الجمعة 22 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
الشورى

تتعدد أنواع البلطجة المنتشرة فى الشوارع وبين الناس وتعد "البلطجة الفكرية" هى أقبح أشكال هذه الظاهرة التى تؤصل للعداء بين الناس، وللأمانة أصل كلمة البلطجة جاء من البلطجية وتتكون كلمة البلطجية فى مقطعها الأول من البلطة، وهى الآلة الحادة المعروفة بيننا جميعًا والجزء الثانى من الكلمة هو "جية" وتعنى باللغة التركية الجراب المستخدم فى تثبيت البلطة حول خصر حاملها، ولذلك فالبلطجية هم جماعة حاملو البلطة على خصرهم مع عناصر الدفاع المدنى والذين كان تتم الاستعانة بهم لإنقاذ أرواح المواطنين العالقين من تحت الأنقاض، أيام فتوحات الدولة العثمانية.

وتم تحريف الكلمة بعد أن دخلت فى لغتنا العامية وأصبح البلطجية هم من يمارسون الإرهاب على الناس من جرائم نفس وتعدٍ وسرقات بالإكراه بل وإرهاب فكرى أسميته هنا فى هذا المقال "بلطجة فكرية" كفعل مشتق من البلطجية وكلمة بلطجة التى أصبحت ضمن تصنيف الجرائم، والبلطجة الفكرية من وجهة نظرى، أن يقوم أحد الأشخاص من مدعى الفكر أو الثقافة أو الفن بتصدير فكرة كاذبة إلينا تسرى بين العامة كالنار فى الهشيم، وربما تكون هذه الفكرة ما هى إلا كذبة أتقن صاحبها تأليفها وصياغتها ليضع خنجرا مسموما فى ظهر أحدنا أو ربما كلنا، وما أكثر هذه الأمثلة حول العالم بعد انتشار وسائل الخراب الاجتماعى فمنشور واحد على صفحة مغمورة بأحد مواقع الخراب، المسمى التواصل الاجتماعى كفيل بتدمير سمعة أسرة وتصدير أفكار مسمومة وربما هدم قيم وإعلاء دانٍ وخفض سامٍ دون وجه حق، والأمثلة كثيرة وعديدة كأن يلصق أحد الكذابين تهمة كاذبة لأى شخص بل وتجد من حوله مجموعة من الجهلة يصفقون له دون حتى عناء البحث على "جوجل" لمعرفة صحة الأمر. وعلى الرغم من أن الله سبحانه وتعالى قد حسمها صريحة منذ أن بعث رسوله الخاتم فى قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ"، ورغم ذلك تجد ممارسى البلطجة الفكرية منتشرين بين الناس رغم تحذير الله لنا منهم. والذى يقوم بالبلطجة الفكرية، لا يقبل أن يزاول غيره حقه فى التعبير عن رأيه، بل ويسفهه وقد يستخدم بعض الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة - التى تحتمل أوجه تفسير عديدة - خارج سياقها والعياذ بالله، لا لشيء إلا لإسكات مناوئيه ومصادرة آرائهم فإن حاول أحد مناقشته فى موضوع اجتماعى أو سلوكى وربما دينى عام، نعته بالجهل فإن لم تفلح تلك المحاولات فى ثنيه عن حقه المشروع فى الحديث والتواصل والرد، قدح فى شخصه واتهمه فى أخلاقه وسلوكه وحتى فى نيته دون مبرر أو حق كأن ينتقد مظهره الخارجى أو طبيعة عمله أو مديره أو وظيفته أو مرجعيته الثقافية، لإظهاره أنه غير مؤهل لإبداء الرأى وأن رأيه غير صحيح. وربما يستخدم أحد الأساليب الوضيعة فى محاولة لإرهاب غيره ممن لا يوافقه الرؤية فى بعض الأمور الفكرية فيتهمه فى ولائه لبلده ويسيء إليه فى وطنيته ويصفه بكم من الأوصاف الجاهزة المستهلكة، فى محاولة للإساءة لسمعته وتأليب الناس عليه لا لشيء إلا أنه رفض كذبته وافتراءه أو فند معلومته الخاطئة وأظهر مدى وضاعته أمام الناس، ودائمًا ما يظهر هؤلاء البلطجية بغرورهم القاتل الذى يفتقد أبسط أنواع التوافق الاجتماعى والرقى الفكرى والانضباط السلوكى بل وتجده متشنجًا فى طرح المشكلات رافضًا التفاعل السليم موجهًا للانفعال الحاد بعيدًا عن التركيز على القضية أصل النقاش فبكل أسف يخلط الأمور ويسيء الأدب مفسدًا للود المجتمعى فى خضم تباين الآراء واختلاف وجهات النظر، واضعًا نفسه فى مكانة لا تليق به لأن مثل هؤلاء من ملوك التضليل الباحثين عن الكذب والباطل ونشره بين الناس مكانهم دائمًا إلى النسيان مع النفايات عديمة المنفعة ممن يروجون للباطل وكأنه الحق. فعلينا إن تبادلنا الأحاديث وتشاورنا فى أى من أمور الدنيا أو الآخرة الالتزام بما نصت عليه الأديان والأعراف وخاصة ديننا الحنيف الذى هو دين الحوار والنقاش.. فالله عز وجل يريد أن يستقيم وينخرط المجتمع فى حوار ونقاش مثمر يعود بالخير والفائدة والمنفعة على المجتمع كله بجميع أطيافه وألوانه ودياناته حتى تتحقق وحدة المجتمع وتماسكه.

