث يقول: إن "النهي" يظل موقوفا لا دلالة فيه على تحريم أو كراهة إلا بانضمام دليل آخر، يحدد قصد التحريم أو قصد الكراهة.
وبين أنه تأسيسا على التفسير التعددى لمفهوم "النهي" يقرر الأصوليون أن صيغة النهى ترد للتحريم، مثل قوله تعالى في كثير من المواضع: {ولا تقربوا الزنا}، [الإسراء: 32]، {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} [الأنعام151]، {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [الأنعام: 152]، {ولا تمش في الأرض مرحا} [الإسراء: 37]؛ كما ترد للكراهة في مواضع أخرى في قوله تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة267]؛ بل تخرج الدلالة إلى معان أخرى بعيدة؛ كالإرشـاد في قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101]؛ وبيان العاقبة: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون} [إبراهيم: 42].
وألمح إلى أن ما يلفت النظر فى باب "النهي" هو تقليل "المحرمات" في الإسلام؛ لأن صيغ "النهي" الواردة في الشريعة -على قلتها- لا تستلزم "التحريم" بدلالة تلقائية، بل منها ما يستلزم التحريم، ومنها ما لا يستلزمه، وهذا ما تقرره القاعـدة العامة في التشريع من أن الأصل في الأشياء الإباحة، وأن تحريم أي شيء من الأشياء لا بد فيه من دليل قاطع يفيد التحريم فائدة صريحة، ويلزم على ذلك -ضرورة- انحصار الأشياء الممنوعة في الإسلام في عدد قليل جـدا، وقد جاءت نصوص القرآن مؤيدة لهذا المنحى في التشريع.
وأكد أن سوء الفهم لمباحث "الأمر" في التشريع الإسلامي كان سببا في مزايدات الآراء والفتاوى المتشددة، وعرض أحكام الشريعة عرضا مدلسا مغشوشا، كذلك لعب الجهل بمباحث "النهي" دورا خطيرا في تحويل الإسلام إلى قائمة من الممنوعـات، تحرم على الناس ما أحله الله لهم، موضحا أن المبشرين بهذه المذاهب المشوهة لو فطنوا لأنظار العلماء فى باب الأمر والنهي فى التراث الأصولى؛ لأدركوا أنهم يبشرون بإسلام غريب شكلا وموضوعا على إسلام القرآن والسنة وإجماع المسلمين.