الجمعة 22 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

أية عزت تكتب : « فيديوهات خراب البيوت » .. " السوشيال ميديا " المتهم الأول فى الطلاق

أية عزت - صورة أرشفية
أية عزت - صورة أرشفية

- "البيوت أسرار" حكمة باتت فى مهب الريح.. والمكسب من "اليوتيوب" أهم من كل شيء .

- رسالة لصناع المحتوى الشاذ: اتقوا الله.. قد تتحدث عن أولادك أمام عقيم وأموالك أمام فقير وطعامك أمام من يبيت أبناؤه فى جوع .

- العلاقات الزوجية على حافة الهاوية بسبب المقارنات غير المنصفة.. والبشر يلهثون وراء ما هو سراب بدلا من التمسك بالحقيقة .

انتشرت في الآونة الأخيرة نوعية من الفيديوهات على السوشيال ميديا، خاصةً اليوتيوب، تستعرض فيها بعض الأسر روتين حياتهم اليومي، بدءًا من الاستيقاظ، وتحضير الفطور ونوعية الطعام ثم ترتيب المنزل، والذهاب للتسوق، وتربية الأبناء، ناهيك عن السعادة الطاغية التي تحظى بها تلك الأسر من مفاجآت دورية مستمرة مع بعضهم البعض، فالزوج لا يمر عليه شهر حتى تجده حريصا كل الحرص على إسعاد زوجته بهدية مثالية كطقم ذهب أو قلادة من الماس وفي بعض الأحيان سيارة! 

وبالتأكيد الحياة لا تخلو من المشكلات، فتجد فيديو محتواه هو الخلاف بين الزوجة وحماتها وأسباب هذا الخلاف وشرح طريقة تعامل كل منهما مع الأخرى، والأخيرة لابد وأن ترد على الاتهامات الموجهة لها في فيديو أيضاً، وهنا خلاف بينها وبين سلفتها، وهناك خلاف زوجها مع أخيه وأحياناً مع فني الصيانة الذي أتى لإصلاح الغسالة؛ حيث مر وقت طويل قبل آخر عملية صيانة تعرضت لها، تماماً كعقولهم، الأمر الذي قد يصل في بعض الأحيان إلى حد "الردح الإلكتروني"، ثم ما يلبث أن يمضي يومان، فتشاهد فيديوهات الصلح والاعتذار وكأن شيئاً لم يكن.

كل هذا وذاك وأكثر في سبيل الحصول على أكبر عدد من المشاهدات، وجمع آلاف وأحياناً ملايين المتابعين؛ لجني المال. 

والمسألة هنا ليست كيف أصبح البشر ماديين إلى هذه الدرجة؟ فالمال زينة من زينات الحياة الدنيا – نعم، أعلم جيداً – ولكن ما دعاني للتوقف عنده، هو كيف يسعى البشر لكسب هذه الأموال؟.. من خلال استعراض بيوتهم للعامة؟ إظهار أدق تفاصيل حياتك من مأكل وملبس ومشرب علي الملأ؟ التحدث عن مزايا وعيوب شريك حياتك؟ فضح أسرار الخلافات وخبايا البيوت؟

الحقيقة أن البشر يلهثون وراء ما هو سراب، وينسون ما هو باقٍ. الزواج علاقة مقدسة بتفاصيلها، وتفاصيل أصحابها، ونواحي الحياة فيها، والبيوت ليست مزاراً سياحياً، ولا مكانا يحق لمن نعرف ومن لا نعرف الاطلاع عليه وعلى صور الحياة فيه! عيوب شريك حياتك وميزاته وصفاته، كلها أمور أمرنا الله سبحانه وتعالى بسترها عن أعين الناس والأقربين منهم أولاً، بل تجميل السيئ في أوقات كثيرة. فلماذا تسيرون بحياتكم إلى حد الهلاك .. ثم تصلون للهاوية، فتتساءلون لماذا نحن هنا، وكيف وصلنا لذلك؟!

