الجمعة 22 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

محمود الشويخ يكتب: «غضب القيصر ».. متى ينتقم بوتين من أمريكا؟

محمود الشويح - صورة
محمود الشويح - صورة أرشفية

- كيف حذر الرئيس الروسى الجميع من "الأرض المحروقة"؟.. ومَن هو الرجل الذى يدير الحرب الآن؟

- ماذا يفعل بايدن أمام طموحات سيد "الكرملين"؟.. وما أسلحة قائد "البيت الأبيض" فى المعركة؟

- هل تستسلم أوكرانيا أمام "الجحيم الروسى" الذى لا يتوقف؟.. وأين يختبئ الرئيس الأوكرانى الآن؟

على أعصاب ساخنة يعيش العالم الآن.. لا أحد يعلم ما الذى يدور فى عقل الرئيس بوتين.. ولا أحد يملك إجابة عن أسئلة من نوعية:  متى تتوقف الحرب؟.. وهل تنتهى فى أوكرانيا.. أم تتوسع لما بعد أوكرانيا؟

إنها أيام صعبة على الجميع.. وقاسية على أولئك الذين لا ناقة لهم ولا جمل فى هذا الصراع وقد وجدوا أنفسهم يسددون جزءا من الفاتورة من جيوبهم التى لا تحتمل من الأساس!

المشهد ضبابى بالكامل.. وما هو ظاهر أقل بكثير مما هو غاطس فى النهر!

على الأرض يبدو أن روسيا ماضية فى طريقها حتى احتلال أوكرانيا التى يبدو أيضا أن الاستسلام لإنهاء هذه الحرب الصعبة.. وفى الغرف المغلقة لا أحد يعرف ماذا يدور فى رؤوس قادة ما يسمى “العالم الحر”.

هل هناك قرار عالمى بإطالة أمد الصراع؟.. أم أن تضحيات من جميع الأطراف يمكن أن توقف هذا الصراع الذى يهدد بوقوع حرب عالمية ثالثة بلا أى مبالغة؟

وهذه ليست أسئلة من باب الرفاهية.. بل إن الإجابة عنها تتماس بحياة البشرية كلها.. فإذا تمادى كل الأطراف فى طريقها- لا قدر الله- يمكننا أن نتوقع مواجهة عالمية بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة.

بالنسبة لى فقد اختار الرئيس بوتين أسلوب الأرض المحروقة.. فإما كل شىء أو نخسر جميعا.

فالرجل لا يزال يحمل جراح انهيار الاتحاد السوفيتى بين ضلوعه.. ويبحث عن الانتقام لسنوات الإذلال فى أعقاب السقوط الكبير مطلع التسعينيات وما تعرضت له روسيا من إهانات بالغة من الكبير والصغير!

أما الرئيس بايدن، ومن خلفه الغرب، فقد قرر أن يواجه مغامرة بوتين بسلاح العقوبات القاسية وغير المسبوقة.. إنها إستراتيجية تدفيع الثمن.

أمريكا لا تريد أن تدخل فى صراع مسلح مع روسيا.. وهذا واضح جدا.. وأكدته مختلف الإدارات فى الولايات المتحدة.. لن نقدم على ما هو أبعد من العقوبات.

لكن هذا الموقف يمكن أن يتغير بالتأكيد إذا اختارت روسيا أن تتقدم لما بعد أوكرانيا.. وأقصد بالتحديد أراضى حلف الناتو.. وفى هذه الحالة ستجد أمريكا نفسها مضطرة للدخول فى المعركة.

وهو يوم لا نتمنى أن يأتى أبدا.

الخريطة الآن كاشفة والنيات أصبحت واضحة؛ فروسيا تشترط لوقف الحرب نزع سلاح أوكرانيا وتحويلها إلى دولة محايدة، فضلا عن تطهير البلاد من “العناصر النازية الجديدة”، وهو ما يعنى تغيير القيادة السياسية الأوكرانية الحالية بقيادة زيلينسكى - الذى يختبئ تحت الأرض - واستبداله بقيادة جديدة تكون أكثر قبولا لموسكو. 

