◄نجم استثنائى وحالة غنائية غير مسبوقة وأداؤه التلقائى "حدوتة مصرية"
◄صاحب بريق دائم لا ينطفى ونشأته النوبية جعلته صوتا للوطن والحرية
◄غنى للوطن والحلم والأمل والإنسان رافعا شعار"على صوتك بالغنا لسه الأمانى ممكنة"
◄دشن مشروعًا غنائيًا متكاملًا وقاد ثورة تغيير الأغنية فى الثمانينات بصحبة عبد الرحيم منصور والأبنودى وهانى شنودة
◄غير الشكل التلقيدى للمسرح الغنائى وقدم فنا خارج عن المألوف
حينما أكتب اليوم عن الاحتفال بميلاد "الكينج" محمد منير، فإننى وبكل تأكيد لا أكتب عن مناسبة مهمة فى حياة فنان مهم وحسب، بل إننى وبكل تأكيد أكتب عن جزء شديد الأهمية وجانب مضئ من جوانب الأغنية المصرية فى عصرنا الحديث والمعاصر، فمحمد منير ومنذ أن ظهر لأول مرة وهو يتربع على عرش القمة ويتمتع بشعبية وجماهيرية لافته للنظر ولا يرجع ذلك إلى أنه كان يمتلك علاقات قوية أو أنه ضمن "شلة" فى الوسط الفنى ساعدته فى أن يدخل هذا المجال أو حتى فى أن يضع اقدامه فى البدايات الأولى التى كانت مليئة بالصعاب وبالعراقيل التى واجهته، ولكن فى تقديرى يكمن سر تألق ونجومية محمد منير الطاغية فى أنه وببساطة شديدة قدم نفسه لساحة الفن التى كانت مكتظة أنذاك بالاسماء الكبيرة واللامعة بشكل مختلف وبأسلوب وطريقة يمكن أن تقول أنها "ماركة مسجلة" باسمه فقط ، فهو فى حقيقة الأمر فنان لا يشبه أحداً ولا أحد يشبهه من فرط موهبته القوية وقوة شخصيته الفنية أيضاً، لذا فمن الصعب بل ربما من المستحيل أن يقترب أحد من تلك المنطقة التى صنعها لفنسه، فقد ظهر محمد منير وبدأ اسمه يلمع في نهاية السبعينيات وبعد فترة قصيرة استطاع أن يصنع بصمته التى لا يختلف عليها اثنان في عالم الغناء، وذلك يرجع الى أنه صاحب صوت لا مثيل له ومختلف وعميق في رنته، وهو صاحب إحساس دافئ وغريب لا تستطيع مقاومته سواء وهو يغنى للحب وعن الحب أو حتى وهو يعنى للوطن اغنياته التى لا تقل فى روعتها عن اغانيه للعشق والهوى، فصوته مثل لونه؛ مصري خالص، ونجوميته التي لا يزال يعيشها حتى الآن هي بفضل ذكائه واختياراته الدقيقة والمختلفة والتى يعتمد خلالها على معايير قوية وصارمة لضمان تحقيق أفضل النتائج.
