أية عزت تكتب : « الوهم الكبير » .. أزمة كل تنسيق.. كليات القمة وفكر القاع
- أى كلية وأى مجال وأى تخصص قمة.. وأعلى الدرجات ليست دليلاً على ارتفاع معدل الذكاء ولا العبقرية .
- أى نوع من أنواع تقسيم الكليات من حيث الأفضلية العلمية هو تدن فكرى صريح وواضح .
- الإنسان هو صانع قمته فى أى مكان وُجد وبأى كلية التحق.. فالمكان لا يحقق النجاح للإنسان .
- من جعل الطبيب طبيباً والمهندس مهندساً هو المُعلم والمُعلمة خريجا كلية التربية.
كأن تُقنع الغريق بأن الغرق هو الحل الوحيد للنجاة، وبأن تمسكه بحطام السفينة فى وسط المحيط الأطلنطى، وعدم الالتفات للسفن العابرة والتى من الممكن أن تحمله وتدفعه للبر هو عين الحكمة! مثل أن تُمسك بزمام كل الأحلام وتُلقيها فى فوهة بركان ثائر، ثم لا يلبث أن يشتعل وينفجر، فتتطاير كل تلك الأمنيات فى سراب الوهم، وتندثر باندثاره للأبد. هذا مشابه تماماً لما يفعله مقتنعو ومروجو فكر كليات القمة إلى حد التطابق. يحصرون كل الأحلام فى سلة واحدة، ويحتكرون سمة النجاح على فئة معينة، ويعتبرون أن كل ما دونها دون.
يقسمون طموح وأحلام البشر درجات وطبقات. أنت تطمح للالتحاق بكليات التمريض؛ إيماناً منك بأهمية تلك المهنة العظيمة؛ تداوى جراح المرضى وتُعينهم على تحمل الألم، إذاً أنت شخص عادى. أنت تطمح فى الالتحاق بكليات العلوم؛ حباً وشغفاً بالدراسة والتحليل والاكتشاف، إذاً أنت شخص جيد. تطمح فى الالتحاق بكليات الطب، أنت عبقرى! لا أعلم حقيقةً على أى أساس تم هذا التقسيم، وأتعجب أيضاً من إيمان البعض به!
والحقيقة أن كل الطموح قمة، بل مجرد الطموح قمة، وكل العلم والدراسة قمة، وأى كلية وأى مجال وأى تخصص قمة. لا مفاضلة منطقية بينها، وأى نوع من أنواع تقسيم الكليات من حيث الأفضلية العلمية هو تدن فكرى صريح وواضح.
والتفسير المنطقى الوحيد من وجهة نظرى لمصطلح "كليات القمة" : هى الكليات التى يتطلب الالتحاق بها الحصول على أعلى الدرجات فى الثانوية العامة، قمة المجاميع، كدليل على الإلمام الجيد بالمعلومات التى تم دراستها والتى يُبنى علي أساسها الدراسة فى هذه الكليات، فقط لا أكثر ولا أقل.
وأعلى الدرجات ليست دليلاً على ارتفاع معدل الذكاء ولا العبقرية، كذلك ليست مؤشرا للنجاح والتفوق فى الحياة المهنية والعملية. والحصول على أعلى العلامات لا يتوقف فقط على المذاكرة الجيدة والأداء المثالى فى الامتحان؛ حيث تتداخل العوامل النفسية والظروف الصحية والمشكلات الاجتماعية فى ذلك، كذلك عملية التصحيح البشرى التي كانت تتم قبل التصحيح الإلكترونى الآن والتى كانت تحتمل نسبة كبيرة من الوقوع فى الخطأ. كل هذا وأكثر يؤثر.
فلتعلم إذاً أن الإنسان هو صانع قمته، فى أى مكان وُجد، وبأى كلية التحق، فالمكان لا يحقق النجاح للإنسان، وإنما الإنسان هو من يرتقى ويُعلى بجهده وعمله من شأن المكان. الإنسان ينجح عندما يُؤمن بما يفعل، يؤمن بالرسالة التى يحققها من خلال دراسته وعمله فى مجالٍ ما، ينجح وإن كان وحده فى مكانه وإن كان وحده من يُؤمن، لا تحتاج إلى تصفيق المجتمع فى البداية، المجتمع سيصفق عندما يراك ناجحاً لامعاً، لا يهم وقتها إن كنت حاصلا علي بكالوريوس طب أو شهادة معهد فنى.
أتخيل المجتمع إذا أصبح الجميع أطباء ومهندسين ومترجمين وسياسيين وقادة! من سيدير المستشفيات؟ من سينفذ خطط المهندسين فى البناء؟ من سيقوم بتصوير ومنتجة وإخراج الحلقات الإذاعية والتليفزيونية للإعلاميين؟ بنية المجتمع هى حلقة متصلة الأركان، لا تستطيع إسقاط ركن؛ وإلا انفرطت الحلقة كاملة! كل الأعمال مهمة، فى أى مكان أنت وحدك من يحدد مدى نجاحك وأهميتك.
أحمد زويل ، سميرة موسى، فاروق الباز، مصطفى السيد، مصطفى مشرفة، من خريجى كلية العلوم، طه حسين، نجيب محفوظ، جمال حمدان، زكى نجيب محفوظ، من خريجى كلية الآداب، توفيق الحكيم، بطرس غالى من خريجى كلية الحقوق، على جانبٍ آخر، مجدى يعقوب خريج كلية الطب، وهانى عازر خريج كلية الهندسة، إذاً ليست هناك قاعدة للنجاح!! وليس هناك ما يسمي بـ "كليات قمة" و " كليات قاع" ؛ القمة فى فكرك أنت، فى معرفتك العميقة بالحياة، وإدراكك أن للحلم أبوابا كثيرة، الثانوية العامة أحدها وأولها والكلية ثانيها وإذا أُوصدت تلك الأبواب، فالعديد والكثير الآخر منها فى انتظار الطرق، لا تتوقف عن الركض وراء ما تحب، لا تستسلم للعاهات الفكرية والمقاييس المجتمعية، لا تُصغى لصغار العقول، احلم بما شئت وكن أنت من "أهل القمة" فهذا هو الأهم من كونك طالبا بإحدي "كليات القمة" ؛ فأهل القمة أحياء مهما مات الأمل، ساعون في كل الدروب بلا كلل أو ملل، مؤمنون بأهمية طموحهم وطموح غيرهم، لا يُقللون من شأن أحد، واثقون من قدرتهم على النجاح والتغيير، واقفون في وجه العيوب الفكرية المجتمعية بكل ما أُتوا من عُدة وعتاد، يحاربون العُهر الفكرى ويحاولون إثبات الصواب بحزم.
لا تنس أن من جعل الطبيب طبيباً والمهندس مهندساً، هو المُعلم والمُعلمة، خريجا كلية التربية، وهى ليست من كليات القمة كما يدعى البعض، لكنها قمة فى أولويتها، لولاهم ما نجح كل هؤلاء، ولولا الممرضة ما نجح الطبيب فى إتمام شفاء المريض، ولولا العمال والمقاولون ما أضحى المهندس بَناء ماهرا، ولولا عمال النظافة، ما عشنا وعاش أولادنا وتنفسنا هواءً نقياً فى بيئة نظيفة. فالمجد كل المجد لمن بات قمة فى موقعه، غير مُبخس لأدوار غيره.