الجمعة 22 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
الشورى

عقب إجازة عيد الفطر المبارك، التى مَنّ الله على أن قضيتها فى مسقط رأسى بمدينة زفتى بمحافظة الغربية، وصلينا فيها صلاة عيد الفطر بعد انتظار لما يقرب من عامين، وما أن عاد الجميع للاحتفال بالعيد داخل منزله إلا ووجدنا مواقع التواصل الاجتماعى تحولت إلى برقيات عزاء فميت مستقبلى يعزى متوفى حديثا، وأب يرثى ابنه وأم تنعى ابنتها وجد ينعى حفيدته وطفل ينعى أمه وشاب ينعى أباه، فجميعنا يعلم أن الموت لا يفرق بين كبير وصغير وبالفعل حضرت فى جمهورية زفتى، عدة جنائز بل وتحول أكثر سكان المدينة لمعزين أو مستقبلى عزاء.

وللحق أقول لم تكن كورونا -هذا الضيف الثقيل- هى السبب الأوحد ولكن تعددت الأسباب والموت واحد، وأكثر ما أدخل الرعب فى قلوب الجميع هو موت الفجأة لشباب ورجال أصحاء لا لشيء إلا انتهاء الأجل والذى لا يعلم علمه وموعده إلا الله، وشعرنا كم أن موت الأحبة ورحيلهم يؤلم بل ويدمى القلوب، ويدمع بل ويحرق العيون، ويضعف ويكسر النفوس، فما لذة الحياة إلا بصحبة من نحب ومن نرتاح لهم، أولئك الذين نسعد إذا حضروا ونشتاق إذا رحلوا، لكن فى هذ المرة سلبهم منا الموت، وغيبهم عنا القبر وأصبحوا بعد أن كانوا مصدر سعادتنا ومكمن اطمئناننا بلا حس ولا صوت ولا حراك، ولكن علينا أن نرضى ونُسلم بقضاء الله وقدره ونؤمن به ونثق فى عدله وحكمته، فقد قضى الله سبحانه الموت لهذا الإنسان الذى فارقنا وكل إنسان وهو فى بطن أمه كما أخبرنا الرسول الكريم أن الله يأمر الملك الموكل به أن يكتب له رزقه وأجله، فهذا أمر الله قد حل بهذا الإنسان فيجب الرضى به، فما نحن إلا عبيد الله وعياله والعبد يرضى دوما بما يكتبه مولاه عليه والله سبحانه هو نعم المولى والنصير. فقدان شخص عزيز أمر فى غاية الصعوبة، وربما يكون الأصعب فى هذه الحياة الدنيا رغم أن الموت هو الحقيقة المطلقة فى هذه الحياة وهو مصير كل حيّ، إلاّ أن مشاعر الحزن والشعور بالفقد قد تكون قوية وفق قرابة الشخص المتوفى من الأشخاص الذين يعانون مشاعر الحزن والفقد، وعادة ما تكون ردّة الفعل الأولى عند المقربين شعور بالإنكار وعدم التصديق، فهم لا يصدقون الخبر خاصة إذا كانت الوفاة مفاجئة ولم يكن الشخص يعانى أى مرض، ويشعر الذى أصابته مصيبة الموت فى قريب أو عزيز أنه فى حلم أو ربما كابوس يتمنى أن يصحى منه سريعًا، حتى إننى أذكر أنه بعد دفن ومراسم عزاء أبى-اللهم اغفر له وارحمه- منذ عدة سنوات صعدت إلى المنزل لأستطلع رأيه فيما حدث، وربما مثلى الكثيرون، ولكن يبقى الإيمان بالله وقدره والتسليم بمشيئته هم أهم ما يُساعد أقارب المتوفى على تجاوز هذه المرحلة، وأحيانًا يكون الوضع أشد وطأة على الشريك أو الابن أو الأب فالمشاعر تختلف من شخصٍ إلى آخر، إلى جانب نعمة النسيان التى وهبها لنا الله عز وجل، ولذلك هناك فرق بين الأشخاص فى تقبّل رحيل شخص عزيز، فأقارب المتوفى يتقبّلون الأمر ويعودون إلى حياتهم الطبيعية بعد مدد متفاوتة ولكن البعض من المقربين قد لا يكون باستطاعتهم العودة إلى حياتهم الطبيعية لفترة طويلة قد تمتد أعوامًا، يتعطّل فيها الشخص الحزين عن أداء المهمات الموكلة إليه فى تصريف شؤون حياته العادية، ولذلك علينا تقبل قضاء الله وقدره ومحاولة العودة السريعة للحياة حتى نكمل رحلتنا كما أكمل من سبقونا إلى الدار الآخرة، فهم بعد وفاتهم ينتظرون منا الدعاء والصدقات والرحمات المهداة بفضل الله لا ينتظرون منا حزنًا لن يفيدهم فى شيء.