وأقول بصدق وبدون مجاملة إن محمد منير حالة خاصة جداً من الصعب أن تكررها الأيام مجددا أو أن تجود بمثلها؛ حالة فريدة ومتفردة حيث اجتمع على حب صوته الصغير والكبير على حد سواء وبنفس القوة وبنفس الجاذبية وربما سر ذلك هو تمرده الذى ارتبط باسمه منذ البداية ، فالمتمرد فى حقيقة الأمر هو الاسلوب الذى يحقق النجاح في أغلب الأوقات، وربما عشق منير للتجديد واختيار الكلمات الغريبة وغير المألوفة على مسامع الناس، على الرغم من أنه كان من الممكن أن يهجر الناس عنه بسبب اختياره لكلمات غريبة وغير معتادة، لكن اتضح للجميع أن هذا هو سر النجاح الذى حققه منير عبر مشواره الطويل مع الأغنية بمختلف أنواعها وأشكالها، خاصة أنه كان متابعا بشكل جيد لكافة أشكال الغناء ليس فى منطقتنا العربية وحسب بل في مختلف أنحاء العالم أيضاً، وهذا يعني أنه مواكب لمسألة التطور وعينه دائماً كانت وما تزال على كل جديد يحدث من حوله وعلى كافة المتغيرات التي تطرأ على عناصر الأغنية المختلفة والمتنوعة، لذلك نجح وبشكل كبير فى أن يكمل المسيرة مع أجيال متعاقبة ظهرت من بعده وهذا درس يجب أن يفهمه كل مطرب صاعد يريد أن ينجح ويثبت اسمه بين الكبار، فضلاً عن ذلك فقد صنع "الكينج" محمد منير لنفسه أيضا مشروعه الخاص، وهو مشروع أراه في الحقيقة، مشروعاً اجتماعياً وسياسياً، مع العلم أنه كان يغني الكثير من الأغاني العاطفية والرومانسية ولكنه كان وبشكل دائم يطعمها بلون اجتماعي خاص به ولا يمكن أن يقدمه غيره لأن هذا اللون مستوحى من طبيعة شخصيته ، كما أنه كان حريصا كل الحرص على الغناء لشعراء كبار، فكان يهتم بالكلمة قبل أي شيء، فقد تعامل مع شعراء كبار مثل عبد الرحمن الأبنودي وعبد الرحيم منصور وفؤاد نجم وفؤاد حداد وجمال بخيت وعصام عبد الله، وقاد بصوته ثورة تغيير الأغنية فى الثمانينات، فأصبحت أغانية ترجمة لكل هؤلاء في كل مكان وتصل كلماته الغريبة والجديد إلى مسامع الناس فتذهلهم.. ولم يكن اهتمامه بالكلمة هو السر الوحيد فى نجومية وشهرة أغانى محمد منير لأنه يدقق ايضاً فى اختيار النغمة واللحن الذى ما أن يسمعه احد حتى يشعر وكأنه لم يسمع الحان جميله من قبل فقد كان دائماً بختار الموسيقيين الكبار الذين يتعامل معهم والذين يتمتعون بشهرة كبيرة سواء في مصر والوطن العربي . وكما سبق أن قلت عنه من قبل ، تميز الكينج محمد منير لم يكمن فى صوته العذب فقط، بل إنه يتميز أيضًا بملامح وجهه التى تنم عن شخصية ثرية تختزل حضارات مصر التى انصهرت فى وجوه أبناء الجنوب الطيبين، وهو الذى يحلو لى أن أطلق عليه لقب «الأبنوس» ، فكما نعلم أن الأبنوس يتميز بالبريق الدائم واللمعان الشديد.
وفى حقيقة الأمر فإنه يمكننا القول إن محمد منير فنان استثنائي يحرص وبشكل مستمر على أن يقدم فنًا جميلاً خارج المألوف، فمنذ بداياته الأولى نراه وهو يقف على خشبة المسرح دون أن يشاهده أحد قط مرتديًا بدلة، أو وهو يقف ثابتًا أمام الميكروفون، لأنه اختار لنفسه طريقته الخاصة فى الأداء فنجده يغنى بحركاته العصبية ولهجته الهجين بين القاهرية والأسوانية، كما أن ارتباطه بأشعار الصف الأول من شعراء العامية المصرية، و قواميسهم المغايرة الخالية من النبرة الرومانسية التى سادت منذ أواخر القرن التاسع عشر، وموسيقاه المنفصلة عن الطرب الكلاسيكى، جعلاه يحظى بأعجاب الشباب، بل استطاع أن يخطف أنظار جمهور المهرجانات.
واللافت للنظر أن منير استطاع أيضًا فى التسعينيات أن يحطم صورته كمغن للمثقفين، وصار من المألوف أن تسمعه فى الشارع ، ومن أشهر الألقاب التى أطلقها الجمهور على محمد منير لقب «الملك» حينما قام بدور مهم فى مسرحية «الملك هو الملك» وهو بالطبع يستحق هذا اللقب قولا وفعلاً، فلقد صار نجمًا مهمًا وملهما فى الداخل والخارج، وأصبح له جمهوره الخاص الذى ينتظر حفلاته على الرغم من كونه مطربًا مصريًا يغنى أغنيات مستوحاة من نبض ووجدان الشارع، كما يستحضر فى الكثير منها روح الحضارة التى ربما تكون نابعة من داخله كونه أحد أبناء الجنوب فى منطقة النوبة، تلك البقعة الغنية بالإبداع، نظرًا للطبيعة الخاصة التى تتمتع بها تلك المنطقة، ولنا فى حفلاته فى ألمانيا خير دليل على نجوميته خارج الحدود.