العباس السكرى يكتب فى ذكرى ميلاد موسيقار الأجيال: حينما قال محمد عبد الوهاب "أنا الأستاذ وأم كلثوم تقهقرت"
فى يناير 1957 كانت المعركة بين موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وكوكب الشرق أم كلثوم، ممتدة ومتواصلة وبلغت الذروة فيما بينهما، هو يرى نفسه الأستاذ، وهى ترى نفسها "الست"، هو نجم الحفلات والغناء، وهى كذلك.. وفى هذه الأثناء أجرى موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب مقابلة مع مجلة الكواكب كان فيها صريحا، وتحدث بعيدًا عن دبلوماسيته المعتادة والمعروفة، حيث طالبه محرر المجلة وقتها أن يقسم قبل إجراء الحوار أن يقول الحق، كل الحق، وقد كان.
فى ذاك الوقت كان الموسيقار الكبير لا يتحدث كثيرًا، وإن تحدث فهو يجامل أكثر من الواقع بكثير، لذا كان لا بد أن يقسم قبل حديثه، بحيث لا يراوغ فى إجاباته كما يفعل دائما، لذلك أعلن عبد الوهاب بجرأة أن أم كلثوم اليوم ليست كالأمس، وقال إن هناك تقهقرا أصابها لكنه غير محسوس عند الجمهور، بل ملموس عند أهل الصناعة وحدهم.. وذكر أنه لو قدم لها لحنا سيصل بها لما فوق الذروة ويزيدها خلودا، لأن ما يقدمه لها سيكون لحنا جديدا عليها، وعلى آذان المستمعين الذين ظلوا يستمعون إلى ألحانها من موسيقيين معينين بلا تغيير ولا تبديل.
الأستاذ محمد عبد الوهاب حالة فنية فريدة، هو يعرف قدر نفسه حق قدره، لذلك عندما سئل عن اتهامه بمحاولة وأد الموهبة قبل أن تظهر كى لا تلحق به فى دنيا الشهرة والنجومية؟.. تعجب وقال هل هذا معقول؟.. أين هم أولئك الذين نالوا شهرة أخشى منها على مكانتى؟.. الفن الصحيح الممتاز يفرض نفسه على الأذن بعد أن يغزو القلوب.. ولن تجدى أى محاولات فى طرده من المكان.. هل تستطيع الدولة بسلطانها وجبروتها أن تصدر منشورا بمنع سماع أغنية جميلة؟.. يقول عبد الوهاب: "لست بحاجة للدفاع عن نفسى فى تهمة يعرف الجمهور حق المعرفة أن الغناء والموسيقى هما الفن الوحيد الذى لا تنفع فيه وساطة ولا شفاعة".
ربما من أشهر الأشياء السلبية التى طالت عبد الوهاب البخل.. دائما يصفونه بالبخيل، لكن للموسيقار رأى فى هذه المسألة، حيث يقول: "يعنى إيه بخيل؟.. أنا أسكن فى أحسن مكان، وارتدى أفضل ثياب، وأعيش عيشة راضية، هل يراد منى أن أشرب الخمر وأدعو الراقصات إلى الشرب حتى يقال عنى إننى فنجرى؟!، هل يراد منى أن ألعب القمار وأبّذر فيما حرم الله حتى يقال عنى إننى رجل كريم؟!، أنا رجل لا أهوى إلا فنى ولا أحب الظهور فى أماكن تهدر فيها كرامة الإنسان".
موسيقار الأجيال كان يعلم أنه حقق ما يصبو إليه، ففى نفس عام 1957 قال إن أحلامه فى الحياة كانت تتبلور فى هدف واحد يتمثل فى أن يعيش حتى يرى موسيقاه تعم الأرجاء، لذا افتخر قائلا: "أصبحت صاحب مدرسة يسير غيرى من الموسيقيين على نهجى، أنا الأستاذ ومدرستى اليوم هى المدرسة الحية للموسيقى فى الشرق كله، وكل ملحن أو مطرب جديد يسير على مناهج هذه المدرسة، ومن شذ عنها لا يعيش".