◄بعض الفنانين يمارسون الجنون على منصات التواصل الاجتماعى للفت الأنظار
◄مواقع التواصل الاجتماعى تحولت بقدرة قادر إلى مرض مزمن بين المتابعين
◄الصخب فى العالم الافتراضى يدفع بأهل الفن نحو الهاوية
◄ما الذى يدفع إنسانًا عاقلًا ومتزنًا نفسيًا لخلق حالة من الجدل حوله على السوشيال ميديا؟
هناك مسألة ضرورية ومهمة يجب أن نضعها فى الاعتبار قبل الكتابة عما يسمى بـ"فوضى الترند"، وهى أن الجرى بجنون وراء الشهرة والنجومية الزائفة ليست اتجاهًا جديدًا على المجتمع وإنما هى آفة متأصلة ومتجذرة فى كافة المجتمعات، كما أنها ليست "موضة جديدة" أفرزها التطور الذى نشهده الآن فى وسائل التواصل الاجتماعى، تلك الوسائل التى أفرزت وبشكل لافت للنظر ما يسمى بـ"الترند".
ففى مختلف العصور حتى فى زمن الفن الجميل كانت تظهر من حين لآخر أشياء من هذا القبيل حيث كانت تظهر فجأة شائعة عن إصابة نجم كبير بمرض نادر ويصبح فى لحظات هذا الخبر حديث الجميع الكبار والصغار على حد سواء، وبعد فترة ليست قصيرة يفاجأ الجميع بأنه لا يوجد مرض ولا أية إصابة، وأن الموضوع كله لا يتعدى كونه مجرد دعاية تقف وراءها إحدى شركات الإنتاج التى ربما تكون قد أنتجت عملًا فنيًا لهذا النجم وتريد أن تصنع له "دعاية مجانية" جاذبة للجمهور مما ينعكس وبكل تأكيد على زيادة الإيرادات والمكاسب المالية والمعنوية للشركة التى بكل تأكيد لا يهمها أصلًا سمعة هذا النجم ولا مصداقيته وإنما مصلحتها فوق كل الاعتبارات.
وهكذا مع مرور الوقت وتطور وسائل التواصل وظهور مفردات جديدة على حياتنا أصبحت تقاس على "الترند" درجة وحجم جماهيرية هذا النجم أو ذاك.. وقد أصبح أمرا فى منتهى السهولة أن يصعد بين الحين والآخر "ترند" ويختفى آخر، ومع الصعود والاختفاء تُثار تساؤلات تتعلق بكيفية صناعة "الترند"، وهل قوته تتوقف على الشخصيات التى يتناولها؟ ولماذا لم تضع منصات التواصل معايير حقيقية لـ"الترند" خلال الفترة الماضية؟
كل هذه التساؤلات تحتاج لإعادة النظر فيما يحدث فى"الترند" الذى أصبح يمثل نوعا من التجارة حيث يتم وبسهولة شديدة الحصول على ترتيب متقدم مقابل القيام بحملات مدفوعة الأجر مما يجعل هذا "الترند" مشكوكا فى مصداقيته، فضلًا عن ذلك فإن الحديث عن "الترند" وما يدور فى فلك السوشيال ميديا أصبح حديثًا ذا شجون ويدعو للاشمئزاز بل ويبعث أيضًا فى النفوس الشعور بحالة من الاستياء فالكثير من الترندات التى تظهر بشكل يومى ويفتعلها بعض النجوم للفت الأنظار تكون بلا معنى وربما لا تُحمد عقباها فى النهاية، حيث تبدل الهدف النبيل الذى من أجله ظهرت مواقع التواصل الاجتماعى وهو خلق حالة من الترابط والتواصل بين الناس بعضهم ببعض مهما اختلفت جنسياتهم وتباينت ثقافاتهم وتحولت تلك المواقع بقدرة قادر إلى مرض مزمن.
