الجمعة 22 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
الشورى

اللهم إنى أُشهدك أنى قد سامحت كل من اغتابنى أو شتمنى أو آذانى أو نال منى أو أكل حقى أو أساء لى سرًا أو علانيةً، اللهم إنى سامحت عبادك فى حقى من أجل مرضاتك فاغفر لى ولوالدى يا أرحم الراحمين. فى الأسبوع الماضى دعانى أبناء قرية سندبسط التابعة لمركز زفتى بمحافظة الغربية، وهى القرية القريبة إلى القلب، لحضور حفل تأبين نجم الكرة فى القرية الراحل بكر المقدم، وطلب منى بعض القائمين على المهرجان - والذى خرج بشكل رائع يشكرون عليه- الاتصال ببعض الشخصيات الرياضية والإعلامية من مشاهير المحافظة ليكونوا ضيف شرف للمهرجان.

وبالفعل أخرجت هاتفى وبدأت البحث عن أصدقائى من نجوم الرياضة بصفة عامة وكرة القدم بصفة خاصة بالغربية وكذلك نجوم الإعلام والإعلام الرياضى من مشاهير المحافظة، ووجدتنى فجأة أبكى بحرقة فمن بين هؤلاء النجوم وجدت بهاتفى أرقامًا لنجوم غابوا عن عالمنا نجوم كنا نطمع فى الجلوس معهم أصدقاء أعزاء كانوا يملأون الدنيا حركة ونشاطا وكنا والجماهير سواء نتسابق لالتقاط الصور معهم وهاهم الآن مجرد ذكرى مجرد رقم فى الهاتف ربما حمله غيرهم بل وكل ما يملكون ذهب للورثة وتركوا فقط ذكراهم، وهل أهم من العمل الصالح والذكرى الطيبة التى يتركها العبد قبل رحيله؟! فاللهم ارحم كل عزيز فقدناه واجمعنا بهم جميعًا فى الفردوس الأعلى بفضلك ورحمتك، واجعلنا يا كريم ذكرى يفتخر بها أولادنا وأحفادنا وكل من تعاملنا معه، واكتبنا من أصحاب السيرة الحسنة فى الدنيا والآخرة. ظهر لى خلال بحثى فى الهاتف أسماء أصدقاء أعزاء على القلب غيبهم الموت منذ سنوات، استعدت ذكريات الحزن والألم وتذكرت أن أكثر من صديق فى قائمة الهاتف لدى قد توفوا عبر السنوات ومازلت أحتفظ بأرقام هواتفهم. تساءلت قليلًا هل أتفرغ وأحذف أرقام «الموتى» من هاتفى؟ وكيف سأقضى هذا الوقت؟ أبحث عن شيء كان يربطنى بهم لأمحوه من هاتفى ربما كانت حجتى أن فى قائمة الهاتف أسماء كثيرة عابرة ولم أعد أتواصل معها وعلى تخفيف ذاكرة الهاتف، كما أن هذه الأرقام قد تتحول لغرباء لا حاجة لى بوجودهم فى قائمة الهاتف. وحين بدأت التجوال بين الأسماء مر على أسماء لأشخاص نسيت هويتهم وعلاقتى بهم، ولماذا أحتفظ بأرقامهم، أما أرقام من فقدتهم فقد كانت مصادفتهم مؤلمة، البعض آلمنى أنى نسيته وأخذتنى الحياة ونسيت وفاته، والبعض تذكرت ألم فراقه وكيف كان صعبًا على تجاوز حزن خسارته، ولكنى تجاوزت فتلك هى الحياة، البعض كانوا قريبين منى، ولدى معهم ذكريات خاصة جدًا يصعب نسيانها، وآخرون تذكرت صدمة خبر وفاتهم، لم يكونوا يشكون من شيء كانوا بصحة جيدة، ربما أصيبوا بخطب ما ولم أعلم به، ومنهم من تذكرت معاناته الطويلة مع المرض. وكم مرة نجا ثم انتكس إلى أن رقدت روحه إلى الأبد فى سلام. وللحق أقول: عشت يومًا فى هذه المهمة الثقيلة، ولم أستطع أن أنجزها ولن أكرر المحاولة فوجود أرقامهم على هاتفى سأعتبره تكريما بسيطا من شخصى البسيط الضعيف لهم ولأنى حتمًا سأقابل أرقامهم مرة أخرى فى أى رحلة بحث عن أرقام أخرى فأترحم عليهم من جديد،  ولن أفكر فى تخفيف ذاكرة الهاتف  بهذه الطريقة المتعبة للروح والقلب قبل الجسد، شعرت أن الرسالة التى خرجت بها أننا محاطون بأكثر من عنوان وأرقام للذين فقدناهم، يمكننا الوصول إليها ولو صدفة لتذكيرنا بهم وبحضورهم الذى كان، كأنهم يقولون لنا نحن لا نزال فى الأرجاء والأجواء نجوب جواركم فلا تنسونا، لأتيقن من جديد أن ليس كل من غاب عنا يغيب عن الذاكرة، فبعضهم عصى على النسيان، ولا يحتاج لصدفة أو حادث عارض لنتذكره ولن يمحو أثره حذف رقم هاتفه أو مسح بياناته من أى جهاز، فبعض البشر سيظلون خالدين فى القلب والعقل والروح مهما غيبهم الموت فهم أحياء فى قلوبنا، فيقول الشاعر" قد مات قومٌ وما ماتَتْ مكارمُهم، وعاش قومٌ وهم فى الناسِ أمواتُ".

