محمود الشويخ يكتب: «لا عاصم لكم اليوم » كيف أنهت تونس عصر الإخوان بالضربة القاضية؟
- ما سر غضب الرئيس قيس سعيد على الجماعة؟.. ولماذا قرر تجميد البرلمان وإقالة الحكومة؟
- هل تستسلم حركة النهضة الإخوانية أمام الشعب؟.. وكواليس سيناريوهات الأيام المقبلة .
- ماذا فعل التونسيون لإنهاء حكم الإرهاب؟.. وهل استفادوا من التجربة المصرية الملهمة؟
إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلى ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ
أبيات نظمها شاعر تونس الأعظم، أبوالقاسم الشابى، فى تسعينيات القرن الماضى.. وها هم أبناء تونس الخضراء يثبتون أن "إرادة الحياة" تنتصر على "أعداء الحياة".. وأن "النور" سينتصر على "الظلام" مهما طال الزمن.
تعيش تونس الآن، وللحق يعيش معها العرب أجمعين، فرحة "الانتصار الكبير"، بعد أن تخلصت من "سرطان الإخوان" بقرارات تاريخية للرئيس الشجاع قيس سعيد، أنهت سنوات من سيطرة حركة النهضة، ذراع جماعة الإخوان الإرهابية، على مقاليد الحكم فى هذا البلد العزيز علينا جميعا.. فسارت به إلى الفوضى والانهيار الاقتصادى والصحى وأصابت مؤسسات الدولة بشلل تام.
لقد كان يوم ٢٥ يوليو تاريخيا بحق فى تاريخ تونس الحديث.. فى هذا اليوم اختار التونسيون أن يحتفلوا بعيد الجمهورية بشكل مختلف.. قرروا فى هذا اليوم أن ينقذوا الجمهورية من أنياب الإرهاب.. فخرجوا فى مظاهرات حاشدة بمختلف المناطق وتظاهروا أمام مقرات حركة النهضة مطالبين بإسقاط حكم الإخوان عن بلد الحبيب بورقيبه.
وفى الليل كان قصر قرطاج يتحضر للاحتفال بعيد الجمهورية حيث خرج الرئيس قيس سعيد بسلسلة من القرارات الهامة فى محاولة لترتيب المشهد السياسى الراهن، الذى يخيّم عليه العنف المتبادل والاحتجاجات والإضرابات وتعطّل مصالح عدة فى مؤسسات الدولة، عقب اجتماع طارئ عقده مع القيادات العسكرية والأمنية.
قرارات الرئيس التونسى تضمنت إقالة رئيس الحكومة هشام مشيشى، وتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن نواب البرلمان، مع تولى قيس سعيد السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة جديد يعينه بنفسه، وذلك استنادا إلى الفصل 80 من الدستور التونسى.
والفصل 80 ينص على أنه لرئيس الجمهورية فى حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادى لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التى تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِنُ عن التدابير فى بيان إلى الشعب.
ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادى لدواليب الدولة فى أقرب الآجال، ويُعتبر مجلس نواب الشعب فى حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة، وفى هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة، ولكن يحق له تجميد عمل البرلمان وإلغاء الحصانة عن كافة النواب.
وبعد مُضى ثلاثين يومًا على سريان هذه التدابير، وفى كل وقت بعد ذلك، يُعهَد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه البتُّ فى استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه، وتصرح المحكمة بقرارها علانية فى أجل أقصاه خمسة عشر يومًا.
ويُنهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها، ويوجه رئيس الجمهورية بيانًا فى ذلك إلى الشعب.
وفى تأويل الفصل 80، هناك البعض من الثوابت فيما تتعدد القراءات فى عدة نقاط منه لكن المتداول عند معظم أساتذة القانون الدستورى الذين تطرقوا لفصل هو أنه:
ـ ينظم حالة الاستثناء وهى مختلفة عن حالة الطوارئ وحالة الاستثناء هى حالة "فريدة من نوعها".