والشيء الذى يدعو للشعور بالاشمئزاز أن الجرى وراء الترند لا يقتصر على النجوم فقط بل هناك أنصاف وأرباع الموهوبين نجدهم يتفننون فى صناعة محتوى مثير وغريب حتى يتحول ما يفعله إلى ترند كما أنه بالنسبة للفنانات نجد عددًا ليس قليلا منهن تعتمد على الملابس العارية والتقاليع الغريبة من أجل تحقيق الترند والبقاء فى دائرة الأضواء لفترات طويلة.
و"الترند" بالمعنى الشمولى للكلمة وكما عرفه خبراء صناعة المحتوى هو عبارة عن دخول عادة جديدة على تصرفات البشر لتصبح شائعة بينهم لكن إذا تحدثنا عن كلمة "ترند" فى عالم التواصل الاجتماعى فيمكن وصفها بأنها كلمات مفتاحية أو صور أو مقاطع فيديو تنتشر، ويجرى تداولها بين الأشخاص وتأخذ حيزًا كبيرًا من التداول.
وفى هذا السياق يرى خبراء صناعة المحتوى الرقمى أن المحتوى المكتوب لا ينجح دائمًا فى توصيل الفكرة مائة فى المائة من دون أن نرى تعابير الجسد، ومن هنا بدأت فكرة الاستعانة بمحتوى يعرفه الجميع مثل مشهد من فيلم أو مسلسل ليسهّل عملية التواصل على المتابعين فى شتى أنحاء العالم.
كما يرى البعض أيضًا أن هناك صلة كبيرة تربط بين قوة "الترند" و"مصدره" إذ أن قوة الترند أو ديمومته تعتمد بشكل أساسى على الشخص أو المصدر الناشر للمحتوى ومدى شعبيته، فحينما يكون مصدر المحتوى شخصا مشهورا يتابعه على موقع تويتر ملايين المتابعين فنجده فى هذه الحالة، تتحول أى تغريدة بسيطة له إلى ترند ربما تغير مفاهيم كثيرة فى المجتمع.
وهنا فإنه يمكننى القول إن مسار الفكرة حتى تتحول إلى ترند عادةً يبدأ من شخص مؤثر "إينفلوينسر"، إذا كان من بين متابعيه أشخاص لهم أيضًا تأثير ينعكس فى عدد المتابعين، ثم تنتقل الفكرة بعده فى شكل دوائر حتى تتحول إلى ترند وربما يصل إلى مرحلة يصعب السيطرة عليها، وبالتالى فإنه أصبح من الثابت أن الترند هو أيضًا فكرة أتت بها منصات التواصل بالأساس والهدف منها خلق نوع من الجذب للمنصة نفسها، فعندما يصبح شخص ما أو حدث أو مصطلح بعينه حالة رائجة اليوم، يحفّز ذلك المستخدمين على مزيد من التفاعل على المنصة، وبالتالى تحقيقها مزيدًا من المكاسب المادية وهو ما نلمسه بشكل لافت للنظر فى منصتى "يوتيوب وتويتر" اللتين تقدمان خدمة "الترندات" اليومية التى تحدث على مدار الساعة، ما يعكس أهمية البيانات المعبّرة عن اهتمامات المستخدم.
والواقع، أن الترند يتحرك وفق ما تسمى "العملة الاجتماعية"، وهى "عدوى الأفكار والسلوكيات والمنتجات - حسب ما أكده خبراء الإعلام الرقمى- فعندما يتحدث شخص وسط دائرته عن شيء معين، ثم يشاركه آخرون الاهتمام نفسه، يتحوّل هذا إلى ما تسمى "العملة الاجتماعية"، وبالتالى يصبح الإنسان لوحة إعلانات متحركة ومن دون أن يشعر يصنع ما يسمى بـ"الترند" وفى نفس السياق يرى البعض أن هناك قاعدتين أساسيتين لصعود الترند هما الفكاهة والجاذبية، وهناك أيضًا شدة الغرابة وإثارة الجدل أو المحتوى الذى يكسب التعاطف والتأثير مثل حكايات الظلم أو القضايا الحياتية وفى مقدمتها التحرش، وجميعها طرق لصناعة ترند وهى للأسف الشديد تمثل العمود الفقرى فى فوضى الترند التى يعرفها جيدًا صُناع المحتوى الرقمى.