نعم الموت هو الحقيقة الجلية فى حياتنا وهو مهلك العباد، وموحش البلاد، وميتم الأولاد، ومُذل الجبابرة الشداد، لا يعرف الصغير ولا يميز بين وضيع وعظيم، فسيف الموت مُسلط على رقاب العباد، ورماحه على صدورهم مشروعة، وسهامه لا تطيش عن المقصود ولقد وصف الله تبارك وتعالى الموت فى كتابه بالمصيبة كما قال "إذا أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِى الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ" نعم الموت مصيبة ولكنه شرع الله الذى أصاب من قبلنا الأنبياء والمرسلين والأولياء المتقين والمقربين، فلن ينجو منه أحد من المخلوقات جميعًا وكما قال القائل "الموت كأس وكل الناس شاربه والقبر باب وكل الناس داخله"، ولكن عزيزى القارئ أتعلم ما المصيبة الأعظم؟ المصيبة الأعظم من مصيبة الموت هى الغفلة عن الموت ونسيانه وعدم العمل من أجل يومه وما بعده، نعم المصيبة الأكبر هى عدم تذكر الموت وعدم الاستعداد للموت، موت الأحبة مدمٍ للقلوب نعم ولكنه أبلغ مواعظه تلين القلوب القاسية وتقظ الضمائر من سباتها وتدعو إلى المحاسبة وتذكرنا بهادم اللذات، جميعنا غفلنا عن الموت وسكراته والقبر وظلماته والسؤال وشدته ويوم القيامة وكرباته والصراط وحدته، فقست القلوب وظهر الفساد وتمسكنا وتعلقنا بالدنيا رغم يقيننا فى الرحيل، تخيل أنك أنت من كنت مكان الغالى الذى رحل تخيل نفسك على فراش الموت تعانى سكرات الموت، وتخيل ممشاك إلى القبر، وتخيل مبيتك فيه وحيدًا فى حفرة ضيقة مظلمة مغلقة محكمة، تخيل أول ليلة تبيتها وأول نزلة تنزلها وأول سؤال تسمعه فى القبر فهل أنت مستعد للإجابة؟! وتخيل حالك وكيف ستكون وقتها عند هذا الخطب الأفظع والأمر الأشنع والحادث الأهدم للذات والأقطع للراحات والأجلب للكربات أليس هذا هو الأمر الأعظم والخطب الأجسم، إنه كأس الموت وهو حكم الحى الذى لا يموت تبارك وتعالى، شربه من سبقونا وهو ينتظرنا لنشربه ونتجرعه حتى نهايته لا مفر من شربه وتجرعه والارتواء به، فلا أجد أى شيء يشغلنا عنه وعن الاستعداد له، علينا التأهب والاستعداد لهذا اليوم الأهم من كل الأيام كفانا جميعًا تسويفًا للتوبة والعودة إلى الله.

 لقد آن الأوان، ربما كثرة الوفيات من حولنا ما هى إلا رسالة ربانية لنا أن فروا إلى وارجعوا تائبين حتى ننال خير الدنيا والآخرة، ربما رؤيتنا لأحبتنا ونحن نهيل عليهم التراب فى حفرة ضيقة ونغلق عليهم الأبواب بعد كل هذا العناء والشقاء فى الدنيا ليتركوا كل شيء فى النهاية، حتى أدق متعلقاتهم الشخصية -التى ربما كنا لا نستطيع فقط الاقتراب منها فى حياتهم- يُذكرنا أن الأهم هو طاعة الله ورسوله والعمل لهذا اليوم وأن كل ما دون ذلك زائل ولا فائدة منه. آن الأوان لنهجر العناد والفساد ونحن نرى وداع الأموات وها نحن قبل الممات أموات، فالميت يُودعه ميت فلا بقاء إلا لله الواحد الأحد، فأنا الآن موجود وربما بعد لحظات أكون مجرد ذكرى فلا أحد يضمن عمره لحظة واحدة، ففورًا ودون تسويف علينا المحافظة على الصلوات والعبادات والكف عن الظلم والغيبة والنميمة والمن والأذى وأكل الربا ومال اليتيم وكل المحرمات والمُلهيات، علينا بتعجيل التوبة والنشاط فى العبادة والقناعة بما فى أيدينا والإكثار من ذكر الله، لننجح فى اختبار الدنيا ونفوز بنعيم الآخرة.

رسالتى للصغار قبل الكبار: الموت قريب.. فتأهـــبـــــــــوا.

تم نسخ الرابط