الجمعة 22 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
الشورى

منّ الله علىّ أن أكملت دراستى الجامعية قبل مطلع الألفية الجديدة وقبل انتشار السوشيال ميديا واعتدت على صوت الراديو يوميًا وارتبطت بمواعيد برامج الصباح فعقب الإعلان عن تمام السادسة صباحًا وسماع أغنية يا "صباح الخير ياللى معانا"، نترك مضاجعنا فورًا فقد حل الصباح الجميل، نستيقظ ونتحرك ونرتدى ملابسنا ونتناول فطورنا وننزل من بيوتنا قاصدين مدارسنا كل حسب موعده ونوع مدرسته ودراسته.

نُمنح جرعة من البهجة فى بداية يوم سعيد لم لا وأنت تستمع إلى كل شيء مُبهج عبر الإذاعة المصرية حتى تصل إلى برنامج "طريق السلامة" مصحوبًا بأغنية "بالسلامة يا حبيبى بالسلامة تروح وترجع بالسلامة"، وقتها كنت أعلم أن الوقت قد حان للنزول حالًا دون تعليمات من أحد وأتمنى لو تأخرت قليلًا لأستمع لـ"كلمتين وبس" للراحل الرائع فؤاد المهندس، وتكون متلهفًا لسماع ما يليه وهو برنامج "همسة عتاب" الذى يناقش مشاكل المواطنين فى قالب درامى وتتوجه الإعلامية بسؤال لأحد المسئولين ليقوم بحل مشكلة المواطن، ميديا نظيفة وبداية يوم رائعة محاط بعناية الله ثم أهلك الذين يراقبون دون تدخل. فالمنظومة مُحكمة ووصول الأعمال الهدامة إليك شبه ضئيل، والذهاب إلى المدرسة أمر محبب للجميع لا نبحث عن أى عوارض لتعطيل الدراسة بالعكس نتغلب على كل وأى شيء من أجل الحصول على يوم دراسى شاق ولكنه ممتع ومهما كانت المدرسة بعيدة فالذهاب إليها سيرًا على الأقدام هو الخيار الأوحد، مدججين بدعوات الأهل والأحبة بعد أن كونا ثقافتنا المسموعة من قبل المدرسة من "ساعة لقلبك، كلمتين وبس، همسة عتاب، أبلة فضيلة، ربات البيوت، لغتنا الجميلة، الأغانى الصباحية والصور الغنائية "الدندرمة وعوف الأصيل وألف ليلة وليلة"، أصوات أم كلثوم وعباس العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، والشيخ الباقورى ومحمد رفعت" وغيرهم من العظماء، فى برامج وحوارات تمثل التاريخ الثقافى السمعى لكل أجيالنا والأجيال التى سبقتنا منذ عام 1934 أى منذ افتتاح الإذاعة المصرية، كانت هذه هى السوشيال ميديا التى لم يُضيع أبدًا أوقاتنا بل وساهم فى بناء شخصياتنا جميعًا وأعطانا جرعات ثقافية خفيفة وشيقة وممتعة ولم يمنعنا أبدًا من تلقى العلم والمذاكرة وممارسة الرياضة والتفوق وإنهاء دراستنا دون كلل أو ملل أو بحث عن أعذار لعدم الذهاب للمدارس والجامعات. فقد عشت طفولتى وصباى فى قلب الريف المصرى الجميل بمدينة زفتى، أول جمهورية بالشرق الأوسط، وآنذاك كان الشتاء ماطرًا بغزارة، وأذكر أنها كانت أحيانًا تمطر لأيام وليالٍ متتالية، وأتذكر جيدًا أيضا الشوارع رغم رصف بعضها وهى غارقة فى الطين وماء المطر الذى يحول تراب الأرض لـ"روبة"، ورغم ذلك لا أتذكر يومًا ما أن الدراسة عُطلت بسبب المطر، بل كنا نذهب إلى مدارسنا سيرًا على الأقدام فى البرد و"الروبة"، لا يمنعنا الذهاب لها إلا المرض المُعدى فقط، لم نطلب يومًا ما تعطيل الدراسة بسبب الأمطار. أعلم أن الزمن غير الزمن، والتلاميذ غير التلاميذ، والمدرسين غير المدرسين، والمدارس غير المدارس، الثقافة غير الثقافة فما حفره المتميزون القدامى فى أسماعنا من ثقافتنا من الراديو والكتب القيمة المعتبرة، كان له دور بارز فى صلابتنا وقدرتنا على العمل فى كل الظروف والأحوال بل ودحر أى عرض يمنعنا من أداء عملنا بكل قوة وشرف، دون البحث عن تكوين رأى عام عن طريق السوشيال ميديا التى أصبحت تُحرك كل وأى شيء، للحصول على إجازة من المدارس والجامعات بسبب الأمطار، ويتزعم المدرسون وأولياء الأمور ويطلبون من محافظى الأقاليم ورؤساء الجامعات العامة والخاصة منح أبنائهم إجازة لمجرد سقوط الأمطار أو انخفاض درجة الحرارة.

