الجمعة 22 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
الشورى

فى دراسة للدكتور سليمان حزين بعنوان "حضارة مصر أرض الكنانة"، كان متأملا فى أحوال مصر وبيئتها وموقعها الجغرافى وحضارتها العريقة ودور الإنسان المصرى فى بناء تلك الحضارة، والأمانة التى حملها على مر العصور، وفى صدر الدراسة المكتوب مقولة تقول: "لم تكن مصر الحضارة هبة النيل كما قال عنها هيرودوت ,وإنما هى كانت هبة الإنسان المصرى للحضارة والتاريخ، ويقول الدكتور سليمان فى إهدائه: "إليك أيها المصرى".

ضبطت جريان النهر العظيم فوق واديك العتيد وأرسيت دعائم الحياة والحضارة فوق ترابك الطيب، وأقمت أول مجتمع موحد، وأعرق حكومة واحدة عرفتها الدنيا، فكنت بذلك كله مبدع الحضارة ومرسى الحكم وصانع التاريخ، وكتاب حضارة مصر للدكتور سليمان غير تقليدى فى منهجه ولا فى منحى تأملاته أو رتابة أبوابه على نحو ما تجرى عليه الأبواب، والفصول فى كتاب جغرافى، ومع ذلك فجميع أبوابه تسير على نهج واحد يتمثل فيه تطور تفكير الكاتب فى مسيرته على طريق منهج الجغرافيا الحضارية، ومثابرته فى السير على هذه الطريقة فى علم الجغرافيا الحديث والمتطور.

لقد عرفنا من خلال هذا الكتاب على سبيل المثال عظمة نهر النيل، فإن نهر النيل نهر عظيم وسر عظمته يرجع إلى تكوينه الطبيعى وإلى ما يمتاز به من مميزات جغرافية طبيعية فهو من أطول أنهار العالم إذ يبلغ أكثر من 6 آلاف كيلو متر وهو كذلك يمتد فى استقامة غير عادية إذ أن اتجاهه العام هو من الجنوب إلى الشمال فيما بين خطى طوله 29 درجة و39 شرقا. وعلى ضفاف النيل نشأت أقدم الحضارات النهرية المستقرة وامتازت بالاستمرار ففى بلاد اليونان مثلا ظهرت حضارة عريقة ثم زالت وانتهت وكذلك الحال فى أرض العراق ذاتها إذ تتابعت الحضارات السومرية والأكادية والبابلية والآشورية وغيرها حتى جاءت الحضارة العربية وكانت الحياة الزراعية فيها متقطعة بخلاف الحال فى وادى النيل ومصر على الخصوص حيث استمرت الحياة الزراعية والحياة فى القرية المصرية دون انقطاع، وتعتبر دراسة الدكتور سليمان من أشمل الدراسات عن نهر النيل من منبعه حتى مصبه كاشفا سر هذه الحيوية فى حياة مصر وحضارتها.

وتناول الفصل الثالث من الدراسة "مقومات الحضارة المصرية"، البيئة والإنسان والحضارة فى وادى النيل، فيقول إن تكامل الحياة والحضارة فى مصر لم يكن مرده إلى البيئة وحدها وإنما كان مرجعه أيضا إلى استجابة الإنسان لدوافع تلك البيئة ولئن كان هيرودوت فى القرن الخامس قبل الميلاد قد قال، إن مصر هبة النيل، فإن ذلك القول يحتاج إلى شيء من التصحيح ذلك أن نهر النيل إن ترك وشأنه فإنه نهر عنيف لا سيما إبان الفيضان ويتمثل ذلك العنف فى أنه يجرف جوانبه ويزيل التربة وينقلها من جانب إلى جانب ولذلك فإنه كان دائما بحاجة إلى ضبط وإلى تنظيم لوسائل الاستفادة من مياهه وهنا جاء دور الإنسان فأكمل ما بدأته الطبيعة واستطاع أن ينشئ حضارته بفضل استجابته لدوافع بيئته المحلية.

وإن بيئة مصر فى وادى النيل الأدنى لم تقتصر على أرض الوادى، وما يحيط بها من صحارى على الجانبين وإنما شملت البيئة كذلك ما يعيش فى الوادى أو يسعى على أرضه من نبات وحيوان والحق أننا حين ندرس البيئة الجغرافية دراسة متكاملة فإنه يجب علينا أن نمتد بالدراسة إلى الثروة النباتية التى استغلها الإنسان فى الزراعة وغيرها، والثروة الحيوانية التى غير الإنسان معالمها كذلك، حين أضاف إليها من عصر لعصر حيوانات جديدة جلبها من الخارج، ورباها على أرض النيل، فالصورة الكاملة لحياة الإنسان فى البيئة لا تتم إلا بدراسة ما يعاصر الإنسان أو يعاشره من نبات وحيوان وما يتأثر بحياة الإنسان أو يؤثر فيها من هذين العنصرين الأساسيين من عناصر الحياة فى البيئة، وهناك عامل جغرافى آخر له قيمته وله خطره، ذلك هو الموقع الجغرافى وما استتبعه من اتصالات بالعالم المجاور والعالم البعيد، كان لها أثرها فى تاريخ مصر العام.

تم نسخ الرابط