أظهرت مواقع التواصل الاجتماعى مدى تراجع المستوى الثقافى والتعليمى لدى العديد منا وظهر مصطلح لانتقاد مرتكبى الأخطاء اللغوية حين تم وصفهم بنتاج التعليم المجانى، رغم أن التعليم المجانى هذا كان حلما يراود الأجداد حاربوا حتى يوفروه لنا إلا أننا من قصرنا وانشغلنا بأشياء أخرى حتى أظهرت مواقع التواصل الاجتماعى حجم الجهل بقواعد اللغة العربية -رغم أنها لغتنا الأم- لدى المتعلمين بل وأحيانًا بين أصحاب أعلى الشهادات العلمية فظهر لفظ الجلالة بالتاء المربوطة وظهرت كلمة أستاذ بالزين والتنوين بحرف النون والمكسور مفتوح والمضموم مفتوح وضاعت لغة الضاد بين أولئك من أشباه المتعلمين، بل وأصبح الجميع يتغاضى عن الأخطاء اللغوية الفجة بدعوى أن مرتكبها ليس فى اختبار للغة العربية أو أنها تُكتب بالعامية، بل وراح الأطفال من تلاميذ الابتدائى والإعدادى والشباب فى الثانوى والجامعة يهملون اللغة ويكتبون بطريقة أبعد ما تكون عن تحرى الدقة فى لغتهم هجاءً وتحريرًا وإعرابًا وكأنهم لم يدرسوها قط، وهو ما يعتصر قلوبنا وصدورنا على ضياع لغتنا أصل اللغات والأديان.
بالفعل لن تجد إلا الحسرة والألم من المستوى المتدنى الذى وصل له الطلاب العرب فى لغتهم العربية حتى فى كتابة أسمائهم حين تنتهى بألف مقصورة أو همزة، ولعل كثيرًا منا يتساءل عن سبب هذه الظاهرة على الرغم من أن جميع الطلاب فى دولنا العربية، يدرسون -خلال سنوات دراستهم فى التعليم العام- لغتهم العربية أكثر مما يدرس أى شعب من شعوب العالم لغته، فساعات اللغة العربية التى يدرسها الطلاب العرب منذ بداية المرحلة الابتدائية أكثر مما يدرسه اليابانيون عن لغتهم أو الأمريكيون عن لغتهم، أو الألمان عن لغتهم خلال تلك المرحلة -حسب الدراسة العالمية- ولكن ماذا يدرس طلابنا العرب عن اللغة العربية وكيف يدرسونها ومن يدرس لهم؟ وماهى المقررات، وهل هى التى لم تتغير منذ عشرات السنين، أم أن مدرسيهم هم من يعانون القصور فى لغتهم، أم أن المدرسة والمدرسين قد تراجع دورهم أمام منابر حديثة أكثر إغراء وجاذبية، مثل الأجهزة الحديثة ووسائل الخراب الاجتماعى التى تُثبت يومًا بعد يوم أنها جاءت لتدمر كل شيء من ثقافتنا العربية الشرقية والدينية؟! أسئلة عديدة تدور فى أذهان المتابعين منا وننتظر إجابتها. ربما لا أستطيع أن أعدد الأسباب لهذه الظاهرة حتى وإن حاولت، غير أننا علينا أن نسارع فى اتخاذ خطوات لإصلاح ما أفسد الدهر أو التعليم أو الإعلام أو اللغات الأجنبية أو أيًا كان، إلا أننا علينا التسليم بأننا أمام واقع حقيقى وملموس أن اللغة العربية فى خطر وأن أولادنا يحتاجون إلى تدقيق إملائى وهجائى ونحوى وبلاغى وسمعى، تدقيق فى كل قواعد اللغة حتى إذا استخدموا العامية، فالقضية ليست تربوية أو إعلامية أو سياسية أو ثقافية أو اجتماعية، القضية هى كل هذا مُجتَمِع وأكثر بكثير، لأن أسبابها تتعلق بالماضى والحاضر والمستقبل، فقد تعددت أسباب المشكلة وتشعبت حلولها لأنها قضية إستراتيجية تمس الهوية، تحتاج إلى إستراتيجيين يرتقون لحل قضايانا الإستراتيجية العاجلة التى تحتاج لتدخل يشبه الجراحة بالليزر أو المنظار دون ألم أو أثر، وتأثيرها مباشر وسريع.
