محمد فودة يكتب: مهرجان "دندرة" تحقيق للعدالة الثقافية بالصعيد
◄الأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية فى المواقع الأثرية تبرز الوجه الحضارى لمصر وتراثها العريق
◄عرس ثقافى وفنى يعكس إيمان الدولة بقيمة الإبداع فى تشكيل الوجدان
◄المهرجان أثبت أن الجمهور متعطش للفن الراقى بعيدًا عن الإسفاف وأغانى المهرجانات
◄نحتاج إلى المزيد من هذه الفعاليات الثقافية لمواجهة الأفكار المتطرفة والهدامة
المشروع القومى "حياة كريمة" لم يتوقف عند حد بناء المساكن الآدمية لأهل القرى والمناطق النائية فى الصعيد والوجه البحرى فقط بل امتدت يد الدولة لتأخذ بيد المواطنين فى تلك المناطق وتمنحهم العدالة الاجتماعية فى كافة نواحى الحياة بما فى ذلك العدالة الثقافية.
وهو ما لمسته فى هذا الحدث الثقافى والفنى الكبير الذى تمثل فى افتتاح الدورة الثانية لمهرجان دندرة للموسيقى والغناء بمحافظة قنا، فالمهرجان لم يكن بالمعنى المعروف للمهرجانات وإنما كان بمثابة تجسيد حقيقى لأحد أهم وأبرز مسارات الدولة فى الاهتمام بمحافظات الصعيد والسعى الدءوب نحو تحقيق العدالة الثقافية بين جميع ربوع مصر.
وقد تجلى حرص الدولة على هذا الحدث كونه حدثاً ثقافياً مهما فى أنه أقيم تحت رعاية الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء وأطلقته نيابة عنه الفنانة الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة والدكتور خالد العنانى وزير السياحة والآثار، واللواء أشرف الداودى محافظ قنا، بحضور أكثر من 7000 مشاهد من أبناء قنا والمحافظات المجاورة كانوا بمثابة البطل الحقيقى لمشهد حفل الافتتاح وهو ما أكد وبشكل لافت للنظر تعطش المواطنين فى الصعيد لمثل هذه الفعاليات الكبيرة فى حالات الفنون الراقية من موسيقى وغناء وفنون أوبرالية.
وأعتقد أن هذا الإقبال الكبير من المواطنين يؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أنه لا يصح إلا الصحيح وأن موجة الأغانى الهابطة وأغانى المهرجانات لا تعبر عن الرغبة الحقيقية للجمهور، فالجمهور متعطش دائما للفن المحترم وللفن الراقى بعيداً عن الإسفاف والانحطاط فى الكلمات التى تكتظ بها أغانى المهرجانات. وفى تقديرى فإن دور الدولة الآن محاربة الإسفاف بمثل هذا المهرجان الذى يقدم فناً جميلاً وموسيقى راقية بما ينعكس بالإيجاب على استعادة دور الدولة فى الحفاظ على الذوق العام، وهو ما لمسته فى الكلمة المهمة التى ألقتها سيدة الإبداع الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، حيث وجهت الشكر للدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء على رعايته الكريمة لمهرجان دندرة الثانى للموسيقى والغناء، ووصفته بأنه مشروع جاد يجسد أحد مسارات الدولة للاهتمام بالصعيد وتحقيق العدالة الثقافية من خلال نقل الفنون الجادة والهادفة إلى الجنوب باعتبار القوى الناعمة أداة فاعلة لتطوير المجتمع وتنمية الوعى.
وأضافت أن الدورة الثانية منه تأتى كنموذج للتعاون بين مؤسسات الوطن حيث تشاركت وزارة الثقافة مع وزارة السياحة والآثار ومحافظة قنا لإيقاد شعلة للتنوير على قطعة من أرض مصر ظلت على مر التاريخ موطنا لرموز وأعلام نجحوا فى إثراء مختلف مجالات الحياة.
وأكدت أن الفعاليات والأنشطة المتنوعة التى تحتضنها المواقع التاريخية تجسد فكرة السياحة الثقافية والفنية وتبرز وجها مختلفا للحضارة المصرية الخالدة التى شيدها المصريون القدماء منذ آلاف السنين وما زالت تبهر شعوب الأرض بعظمتها وتنوعها حيث ضمت مفرداتها ألوانا إبداعية ملهمة تكونت من العلوم والعمارة والفنون والثقافة لتعبر عن طبيعة الهوية المصرية المتميزة وتعطى السبق لأبنائها على مر الأزمان وتثبت أن الإبداع مفتاح الحياة وسر التطور والتقدم.
وأوضحت أنه خلال الفترة القادمة وبالتنسيق والتعاون مع الدكتور خالد العنانى وزير السياحة والآثار تشهد المواقع التاريخية والأثرية مجموعة من الفعاليات الإبداعية المتنوعة التى تعد سلاحا فاعلا فى معركة الثقافة ضد الابتذال والتعصب وتؤكد أن الفكر والفن من العناصر الفاعلة لاستكمال عملية التنمية، فى ظل تعاون مثمر مع وزارة السياحة والآثار نتج عنه استثمار متميز للمواقع الأثرية والحضارية التى تملكها مصر لإقامة المناسبات والفعاليات الثقافية والفنية، وهو ما يشير إلى أن مهرجان دندرة من الممكن أن يصبح مهرجانا دوليا يليق بقيمة مصر التراثية والحضارية، خاصة فى ظل مساندة محافظة قنا الدائمة والمستمرة للأنشطة الإبداعية بالمحافظة.
والحق يقال فقد لفت انتباهى فى هذا الحدث أن التعاون البناء والمثمر بين وزارتى الثقافة والسياحة والآثار نجح فى استعادة واستئناف الملتقيات الثقافية والفنية المتميزة وإقامتها فى المناطق الأثرية وهو ما يتجلى بوضوح فى عبقرية المكان الذى أقيم به مهرجان دندرة للموسيقى والغناء حيث أقيم فى ساحة معبد حتحور ربة الموسيقى والجمال والفن ما سيكون له عظيم الأثر وبشكل إيجابى فى مكانة ووضع محافظة قنا على الخريطة السياحية خاصة أن الأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية والسياحية فى المواقع الأثرية المختلفة وخاصة فى محافظات الصعيد تبرز الوجه الحضارى لمصر وتراثها العريق.
لقد ظهر المهرجان على هذا النحو من الروعة وكأنه عرس ثقافى وفنى مبهر يعكس إيمان الدولة بقيمة الفن والثقافة فى تشكيل الوجدان وبناء الإنسان وتحقيق العدالة الثقافية مما يدفعنى للمطالبة بضرورة تنفيذ مثل هذه الفعاليات الثقافية لمواجهة الأفكار المتطرفة والهدامة وحماية أبنائنا منها، وهذا الأمر يحسب لوزارة الثقافة كونها ساهمت وبشكل حقيقى فى تحقيق حلم أبناء محافظات الصعيد فى تقديم الخدمات الثقافية التى كانوا يحلمون بها مثل هذا المهرجان ومعارض الكتب وغيرها.
أكرر القول بأن ما شهده افتتاح مهرجان دندرة للموسيقى والغناء ما هو إلا خطوة فى مشوار طويل بدأته الدولة فى جميع المحافظات من أجل تحقيق حياة كريمة للمواطنين، ليس على مستوى المسكن ومستوى المعيشة فقط بل على مستوى العدالة الثقافية أيضاً التى ترتكز عليها فلسفة القيادة السياسية فى منظومة بناء الإنسان التى هى الهدف الأسمى لمبادرة حياة كريمة.