أن يصبح الإعلام سلعة رخيصة تنجر وراء جنى الأرباح ويركض صُناعه نحو ما يسمى بـ"التريند"، لا لشيء إلا لركوب الموجة أيًا كانت فيتنازل صناع العمل الصحفى والإعلامى عن كل وأى شيء فى مقابل أن تكون مؤسساتهم وصحفهم ومواقعهم فى قلب الحدث رغم تفاهة هذا الحدث بل وأحيانًا تُترك الأمور غير القابلة للترك مقابل هذا "التريند" المزعوم، وبدلًا من أن يقود الإعلام الأوطان يقود رواد وسائل الخراب الإعلام والأوطان والشعوب ويوجهه حسب ما يريد، فبئس هذا الإعلام الذى به تُزرع الفتن وتُضرب الثوابت وتُدمر المعتقدات، بل ويثير الشك فى العبادات.. الإعلام جُعل لنشر الحقائق وغرس القيم وترسيخ الفضائل وشرح صحيح الدين ومواجهة المغالاة والتصدى للتطرف، يُطوع لخدمة "تريندات" مواقع الخراب الاجتماعى.
ففى الأسبوع الماضى طلت علينا عدة أحداث ما بين مهمة وعادية وغير مهمة وتافهة وغاية فى التفاهة، وما يؤسف ليس وقوع هذه الأحداث فالأحداث قدرية وتجنبها بتوفيق من الله والنجاح فى الخروج بها ومنها بشكل مُرضٍ يقدره الله للمجتهدين من عباده، أما أن تُطوع كافة الأحداث لإظهار أتفه ما فيها وإغفال أهم جوانبها من أجل البقاء فى دائرة "التريند" فهذا ما يحتاج إلى وقفة صريحة أدعو إليها جميع القائمين على العمل الإعلامى والصحفى المصرى والعربى والإسلامى.. أن أفيقوا قبل فوات الأوان قبل أن نشارك مع أشباه النجوم ومدعى الفن ورداحى المهرجانات فى تغييب الوعى وإضعاف الفكر وفقدان الثقافة والهوية بدعوى أن المجتمع يبحث عن الأحداث ولكن ما الحدث الذى نبرزه وما هو الحدث الذى يجب أن يتوقف عنه بخبر صغير فى جانب صفحة ورقية أو إلكترونية أو موقع وأن نتجنب إلقاء الضوء وفرد مساحات للتفاهات واللمم حفاظًا على ثقافتنا وهويتنا؟ فما الإفادة من خبر عاجل فى جريدة مهمة يتساءل بشكل مستفز كيف حافظت عروس الإسماعيلية على مكياجها بعد أن ضربها العريس وأهله وسحلوها فى لقاء خاص مع الكوافيرة، أهذا هو الموضوع الهام الذى تبحث عنه الصحافة؟ وآخر موضوع بعنوان لقاء خاص مع العريس الذى ضرب العروس فى منزله، بل ويبدى تعجبه من أهل البندر الذين لا يعرفون أن ضرب العروس وسحلها حتى يوم فرحها من مجموعة (همج) هم أهل الزوج المنتظر وأهلها، شيء طبيعى وعادى وعلى المجتمع تقبله لأنه شيء متواجد وليس فيه أى إساءة، وهذا هو المثل كالساعات الطويلة فى البرامج التليفزيونية التى تفرد مساحات واسعة لتنجيم أى شخص صنع فيديو فجا أو مطرب سوقى يقدم تقليعة جديدة أو ربما هذا العريس عديم التربية هو وأهله سمح لنفسه بضرب عروسه بوحشية فى الشارع قبل الوصول لبدء حفل زفافها والأكثر أن يتعامل هذا الهمجى عديم النخوة بأنه نجم ونموذج بين الرجال، بل وبكل تبجح يطلب من القنوات الفضائية مائة ألف جنيه مقابلًا لظهوره، وهذا هو النموذج الصريح لفن صناعة التفاهة وركوب "التريند".