النقطة الأهم، ما علاقة كل هذا بانتشار حالات الطلاق؟ 

الحقيقة أن النفس البشرية هي أعقد ما يكون، ويستعصي في كثير من الأحيان فهمها، وتفسير ما يكمن داخلها، وما ينتج عنه من أفعال، حتى إن العلوم الإنسانية أصعب وأعقد أنواع العلوم؛ ذلك أن لا قواعد محددة لها، ولا نظريات فيها تُعمم، فالبشر يختلفون باختلاف ظروفهم وأماكنهم والهالة البشرية حولهم والعديد من العوامل الأخرى، فشواذ الحالات تغدق هذه النوعية من العلم. ولكن الأمر جلل هنا؛ فالنفس البشرية التي تضحي ضعيفة معظم الوقت، لا تنفك تقارن نفسها بغيرها وحياتها بحياة الآخرين، فتجد السيدة منهن تشاهد فيديو لمثيلتها وهي تنظم منزلها وفي أحيان أخرى تستعرضه والديكورات الخاصة به، فتنبهر بجمال الأصوات وروعة الترتيب، وتنظر لمنزلها وتتحسر، فزوجها غير قادر على شراء منزل مثل هذا أو إهدائها أثاثا مثل ذاك، ثم فيديو لأصناف غداء اليوم، وهي وزوجها نادراً ما يستطيعان شراء هذه الأصناف من الطعام لارتفاع تكلفتها، وهنا فيديو لرجل أهدى زوجته سيارة موديل هذه السنة، وهناك رجل أهدى امرأته شبكة أخرى بمناسبة عيد زواجهما، وزوجها لا يستطيع هذا أو ذاك! 

هنا .. تكمن الكارثة، فتنقم الزوجة على زوجها وعلى حياتها، وتندب حظها في الدنيا، وتتندم على الارتباط بزوجها وتفكر أنها ربما لو انتظرت قليلاً لحصلت على رجل مشابه بجناحات ملائكية كهذا، فتنشب الخلافات، وتضيق الحياة بما رحبت، ويتزعزع استقرار عش الزوجية مؤدياً في حالات كثيرة للانفصال. 

على الجانب الآخر الرجل، فهنا يرى نشاط هذه السيدة في عنايتها بمنزلها وربما يقارنها بزوجته المريضة غير القادرة على فعل هذا رغماً عنها! ثم يشاهد جمال هذه السيدة وكيف تعتني بنفسها ولا ينفك يقارن! حتى تتولد الضغينة لديه نحو شريكة حياته، مما يدفعه للنفور منها والبحث عن أخرى. 

كل هذا سبب واحد من ضمن أسباب عديدة تسببت فيها السوشيال ميديا ومن خلالها هُدمت العديد والعديد من البيوت، ناهيك عن الخيانات الإلكترونية والجروبات الإباحية، وما إلى ذلك من سموم دخلت حياتنا، ولكن أظل مؤمنة بأن الإنسان مُخير لا مُسير، وقادر على مسك زمام أمور حياته، دون أن يدعها تنجرف في مساراتٍ خاطئة.

الفراغ من العوامل الرئيسية، كذلك السطحية وعدم معرفة تفاصيل ما وراء المشهد، وعدم الرضا بالواقع وقبوله، أيضاً انعدام الطموح وعدم العمل ذاتياً وأسريًا لتحسين مستوى الحياة، كل هذه أسباب تجعل من السهل التأثر بما نتعرض له على السوشيال ميديا، كذلك اختياراتنا لما نتعرض له، فالفضول والرغبة في معرفة تفاصيل حياة الآخرين قد يدفع الفرد للهاوية من خلال المقارنات غير المنصفة، فالكُل يرى بعين النقص لديه. 

الحقيقة أن كل البشر لديهم ما ينقصهم! كل البشر لديهم أسباب للحزن! لا يوجد أحد على هذه البسيطة سعيد سعادة مُطلقة، أو في راحة تامة. وإلى من يعرضون علينا مثل هذه النوعية من الفيديوهات : أمرنا الله ألا نتحدث عن شيء نملكه أمام من يفتقده، هذا من باب الإنسانية قبل باب الدين. 

أنت لا تعرف ظروف كل من يشاهد فيديوهاتك، قد تتحدث عن أولادك أمام عقيم، وأموالك أمام فقير، وطعامك أمام من يبيت أبناؤه في جوع! فيشعرون بالنقص والضعف. 

لا تعرف كم منهم ناقم وحاسد وحاقد، الجميع يستخدم الإنترنت الآن، ولكن ليس الجميع بمُستخدمين للأخلاق والمبادئ والتعاليم الدينية. فلتحافظ على حياتك وأسرارها ومن فيها، وإلى من يستخدمون الإنترنت، لا تسعون لمشاهدة مثل هذه الفيديوهات، لا تتبعون حيوات الناس، وانعموا بحياتكم راضين؛ فالجميع خلف المشهد، غير.

تم نسخ الرابط