لا أحد ينكر أننا نعيش أزمة أخلاق تكاد تفتك بمجتمعاتنا، لا تميز هذه الأزمة بين طبقة مجتمعية وأخرى، بل لا تكاد تفرِّق بين أهل العلم والثقافة وغيرهم، فقليل من الناس من ينجو من التنمر الذى أصبح داء أُصيب به الشباب والكبار وحتى الأطفال فى شتَّى المجالات وكافة نواحى الحياة وإن كان مرح الأصدقاء فى بعض الأوقات قد يصل أحيانًا للتنمر إلا أنه يكون على سبيل المزاح ومن الممكن قبوله فى بعض الحالات بين الأصدقاء والأخوة إلا أنه مرفوض رفضًا قاطعًا عندما يتحول لتنمر حول العرق أو اللون أو الأصل حتى وإن كان على سبيل الهزار، وبكل أسف ظاهرة التنمر مازالت مستمرة فى الانتشار على الرغم من صدور قانون يجرمها، وهو ظاهرة عدوانية وغير مرغوب بها تنطوى على ممارسة العنف والسلوك العدوانى من قبل فرد أو مجموعة أفراد نحو غيرهم، وفى النهاية من تعرض للتنمر، فإنه معرض لمشاكل نفسية خطيرة ودائمة، لذلك حسمها الإسلام قبل آلاف السنين حين قال رب العزة فى كتابه الكريم : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].
حسمها رب العزة تبارك وتعالى ونهى عن السخرية من الناس واحتقارهم والاستهزاء بهم بل ووصف من يفعل ذلك بالظالمين، وفى مقالى اليوم أتحدث مع حضراتكم عن تنمر غريب بل وجديد علينا نحن المصريين أصل الجدعنة والكرم ومنبع الوفاء، أحدثكم عن التنمر بمرضى "كورونا" وأهلهم وجيرانهم ورفض التعامل معهم بل أحيانًا فرض حصار عليهم من قبل الأهالى ومنع أولادهم من معاملة أبناء المرضى وكأنهم ضمنوا أنهم بعيدون عن المرض والأمراض، ولم يعلم أن الله سبحانه قادر على شفاء المصاب وابتلائه هو نفسه فما موقفه حال تعرضه وأولاده لتنمر وعزل عن الجيران والأهل لأولاده الذين لا ذنب لهم إلا أن أحد أبويهم أُصيب بالفيروس فى وقت يحتاج فيه الكبير قبل الصغير للدعم المعنوى من الجميع والشعور بأن الجميع ينتظر شفاءه ويدعو الله له لا أن نُزيد عليهم الهموم والأحمال، والتنمر بشكل عام يعد نوعا من المعايرة التى ترفضها أخلاق المصريين، ومع اعترافنا جميعًا بأن هناك حالة من التسيب وعدم السيطرة على السوشيال ميديا والدراما والمحتوى المُقدم من أشباه الممثلين وأشباه المطربين أدى إلى حدوث حالة من الانفلات الأخلاقى فأصبح كل شيء مباحًا، للتقول والتلاسن.
نعم علينا أن نأخذ حذرنا من كل الأمراض وأن نحافظ على أولادنا فهم مسؤوليتنا أمام الله ثم الوطن، فتطبيق التباعد الاجتماعى والتباعد الجسدى مفيد فى كل الأحوال ومهم ولبس الكمامة فى أماكن التزاحم لا يقل أهمية، ابق فى المنزل ولا تغادره إلا عند الضرورة القصوى، اغسل يديك بانتظام وتجنب لمس عينيك وأنفك وفمك، غطِّ فمك وأنفك بكوعك المثنى أو بمنديل عندما تسعل أو تعطس، استعمل المطهرات واحرص على عدم الاختلاط فى كل الأحوال، قدم فورًا للحصول على التلقيح واحرص على الحصول عليه فورًا ولا تتردد فى الحصول عليه بذلك تكون قد أخذت بكل الأسباب التى تبعدك عن المرض ولكن فى النهاية الابتلاء بالمرض من عند الله والشفاء منه بيد الله فلا نملك إلا أن نحاول الاستعانة به سبحانه بالأخذ بالأسباب لنمنع إصابتنا به وتبقى إرادة الله هى الغالبة فى المرض والشفاء فسبحان من بيده مجريات كل الأمور فى كل الأحوال والأزمان.