ولذلك وضع الله تعالى لنا آدابًا للحوار كالتزام الأدب فى الكلام والأفعال واستخدام الشفقة والرحمة واللين مع الناس وعدم التكبر والغرور وعدم رفع الصوت أو النظرات الجارحة حتى نتناقش بحب ونُنهى الحوار ونحن أصدقاء ولا يصدر أحد منا عداءه مع أحد للجميع فكل إنسان منا أولى بنفسه، ولكل إنسان الحرية فى اختيار ما يراه مناسبًا له دون أن يرغمه أحد على مخالفة ذلك حتى فى العقائد والأديان فإنه لم يجتمع الناس على قلب رجل واحد فى عبادة الله عز وجل ومع ذلك أمر بحسن المجادلة والحوار وترك لكل واحد حرية ما يعتقده فى الدنيا فيما يتعلق بعلاقة الإنسان بربه فما بالنا بالعلاقة مع بعضنا البعض؟ ولذلك أجد هذه "البلطجة الفكرية" أشد خطورة على المجتمع من كافة أنواع البلطجة، فقاعدة التعامل عند هذا البلطجى إما أن تقتنع بأفكارى وقناعاتى حتى وإن كانت كاذبة من تأليفى أو حتى من خيالى المريض وتكون فى صفى وإما فانتظر منى حربا عليك بكل ما أوتيت من قوة، ليُقضى بهذه البلطجة كل كافة معالم الأدب ويتم بها نسف كل آداب الاختلاف فى النقاش والحوار، مصدرًا الإحباط لجميع المتابعين وحتى المناصرين لأن الهدف من البداية ليس فكرة أو رأيا حرا الهدف فقط هو الظهور بمظهر المثقف حامى الحمى، هؤلاء البلطجية اجتثاثهم من مجتمعنا واجب ووضعهم فى حجمهم الطبيعى أصبح ضرورة مُلحة فالخوف كل الخوف من انتشار هؤلاء من أدوات الهدم فى زمن البناء ومن مُصدرى تصدير المشكلات فى وقت لا مكان ولا وقت فيه إلا للعمل دون النظر للخلف، لذلك علينا مواجهة أؤلئك من أصحاب "البلطجة الفكرية" بالحجة والمنطق وإن لم يُفلح معهم الحوار فتعريتهم أمام الناس واجب وتنبيه الناس بعدم الاستماع لأفكارهم وآرائهم فرض على الجميع.. علينا أن نُظهر للناس كيف يمارسون تلك البلطجة الفكرية فقط لخدمة أهدافهم ومنافعهم ليس إلا.  

تم نسخ الرابط