لم تعرف مصر ظاهرة الإرهاب فى تاريخها رغم قدرة تلك الظاهرة وارتباطها بالصراع السياسى الذى كانت مصر محوره على مر الزمان، فمنذ القرن العاشر الذى ظهرت فيه المنظمة الشيعية الإسماعيلية المتطرفة "الحشاشين"، والتى أشاعت الرعب بين الحكام وقادة الجند ورجال الدين فى العالم العربى ومن بينه مصر، والتى كان رجالها شوكة فى جنب صلاح الدين الأيوبى فى حربه مع الصليبيين حين قاموا بأدوار دنيئة فى تلك الحروب، منذ ذلك الزمن لم تظهر فى مصر منظمة إرهابية ذات تنظيم وكوادر باستثناء التنظيم السرى للإخوان المسلمين الذى يرجع إنشاؤه عام 1940 بقيادة عبد الرحمن السندى.
وتورط عبد الرحمن السندى فى عدة عمليات عنف بدأ فيها بإلقاء القنابل بالإسكندرية على نادى الضباط الإنجليز ثم اغتيال القاضى أحمد الخازندار لإصداره أحكاما مشددة ضد أشخاص من التنظيم ضبطت معهم قنابل لم تنفجر. ووقع حادث الاغتيال فى مارس 1948 وبعد التحقيقات أصدر رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى قرارا بحل الجماعة فى ديسمبر من نفس العام وردا على ذلك اغتال التظيم رئيس الوزراء نفسه كما شرع فى اغتيال حامد جودة رئيس مجلس النواب، ثم انتهى الأمر باغتيال حسن البنا نفسه فى حادث غامض عام 1949، وقد حفلت هذه الفترة من تاريخ مصر بأنواع مختلفة من الصراع منها ما اتخذ صور العنف مثل اغتيال أحمد ماهر ومحاولات اغتيال مصطفى النحاس، ومنها المؤامرات والصراعات بين الوفد الذى يمثل الأغلبية وبين أحزاب الأقلية التى اصطنعها الملك بالإضافة إلى مكائد القصور والانشقاقات الحزبية وانتشار الأفكار الشيوعية والفاشية وغيرها، ولم تسلم جماعة الإخوان نفسها من الصراعات الداخلية، وتعددت تحالفاتها وعداءاتها مع مختلف القوى المتصارعة على الساحة.
ومع قيام ثورة 1952 تحالف الإخوان مع الثورة، ورغم قيام الثورة بحل الأحزاب فى البلاد فى 16 يناير عام 1953 إلا أن قرار الحل لم يشمل جماعة الإخوان مع أنهم كانوا يمارسون نشاطا سياسيا أوسع بكثير من عدد الأحزاب غير الجماهيرية التى كانت بالاسم فى ذلك الوقت، ولكن تحالف الإخوان مع الثوار الجدد لم يستمر طويلا إذ بدأ النظام السرى للجماعة فى التمرد على القيادة العليا لها وقام رئيس الجهاز باغتيال منافس له هو المهندس سيد فايز بواسطة طرد ناسف أرسله إلى منزله فى 21 نوفمبر عام 1953 ونتج عن الحادث وقوع انشقاقات وخلافات عميقة داخل الجماعة. وفى عام 1954 جرت محاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر وقامت الحكومة ردا على ذلك بحملة كاسحة ضد الجماعة وجرى اعتقال المنتمين إليها وتقديم عدد كبير للمحاكمة واستمرت الحكومة فى حملتها ضد الجماعة حتى وفاة عبد الناصر عام 1970. وقد أفرزت هذه الفترة 1954 إلى 1970، مدرسة جديدة هى مدرسة سيد قطب والتى تبلورت فى الستينيات وهى المرحلة التى ظهرت فيها كتبه "هذا الدين"، "المستقبل لهذا الدين"، "معالم فى الطريق"، ومحور رؤية سيد قطب أن النظام الاجتماعى يعيش وضعية الجاهلية، وأن الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله فى الأرض، وعلى أخص خصائص الألوهية وهى الحاكمية، والحاكمية فى الوضع الجاهلى تسند إلى البشر فتجعل بعضهم لبعض أربابا، لا فى الصورة الساذجة التى عرفتها الجاهلية الأولى، ولكن فى صورة دعاء حق وضع التصورات والقيم والشرائع والقوانين والأنظمة والأوضاع بمعزل عن منهج الله، فينشأ عن هذا الوضع الاعتداء جاهلية التصورات والعقائد والعادات والتقاليد والفنون والآداب والشرائع والقوانين.
ويطرح سيد قطب على الصعيد الحركى والتنظيمى مفهوم العزلة فى فترة الحضانة إلى حد المفاصلة مع الواقع وتغيير جذوره ويتضح من استقراء كتابات سيد قطب أن هناك مفهومين اثنين يستخدمان كمفتاح للعلاقة بين الإنسان والله، هما العبودية والحاكمية وهذان المفهومان كانا قد ظهرا فى كتاب العالم الباكستانى أبو الأعلى المودودى.
وقد سرب سيد قطب كتاباته أثناء وجوده فى السجن حتى منتصف عام 1965 وأصبح فكره رائدا لجماعة من الإخوان هم القطبيون وفى 30 أغسطس عام 1965 أعلن الرئيس عبد الناصر فى خطاب ألقاه فى موسكو أن الإخوان المسلمين هم القوة التى تقف خلف مؤامرة كبيرة كشفتها أجهزة المخابرات وكانت قد جرت حملة اعتقالات واسعة منذ بداية ذلك الشهر لجماعة الإخوان المسلمين وحوكم أيضا سيد قطب وعدد من الإخوان الآخرين، وانتهت المحاكمات بإعدام قطب فى 29 أغسطس 1966 والحكم على آخرين بأحكام متفاوتة.