الأحد 30 يونيو 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
الشورى

لم تكن هجرة النبي من مكة إلى المدينة مجرد حدث عابر يدرج أحداث التاريخ، بل كانت حدثا فريدا دائم التألق في التاريخ ويؤرخ به التاريخ هذه الهجرة التي مكنت لدعوة الإسلام في المدينة، فكانت المدينة هي الحصن الحصين لها والمنطلق الآمن إلى آفاق الأرض، لنشر أضواء الهداية على الناس بعد استشرى فيهم الجهل وساد الظلام وأصبح صوت الباطل هو المجلجل المدوي وصوت الحق هو الخافت المنزوي.

ولأنها كانت حدثا فريدا تميزت به دعوة الإسلام وأمة الإسلام قرر عمر بن الخطاب في خلافته وهو الفاروق الملهم، أن تكون هي سجل التاريخ أو معلم أحداث التاريخ أو الأصل الذي يرجع إليه في تحديد أزمان الأحداث قبله وبعده إلى يوم القيامة وقد أجمع الصحابة في عهد عمر وبعده على ذلك وسار عليه المسلمون إلى اليوم وإلى أن تقوم الساعة لأنه فضلا عما يحمل من معاني التمييز والخصوصية لهذه الأمة، يعتمد على ظهور الأهلة في حساب مواقيت الشهور وهذا أكثر انضباطا في التقويم من حساب التواريخ الأخرى التي تختلف شهورها بين الزيادة والنقصان على غير أساس سليم أو منضبط انضباطا يقبله منطق العقل.  ولو تحدثنا عن هجرة النبي فهي هجرة التمكين، وهذه الهجرة التي تميزت بها دعوة الإسلام وأمة الإسلام قد اخترنا لها عنوانا خاصا بها، وهو: هجرة التمكين، فإن الدعوة بهذه الهجرة قد تخلصت من اضطهاد أعدائها الأقويا الذين كانوا يحاصرونها من كل جانب ويحيكون لها المؤامرات للقضاء عليه والفتك بجميع أصحابها وعلى رأسهم رسولها الذي اصطفاه ربه لها.

وقد اتخذت هذه الهجرة طابعا خاصا بها من حيث المكان والزمان والغاية فهي محدودة من حيث المكان بالارتحال من مكة إلى المدينة ومن حيث الزمان من سنة الهجرة إلى السنة التي افتتح فيها المسلمون مكة بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، أي ثماني سنوات ومن حيث الغاية بإعداد أمة راسخة البنيان بمؤسساتها الدستورية والسياسية والاجتماعية والحربية والأمنية والقضائية.

هذا ما أفصح عنه قوله تعالى: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض، والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا، وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا عل قوم بينكم وبينهم ميثاق، والله بما تعملون بصير، وقوله ص: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا"، وهذا الحديث قد رواه البخاري ومسلم. وإن كانت هجرة التمكين لها طابعها الخاص الذي حدد مشروعيتها من حيث المكان والزمان والغاية، فإن هناك هجرات أخرى مشروعة يحث عليها الإسلام ويدفع جماعات البشر إليها في أي مكان وزمان، إنها خجرات تدفع إليها دوافع مختلفة يقيم لها الإسلام اعتبارا حافلا وأهمية بالغة، وهي تأخذ في هذا الاعتبار وهذه الأهمية قدرا عظيما ولكنه لا يصل إلى قدرة هجرة النمكين في الاحتفال والتنويه بعظم شأنها بل يقاربه لأنها قريبة الشبه بها. 

ودوافع هذه الهجرات قد تتكر عبر التاريخ فتضر إلى الارتحال بسبب هذه الدوافع جماعات من البشر ولذلك عنى القرآن بشأنها موضحا مدى سيطرة كل دافع من هذه الدوافع وتأكيد أحقية الاستجابة لكل منها ويمكن حصر هذه الدوافع في طلب الأمن وطلب الرزق وطلب العلم ونصر المظلوم واستكشاف أسرار الكون. 

وهناك نوع آخر من الهجرات، وهي الهجرة لطلب الأمن، إذ حث الإسلام على هذه الهجرة حتى إنه وصف الذين تقاعدوا ولم يهاجروا بأنهم "ظالمو أنفسهم" وأنهم بعدم الهجرة وضعوا أنفسهم موضع المسئولين عند وفاتهم سؤال تبكيت وتقريع وتوبيخ فلا هم في حياتهم سعداء ولا هم عند وفاتهم تخلصوا من البلاء.

تم نسخ الرابط