طالعتنا الصحف والمواقع فى الأسبوع الماضى، بواقعة غدر قبيحة غريبة على مجتمعنا المصرى، حين نشرت خبر مقتل فتاة تعمل بعيادة طبيب داخل مول تجارى بمدينة كفر الدوار بمحافظة البحيرة، على يد ثلاثة أشخاص بينهم فتاة وصفوها ونهتوها بأنها صديقة القتيلة وأنها استعانت بشابين لتنفيذ الجريمة، والواقعة ارتُكبت بدافع سرقة هاتفها المحمول وحقيبتها ومبلغ مالى، واقعة أبعد ما تكون عنا نحن المصريين وأرفض بكل شدة وقوة أن تُوصف القاتلة بأنها صديقة القتيلة فلا هى صديقتها ولا صادقتها فقط هى خائنة جاحدة حاقدة قاتلة لا يجب ولا يصح أن نصفها بالصديقة فأين هى وأين الصداقة وإن كانت هذه صديقة فكيف يكون العدو اللدود؟ فمن تُخطط وتُدبر لقتل وإزهاق روح تنعتها بالصديقة بئس الصديقة وسحقًا لهذه الصداقة فالصداقة منازل ودرجات وهذه الفتاة لم تقترب حتى من أدنى درجات الصداقة، فما هى إلا شيطان بجسد أنثى قادها الحقد والغل والطمع والكره لارتكاب جريمة وصفها الخالق بأن من فعلها فكأنما قتل الناس جميعًا وننتظر حكم القضاء العادل فيها كى تكون عبرة لمن تسول نفسه خيانة الصداقة بل التبرؤ منها وسحقها وهى التى كرمها الله تعالى ورسوله الكريم ووعدا المحافظين عليها بدرجات ليست لغيرهم من سائر البشر.
وأوضح الدين أهمية الصداقة، فوضع قواعد واضحة لكيفية اختيار الصديق، حتى تكون هذه الصداقة مبنية على أساس متين وتعود بالنفع على الفرد والمجتمع، فالصديق يتأثر بصديقه فى أشياء كثيرة منها الإيجابى ومنها السلبى، فقد حثنا النبى على حسن اختيار الصديق، وألا تكون تلك الصداقة قائمة على مصلحة أو منفعة، وإنما هو حب وأخوة فى الله، يقول رسول الله: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"، فينبغى للمرء أن يُحسن النظر فيمن يختاره للصداقة والخُلة، فلابد من التدقيق فى اختيار الأصدقاء والرفقاء والجلساء والتفرقة بينهم وتصنيفهم لأن الإنسان يُوزن بميزان من يُخالطه، فالصديق الصالح هو الذى يرشدك إلى طاعة الله تعالى، فالمتقون يجتمعون على طاعة الله، ويفترقون على طاعته سبحانه، ولا يمكن لأحد منهم أن يغش أو يخون بعضهم بعضًا، ولا يضل بعضهم بعضًا فالاجتماع مبنى على محبة بعضهم فى الله، فهناك أصدقاء أقرب لبعضهم البعض عن الإخوة الأشقاء، وقد وصفهم النبى الكريم بوصف - نسأل الله أن يجعلنا منهم- حين قال "إن لله عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانتهم من الله تعالى، فقال الصحابة: من هم يا رسول الله؟ قال: هم قوم تحابوا فى الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يفزعون إذا فزع الناس"، تلك هى الصداقة فلا تجتمع الصداقة مع القتل.
لا شك أن وجود أصدقاء أوفياء معنا فى مواقف الحياة الصعبة يجعل حياتنا أفضل ونصبح أفضل فيتعافى المرء بصديقه، وعلى العكس فإن وجود أصدقاء زائفين مقلقين يمكن أن يجعل حتى أفضل موقف مروعًا للغاية، ومواقف الحياة بوجودهم تصبح جحيما، فالأصدقاء الحقيقيون هم الذين يتواجدون عندما تحتاج إليهم، تجدهم دائمًا داعمين معينين يتواصلون معك لأنهم يحبونك ويحبون الخير لك على عكس الصداقة الزائفة الذين يتواصلون معك لأنهم يرغبون أن تدوم العلاقة لمصلحة ما، هم أؤلئك الذين يصدقون الشائعات عنك بل أحيانًا هم من يطلقوها، لكن الأصدقاء الحقيقيون يدافعون عنك فى غيابك فتشعر بوجودك فى مكان أنت لست فيه لأن صديقك الوفى مكانك، الصديق الوفى هو الذى يقبل عذرك ويسامحك إذا أخطأت ويسد مكانك فى غيابك، يظن بك الظن الحسن وإذا أخطأت بحقه يلتمس العذر، وهو متأكد أنك لم تقصد، هو الذى يرعاك فى مالك وأهلك وولدك وعرضك، ويكون معك فى الضراء قبل السراء وفى الحزن قبل الفرح وفى السعةِ والضيق وفى الغنى والفقر، ينصحك إذا رأى عيبك، ويشجعك إذا رأى منك الخير، ويعينك على العمل الصالح ويسعى فى حاجتك إذا احتجت إليه، يحبك بالله وفى الله دون مصلحة مادية أو معنوية ويدعو لك بظهر الغيب دون أن تطلب منه ذلك، الصديق الحق يرفع شأنك بين الناس وتفتخر بصداقته، يفرح إذا احتجت إليه ويهرع لخدمتك دون مقابل ودون طلب منك، أى أنه يتمنى لك ما يتمنى لنفسه، وللحق أقول كم هو محظوظ ذلك الشخص الذى يستطيع أن ينجح فى اكتساب صديقٍ حقيقى يُرافقه ويقف إلى جانبه فى أفراحه وأحزانه وطوال فترة حياته.
فالصديق ھو حديث الروح، وھو المرجع فى كثير من الأمور، وھو الرفيق الأطول صبرًا عليك - بعد الأم- فى رحلة الحياة الطويلة ففى الصداقة يُقتسم كل شيء على نفسين وروحين فتتنفس الصدور قليلًا بعد وقت من الحمول الزائدة انتظارًا لرؤية الصديق الوفى، وبالفعل إذا ما عاش الإنسان حياته باحثًا عن ذلك الصديق فقد استهلك عمره جيدًا حتى ولو لم يُصادفه، والصداقة الحقيقية لا علاقة لها بالمكالمات الطويلة ولا التواصل اليومى واللقاءات الكثيرة، فهو شيء أعمق من ذلك بكثير هو ذاك الشخص الذى ترى نفسك من خلاله وإن تاهت نفسك منك تجدها عنده، لا يطلب منك التعبير له عن حبك ولا شوقك فهو يدرك أين مكانه فى قلبك، يدرك مكانه المختلف جدًا عن الآخرين وكذلك شعورك تجاهه ذاك هو الصديق الحق فلا تفقده، عزيزى القارئ هل تجتمع الصداقة مع القتل؟ بالطبع لا فـ"لا تنعتوا القاتل بالصديق".
ــ سلامات يا خطاب تعرض صديقى المحاسب القانونى وخبير الضرائب أحمد عهدى خطاب، لوعكة صحية كبيرة أسأل الله أن يمن عليه بشفاء لا يغادر سقمًا وأن يرده لأهله ومحبيه سالمًا معافًا، أجر وعافية إن شاء الله يا خطاب.