ـ لرئيس الجمهورية هامش مهم من السلطة التقديرية وله إمكانية الاستناد إلى هذا الفصل أو تجنب ذلك خاصة فى ظل غياب المحكمة الدستورية.
ـ إعلان حالة الاستثناء يخوّل للرئيس اتخاذ "التدابير" وهى عبارة جاءت على إطلاقها فى الفصل 80 وبالتالى بإمكانه اتخاذ تدابير من اختصاص المشرّع، أو رئيس الحكومة بما معناه أن تفعيل هذا الفصل يمكن أن يُعلّق العمل لفترة بمبدأ الفصل بين السلطات وتركيز السلطة بالتالى عند الرئيس.
ـ هناك حدود لهذا الفصل من ذلك أن يتعلق الأمر بحالة مؤقتة لا يمكن أن تكون دائمة، أيضًا لابد أن تصب التدابير الاستثنائية ضرورة فى عودة تأمين السير العادى لدواليب الدولة فى أقرب الآجال وأن لا تكون خارجة عن الدستور.
ومنذ المصادقة على دستور الجمهورية الثانية أو دستور يناير 2014 كما يُطلق عليه البعض، لم يتم تفعيل الفصل 80 أبدًا لكن الدعوة لذلك ليست حديثة إذ سبق أن كان "الفصل الشهير" محل نقاش واسع بين المختصين والمتابعين للشأن السياسى فى شهر يوليو الماضى وذلك إبان تصريحات لرئيس الجمهورية قيس سعيد حينها، فُهمت كأنها تمهيد للتوجه نحو تفعيل هذا الفصل.
فى تلك الفترة، كان سعيد قد قدم "تصريحات" تحديدًا بتاريخ 20 يوليو 2020، إذ صرح بأنه "لن يقف مكتوف الأيدى أمام تعطل البرلمان"، مضيفًا: "الدولة فوق كل الاعتبارات ومؤسساتها يجب أن تعمل بصفة طبيعية.. يحصل أن تكون هناك مناكفات فى بعض المجالس قد تصل حد العنف لكن أن تصل إلى مرحلة تعطيل مؤسسة دستورية فهذا غير مقبول بأى مقياس من المقاييس".
وقال سعيد فى ذات التصريح: "الوسائل القانونية المتاحة بالدستور موجودة لدى اليوم بل هى كالصواريخ على منصات إطلاقها ولكن لم أرد اللجوء إليها فى هذا الظرف بالذات، لكن لن أترك الدولة التونسية بهذا الشكل الذى تسير إليه. أرجو أن نجد حلاً لهذا الوضع الذى لا يجب أن يستمر. النص الدستورى يمكننى من التصرف ونحن نعيش أخطر وأدق اللحظات فى تاريخ تونس منذ الاستقلال وعلى الجميع التحلى بروح المسؤولية".
وكانت قد تزامنت هذه التصريحات مع تعطّل على مستوى عمل البرلمان نتيجة احتجاجات واعتصامات متتالية لكتلة الحزب الدستورى الحر وما تلى ذلك من عنف لفظى ولوائح برلمانية وغير ذلك، وكان حديث رئيس الجمهورية عن "الوسائل القانونية المتاحة له بالدستور" مشيرًا بوضوح، وفق المختصين فى القانون والمحللين السياسيين، للفصل 80 إذ يعطى هذا الفصل الرئيس صلاحيات واسعة لا يُمكنه منها أى فصل آخر، لكن لم يتم تفعيل الفصل حينها وتواصل الجدل فى إمكانية اعتبار المشاحنات داخل البرلمان مبررًا للإحالة إلى "حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذّر معه السير العادى لدواليب الدولة".
وبتاريخ 7 ديسمبر الماضى كان سعيد قد لوح من جديد بتفعيل الفصل 80 إذ قال، فى كلمة أمام عدد من النواب الذين استقبلهم فى قصر قرطاج إثر حوادث العنف اللفظى والمادى التى عرفها البرلمان مؤخرًا، إنه "يوجه الإنذار تلو الإنذار والتحذير تلو التحذير بأنه يحترم الشرعية والقانون ولكن لن يترك تونس تتهاوى ولن يترك مؤسساتها تسقط، ومن يعتقد أننا لا نتابع ما يحصل فهو واهم''.