ولا أذيع لك سرًا عندما أخبرك أن الأثر المستمر بعد وفاتك والسيرة الحسنة التى يذكرك الناس بها بعد رحيلك، هى نعمة من نعم الله عز وجل، فاحرص عليها وكم من إنسان لما رحل عن دنيانا، لهجت الألسن بالدعاء له وبكت العيون على فراقه وتسابق الناس فى تعداد مآثره، وعلى النقيض تمامًا، والعياذ بالله، كم من إنسان مات ومات ذكره وذكراه معه، وربُّنَا سبحانه وتعالى يقول ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وطمعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)، فلا تحرم نفسك فقط اتخذ قرارك وابدأ فى زيادة رصيدك بعد الموت، فمن يدرى ربما لا تجد أحدا يعمل لك ما يثقل ميزانك بعد وفاتك إلا ما قدمته قبل وفاتك، فالأيام صحائفُ الأعمال، فخلِّدها بأحسن الأحوال وزينها بمكارم الأخلاق، ولا تستجمع التسويفُ والكسلُ فى قلبك حتى لا يتولد منهما الخسران فى الدنيا والآخرة. فإذا مات الإنسان وفاضَتْ روحُه إلى بارئها، فلن يكون معه بعد موته إلا ما قدَّمه فى حياته مِن أعمال، إن كانت صالحة فهنيئًا له؛ فلقد فاز بالخير العظيم، وإن كانت سيئةً فواحسرتاه، فلقد خاب وخسِر، وضيع نفسه وضاعت سيرته واختفى ذكره، فاترك أثرًا حميدًا قبل رحيلك، ولا يكون الأثر الحميد والذكر الجميل بالعلم أو المال فقط، وإنَّما يكون كَذَلِكَ بالرحمة والإحسان إلى الخلق، والحرص على مشاعر الآخرين وعدم الجهر بالسوء ومن قبلها الحفاظ على حقوقهم والابتعاد عن ظلم أو قهر البشر أو البغى عليهم وأكل حقوقهم، ويكملها حالة التسامح ونظافة القلب من الغل والحسد والغيرة، وترك الطمع، لذلك اترك أثرك فى الدنيا تفوز فى الدنيا والآخرة.

تم نسخ الرابط