أرى أن اللغة العربية تتآكل، لعدم وجود مجامع لغوية، معايشة للواقع بل منعزلة عن مستخدمى اللغة، وعلى المقابل المشكلة ليست لقلة الجامعات أو انعدامها، لكنها جامعات لم تصل حتى لتأثير (الكتاتيب) لأن هذه الجامعات يفصلها عن مجتمعاتها سنوات ضوئية، فجامعاتنا بكل أسف تمنح شهادات أشبه بشهادات محو الأمية بمسميات بكالوريوس وماجستير وربما دكتوراه، رغم أنها مؤسسات أوجدت لتقود المجتمع وتضعه على الطريق الصحيح، والواقع المرير أن المجتمع يسبقها فى كثير من الأحيان، لتُثبت أن لدينا إمبراطوريات علمية فقط على الورق، جدران أسمنتية تغص بالموظفين الذين يمضون ساعات طويلة من الاجتماعات التى تدرس وتناقش كل شيء إلا النهوض بالمجتمعات، وهذا النهوض ينبُع من الحفاظ على الهوية العربية واللغوية السليمة، ميزانيات ضخمة يتم صرفها سنويا على تلك المؤسسات تنتهى برواتب وانتدابات وحملات علاقات عامة، تقنية وأجهزة يتم جلبها من مصانع الشرق والغرب إلى المختبرات والمعامل والمشروعات الفكرية والمعرفية والصناعية والمجتمعية، دون أدنى اهتمام بأهم الأشياء لغتنا العربية، ولكن …. ماذا لو قررت الجامعات العربية، عدم قبول أى طالب أو طالبة قبل الحصول على درجة التوفل "TOEFL" اللغة العربية؟ -تحددها حسب ما يناسب كل كلية أو قسم من أقسامها- نعم "توفل" ولكن للغة العربية، بعضنا ربما سمع بامتحان "التوفل" وبعضنا قد أجرى هذا الامتحان، ولمن لا يعرفه، فهو امتحان اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية أو لغة ثانية،"Test of English as Foreign Language"، يتم بموجبه تقييم لغة غير الناطقين بالإنجليزية، ويحدد هذا الامتحان مستوى الطلاب الراغبين بالدراسة فى الجامعة أو المؤسسة الأكاديمية حسب الدرجة التى تحددها كل جامعة أو مؤسسة أكاديمية لنفسها، وهو مكون من أربعة أقسام: (الاستماع، القواعد، القراءة، الكتابة)، ولإصلاح حال أولادنا يجب فرض امتحان التوفل العربى على الطلبة العرب المرشحين للدراسة الجامعية كشرط للقبول.
اختبار "التوفل" العربى المطلوب يجب أن تُدرس فيه اللغة العربية بكل قواعد النحو والصرف وكل جوانب اللغة بصفة عامة، على أن يبدأ المشروع صغيرًا ويكبر شيئًا فشيئًا حتى يصبح معتمدًا لكل الجامعات العربية، وأقترح ألا يكون هذا المشروع حكوميًا، لأن هذا المشروع ستحركه المصلحة الاستثمارية وهى الكفيلة بنموه وتجاوزه الروتين والإجراءات والحدود بين الدول، فيعمم فى كافة الجامعات العربية وليس بعضها وفق آليات تنظمها المنظمات العربية وفى مقدمتها جامعة الدول العربية، حفاظًا على لغتها الأم، ولمَ لا فالتوفل الإنجليزى هو فى الأساس مشروع استثمارى أمريكى، وهو مُعتمد الآن فى كافة الجامعات التى تدرس بالإنجليزية حتى الجامعات غير الأمريكية وإن كان منها بعض الامتحانات المتخصصة، ويعقد هذا الامتحان فى كافة دول العالم، قد يكون "التوفل" العربى جزءا من حل قضية تدنى مستوى الطلاب العرب فى اللغة العربية، أو حتى خطوة على طريق الحل لأنه عندما يستقيم لسان طلاب الجامعات وكتابتهم سيستقيم فكرهم، ونكون حققنا هدفًا وكمًا ونوعًا من حماية اللغة العربية قبل اندثارها بأيدى أولادنا وأيدينا قبله… توفل للعربية هو الحل.