ماذا عن الثلوج والتجمد فى كل دول العالم وماذا عن الحرارة المميتة فى دول أخرى طالما لا يوجد كارثة والعياذ بالله..؟! فالدعوة لتعطيل الدراسة ما هى إلا (دلع وطبطبة) مُضرة نحاول بها أن نكون زعماء من زعماء السوشيال ميديا الفاشلين ونساهم بها فى خلق جيل من المتواكلين على الظروف فى عز ما نحتاج إلى قاهرين لها محاربين مع وطنهم وكبرائهم نحو وطن قوى فتى شامخ. بل وكان مدرسونا العظماء - وأغلبهم من مناطق بعيدة عن المدارس- يحضرون للمدرسة يوميًا رغم المشقة والتعب، حرصًا منهم على تعليمنا ورعايتنا، كان بعضهم ممن جاء من خارج المركز من قرى مجاورة، يمشون لكيلو مترات فى ظروف غاية فى الصعوبة والوعورة، بسبب الحفر والطين الذى خلفه المطر العارم، حتى يصل للمدرسة. ورغم كل هذا لم يكن قرار تعطيل الدراسة بالسهولة التى يتخذ بها اليوم، نعم تغيرت الأوضاع، صار الجميع ينتقد التعليم ووزيره ومخططاته ومعها تغير دور المدرسة والمدرس، بل ورغم ما يقوم به وزير التعليم ومعه خبراء الوزارة من الترهيب والترغيب والتحديث إلا أن الجميع يعلم بكل أسف أن المدارس كمؤسسات أصبحت خارج المنظومة التعليمية، وحلت محلها السناتر وغرف الدروس الخصوصية، كما حلت السوشيال ميديا محل وسائل الإعلام الهادفة المحترمة التى كانت تغذى العقول وتنمى الانتماء والمشاعر وتوقظ الضمائر. كانت مدارسنا جاذبة وكان معلمونا يرتقون بأخلاقنا وعقولنا وكان أهالونا يحرصون على ذهابنا للمدرسة ويراقبوننا دون تدخل إلا حال تقصيرنا، أما أن يتوسط أهالونا لعدم ذهابنا للمدارس والجامعات بحجة الظروف الجوية، مطالبين بإجازة رسمية من المسؤولين فهى حجة جديدة، فقبل المطالبة بعدم ذهابهم للمدارس والجامعات عليكم مراقبة المدخلات التى يتغذى بها أولادكم ومن أين يستمدون ثقافتهم ومعلوماتهم العامة. راقبوا أولادكم واحكوا لهم عن الزمن الجميل الذى عشناه دون محمول ولا سوشيال ميديا، وكم تحملنا حتى تعلمنا وأنه ما علينا إلا السعى بما يرضى الله ثم ضمائرنا والثقة واليقين وحسن الظن بالله أما التوفيق والفلاح فبأمر الله، فقد قال تعالى " وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ۝ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى". فما علينا إلا الكفاح والفلاح والعوض الجميل من الله سبحانه وتعالى، أرى أن إيقاف الدراسة المتكرر للعملية الدراسية سيعانى منه الأطفال تارة ما بين "كورونا" وما بين الطقس السيئ تارة أخرى، فهذا الجيل سيعانى من كثرة الإيقاف، فمنهم من لم يذهب لمدرسته إلا أيام معدودة ومنهم من لم يذهب من الأساس، لذلك مدارس اليوم هى مدارس سوشيال ميديا ومدارس الأمس كانت مدارس الرايو فشتان الفرق.  

تم نسخ الرابط