ورغم إعجابى بزميلتى وصديقتى بنت الإسماعيلية أميرة عبد الحكيم، وبجرأتها فى تصوير الفيديو وتصدير هذه القضية للرأى العام -وأنتهز الفرصة لأُبارك لها على دخول جدول المشتغلين بالنقابة- فإن معالجة الأمر من مدعى المهنة كان يحتاج إلى مراجعة وعلاج فورى وسريع وشاهدنا جميعًا سقوط مؤسسات كبرى فى تغطية الحدث وصل للسطحية والركاكة والتفاهة سعيًا لـ"ركوب التريند"، إعلام تَفّهَ القضية وشغل الناس عن كل المهم فيها وأنها استمرار لقضايا العنف الممنهج ضد النساء وغياب قانون الحق العام الذى يُجرم الفعل ويعاقب مرتكبه حتى لو أُرغمت الضحية على التنازل لأسباب اجتماعية أو مادية أو حتى نفسية، فأى إعلام وأى رسالة فى هذه القضية التى تحولت لأمور تافهة بأيدى أصحاب الأقلام الذين لم يحترموا قسمهم فى الدفاع عن قضايا مجتمعهم، معركة انتصر فيها الجهل على الوعى الحقيقى وأظهر الجهل والانزلاق لعالم من التفاهة "التريند" التى تنحدر بحياتنا أكثر وأكثر والانتباه واجب إلى أن تسترد مجتمعاتنا قيمة العلم وقيمة المعرفة وقيمة الجدية فى الحياة لعلنا نعود من بعيد فنعيش ونتعلم ونعمل كما يليق بنا ونترك لأبنائنا قيمًا يعيشون بها وعليها فيترحمون علينا بدلًا من ذكرهم لـ ترينداتنا.
وحديثى عن التريند لن يتوقف عند تفاهته الدائمة ولكن أحيانًا عند خطورته الداهمة وهى أن يستغل البعض هذه الوسيلة أو ذاك لترويج الأكاذيب وتسويق الفتن تحت شعار حرية الرأى المزعومة وهو ما يعنى تأجيجًا للمشاعر وتحطيمًا لثوابث الدين لأن أمور العقيدة محسومة وقضايا الدين محددة والرجوع فيها لأهل الذكر فقط بل وهناك ثوابث دينية وعقائدية تم حسمها منذ ظهور الإسلام والخوض فيها أو مناقشتها يعد خرقًا للدين وانتهاكًا لثوابت العقيدة، بحثًا عن شهرة جديدة وتريند مزعوم وحديثى هنا على خلفية حديث الإعلامى إبراهيم عيسى، والذى زعم فيه أن رحلة الإسراء والمعراج قصة وهمية ولم تحدث فى محاولات بائسة تطل بين الحين والآخر لتشكيك المواطنين فى معتقدات راسخة ونصوص قرآنية ثابتة، بل إن الخطير فى هذا القول المكذوب أنه يضرب أهم ركن فى الإسلام وهو فريضة الصلاة، لأنها فرضت فى رحلة الإسراء والمعراج، وبالتالى فإن التشكيك فى هذه الرحلة المقدسة يعنى بالتبعية التشكيك فى الصلاة، وهنا وبدلًا من رجوعنا جميعًا للخلف وتقديم أهل الذكر للرد راح الجميع من جديد يسعى لركوب التريند لهثًا وراء سبه ووصفه بكل الصفات التى يستحقها وأكثر ولكن ليس دفاعًا عن الدين ولكن ركوبًا للموجة وبحثًا عن مكان فى دائرة الضوء وفى الحقيقة ما حدث من ضجة نجح هذا الرجل فى إحداثها مستعينًا بقدرته على صُنع حالة من الجدل على حساب كل وأى شيء، أوضح أيضًا للجميع أننا فى حاجة إلى إعادة صياغة الواقع وتقديم المثقفين الواعين الفاهمين أصحاب الخبرات من محبى الوطن فى كل المجالات لا الباحثين عن ركوب التريند على حساب كل وأى شيء. وللحق أقول إن ردة الفعل الشعبية والرسمية على واقعة التشكيك فى هذه الرحلة المباركة كشفت عن وعى وحيوية هذا الشعب وغيرته على دينه وأنه لا يقبل المساس بالثوابت ومنها الدين ويرفض محاولات بث الفتنة وإيجاد ذرائع لقوى التطرف والإرهاب، ولعل التحرك العاجل من النائب العام للبدء فى التحقيق مع هذا الإعلامى مع تحرك الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف والمجلس الأعلى للإعلام ومجلس النواب فى الإدانة والتحقيق يؤكد أن الدولة المصرية بمؤسساتها لن تقبل أى تطرف سواء من الذين يتجرأون على الدين أو يدعون أنهم حماته، ولكن يبقى التعامل الإعلامى والصحفى فى حاجة إلى مراجعة فما نريد إلا إعلامًا وطنيًا حرًا يُجمع على الحق ويُعلى القيم.. يبنى ولا يهدم.. لا يبحث إلا عن الحقيقة لا "التريند".. وللحديث بقية.