فالمرض لم يسلم منه أحد، حتى أنبياء الله ورسله، فهو يصيب التقى والفاجر، والغنى والفقير، ويصيب الكبير والصغير، منها أمراض بسيطة وأخرى خطيرة، ومنها هذا المرض الذى يسببه فيروس كورونا، فهو مرض كسائر الأمراض، ليس بعيب ولا عار، وكل ذلك حاصل بقدر الله وعلمه وإرادته، فقد خلق سبحانه الخلق بقدر، وقسم الآجال بقدر، وقسم الأرزاق بقدر، وكذلك المرض والبلاء والعافية كل ذلك بقدر لذلك فالتنمر ضد مصابى كورونا، وأهليهم خاصة أطفالهم هو إيذاء محرم دينيًا وأخلاقيًا ناتج عن أزمة أخلاق وأدب، لن تُنتج إلا الكراهية والحقد وتنافر القلوب والخصومة والقطيعة كنتيجة للتنمر. من قبل اتفق العالم على أن يتعامل بالرحمة مع من يصابون بالأمراض التى تسببها العلاقات الجنسية المحرمة، وأن يبرر مرضهم أنه ربما كان بسبب نقل الدم ونحوه، فكيف بهؤلاء الذين أصيبوا بمرض عادى ووباء منتشر فى كل العالم، ولذلك من يُصاب بكورونا أو غيره، علينا أن ندعمه ونقف معه ونعاونه ولا نؤذيه لا هو ولا أهله لا بالقول ولا باليد ولا بالإشارة ولا بالهمز واللمز، والشماتة، والإقصاء. عزيزى القارئ إياك أن تنسى قول نبيك الأمين "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده".
لعل السبب فى ظهور التنمر هو قلة الوعى لدى الكثير منا بالأمراض بصفة عامة والذى نتج عنه الخوف الشديد من الأمراض، وخاصة من المرض الذى يسببه هذا الفيروس، وهذا الخوف الشديد من الأمراض وخشية الإصابة بها دفعت الكثير من أفراد المجتمع للتعامل مع المصابين بأى مرض ما بحرص شديد يصل إلى درجة البعد ومن هنا ظهر التنمر، بالإضافة لقلة الوعى والخوف الشديد فإن توافر المعلومات الخاطئة عن بعض الأمراض يتسبب أيضًا فى تفشى هذه الظاهرة خاصة أننا كثيرًا ما نهتم فى إظهارنا للأمراض بالأعراض وطرق الإصابة بها وخطورتها ونُضخم فى الخطورة ونصورها على أنها وحش وبالتالى يخشى المواطنون التعامل مع المصاب، وللحق إطلاق السمعة السيئة ووصم المصابين بالعار ظاهرة ليست فى مصر فقط، فالجهل والأفكار الغريبة موجودة حتى فى المجتمعات، لذلك لابد من قيام وسائل الإعلام بنشر التوعية حول التعامل مع المصاب وأهله والأطباء والتمريض، حتى لا نرى مشاهد غير إنسانية، بل وغير أخلاقية، وغير مبررة على الإطلاق لقلة من الغوغاء الذين لا يمثلون الغالبية العظمى من الشعب الطيب المعروف بالشهامة والمروءة والجدعنة، ونمحو من ذاكرة أطفالنا تلك المشاهد والكلمات التى آذتهم لا لشيء إلا مرض أحد أفراد عائلتهم.
التنمر ضد مرضى كورونا فيروس مجتمعى أخطر من فيروس كورونا نفسه، فهو من الأمراض الأخلاقية التى تحتاج إلى عقود من الزمن للقضاء عليها مع يقظة كاملة من الإعلام المرئى، وقبله يقظة المنزل وتربية الأم والأب ومراجعة كل شيء وتعليم الأبناء أن يعرضوا الكلمة والفعل على ضمائرهم قبل خروجها ويضعوا أنفسهم محل مُتلقى الكلمة ويراقبوا الله فى أفعالهم وأن التنمر من المرضى وذويهم شيء يُغضب الله ورسوله، فالتنمر ضد مرضى كورونا فيروس أخطر من فيروس كورونا نفسه، علموهم أن التنمر ضد مرضى كورونا جريمة.