وبلهجة تحذير حادة، واصل كلمته "نعرف كل شيء، وستأتى اللحظة التى سأحمّل فيها الجميع المسؤولية أمام الله والشعب والتاريخ، لن نقبل بأن تسيل الدماء وأن يمهّد البعض لإسقاط الدولة.."، مؤكدًا "ستسقط كل المؤامرات''.
وبعد أن نفد صبره نفذ الرئيس الفصل ٨٠.. وبعدها عمت حالة من الفرحة والاحتفالات الشارع، وقام التونسيون بتنظيم مسيرات جابت أرجاء الشوارع الرئيسية احتفالا وابتهاجا.
وعلى الصعيد الشعبى أيضا، أكد الاتحاد التونسى للشغل، أكبر تجمع نقابى فى البلاد، ضرورة التمسك بالشرعية الدستورية فى إجراء يتخذ فى هذه المرحلة التى تمر بها البلاد لتأمين احترام الدستور واستمرار المسار الديمقراطى وإعادة الاستقرار لتونس.
وهذا يعنى عمليا أن الاتحاد التونسى للشغل، وهو مؤسسة نافذة فى البلاد، تؤيد قرارات الرئيس سعيد بحق الحكومة والبرلمان، لكن بشروط.
وشدد الاتحاد التونسى للشغل فى بيان على وجوب مرافقة التدابير الاستثنائية التى اتخذها الرئيس قيس سعيد بجملة من الضمانات الدستورية.
وأوضح أن هذه الضمانات تتمثل فى "ضرورة ضبط أهداف التدابير الاستثنائية بعيدا عن التوسع والاجتهاد والمركزة المفرطة وتحديد مدة تطبيق الإجراءات الاستثنائية والإسراع بإنهائها، حتى لا تتحوّل إلى إجراء دائم والعودة فى الآجال إلى السير العادى وإلى مؤسسات الدولة، وكذلك ضمان احترام الحقوق والحريات بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية". وقال الاتحاد إن المكتب التنفيذى الوطنى التابع له "انعقد بصفة طارئة على إثر التدابير الاستثنائية التى اتخذها رئيس الجمهورية وفق الفصل 80 من الدستور توقيا من الخطر الداهم وسعيا إلى إرجاع السير العادى لدواليب الدولة وفى ظلّ تفشّى الكوفيد". وعبر الاتحاد عن رفضه لجوء أى طرف مهما كان موقعه أو موقفه أو دواعيه إلى العنف، وفى الوقت نفسه، أكد موقفه الرافض لسياسة التشفّى أو تصفية الحسابات وضمان خروج سلمى من هذه المرحلة الدقيقة والصعبة. وحيا اتحاد الشغل المؤسسة العسكرية ودعا كلّ الأطراف إلى وجوب النأى بها عن التجاذبات السياسية، إيمانا منه بعراقة هذه المؤسّسة ووطنيتها وتمسّكها غير المشروط بحماية أمن البلاد والعباد، حفاظا على مدنية الدولة . وشدد على ضرورة مراجعة التدابير الخاصة بالقضاء لضمان استقلاليته، وحيا أيضا التحركات الاجتماعية والشعبية السلمية التى انطلقت فى العديد من الجهات وشكلت حلقة فى سلسلة مراكمة النضال الشعبى والاجتماعى فى تونس. وأدان الأسلوب القمعى الذى انتهجته الحكومة تجاهها وأفضى إلى انتهاك الحريات واعتقال العديد من النشطاء وكادت تعود بالبلاد إلى مربّع الاستبداد.
أما على صعيد الإخوان.. فكما هو متوقع رفضت حركة النهضة الإخوانية قرارات الرئيس واعتبرتها انقلابا على الدستور.. بينما الحقيقى أنها تطبيق للدستور.
حمى الله تونس وأهلها من كل شر.