وقد تجاوزت الأحداث الحالية مطالب موسكو السابقة بالاعتراف بضم شبه جزيرة القرم لروسيا أو العودة إلى اتفاق مينسك الأول لعام ٢٠١٤ واتفاق مينسك الثانى لعام ٢٠١٥، وهو ما سبق أن عرضه كلٌ من الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون والمستشار الألمانى أولف شولتز أثناء زيارتهما لموسكو ولقائهما مع الرئيس بوتين فى النصف الأول من شهر فبراير الماضى فى محاولة للتخفيف من حدة الأزمة وعدم تصاعدها، الأمر الذى عده سيد “الكرملين” مراوغة من الجانب الغربى فى التعامل مع المطالب الروسية الأوسع التى تتضمن ثلاث نقاط رئيسية: الأولى هى وقف تمدد “الناتو” ناحية الشرق، والثانية هى رفض الحلف نشر أنظمة أسلحة ضاربة على الحدود الروسية، والثالثة والأخيرة عودة الإمكانات العسكرية لـ “الناتو” والبنية التحتية فى أوروبا إلى وضع عام ١٩٩٧عندما تم التوقيع على الوثيقة التأسيسية بين روسيا و"الناتو"، وبما يستجيب للمخاوف الأمنية الروسية عن طريق وضع ترتيبات أمنية جديدة فى شرق أوروبا فكان القرار بالحرب بعد أن نفد صبر موسكو، خاصة مع القراءة الروسية لمجمل المشهد العالمى وخاصة وضع الولايات المتحدة. 

فلا شك أن موسكو كانت تتابع عن كثب الانسحاب الأمريكى من أفغانستان والتصريحات الأمريكية بشأن أهمية التركيز على التصدى للصين، وهو ما كان يفهم منه من الجانب الروسى أن الاهتمام الأمريكى قد توزع أو تشتت ما بين موسكو وبكين. 

هذا فضلا عما تشهده الساحة الداخلية الأمريكية من انقسامات حادة حالت دون صدور موقف قوى وموحد من الحزبين الجمهورى والديمقراطى فى الكونجرس إزاء التهديدات الروسية فى ذلك الوقت أيضا، ناهيك عن موقف بعض أقطاب الحزب الجمهورى وعلى رأسهم الرئيس السابق دونالد ترامب من تفهم للمطالب الروسية وإبداء الإعجاب بشخص الرئيس بوتين، فى سابقة لم تعرف من قبل. 

يضاف لما سبق أيضا الانقسام الأوروبى حول كيفية التعامل مع روسيا وخاصة من أكبر قوتين بالاتحاد الأوروبى وهما ألمانيا وفرنسا. 

ثم إن المجر وسلوفاكيا داعمتان بشكل واضح لتقوية العلاقات مع الكرملين قبل الغزو الروسى. 

ولهذه الأسباب من ناحية، ومن ناحية أخرى العلاقات الوثيقة مع الصين التى ظهرت بوضوح فى البيان المشترك الصادر عن زيارة بوتين للصين فى ٤ فبراير الماضى بمناسبة افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية والذى تحدث عن "الصداقة غير المحدودة" بين الجانبين الصينى والروسى، والذى وصفه المراقبون بأنه يمثل حقبة جديدة فى العلاقة بين البلدين ترقى إلى مستوى التحالف بين هاتين الدولتين. 

لذلك كانت القراءة الروسية بأهمية اغتنام فرصة ما يعانيه الغرب من انقسامات مع وجود ما يفترض أنه دعم صينى، لفرض المطالب الروسية بالقوة، خاصة أن الرئيس الأمريكى جو بايدن قد أكد أكثر من مرة، وأيضا لأسباب داخلية، أن الولايات المتحدة الأمريكية لن ترسل جنديا واحدا للدفاع عن أوكرانيا. 

وقد توقفت أمام تحليل فى منتهى الأهمية للسفير علاء الحديدى، سفير مصر الأسبق بدولة روسيا الاتحادية، أجاب خلاله عن السؤال الأهم الآن وهو أين يقف التدخل أو الغزو الروسى لأوكرانيا وردة الفعل الغربية؟

فالشاهد أن بوتين قد عقد العزم على المضى قدما فى تحقيق أهدافه مهما كلفه ذلك من أمر، واعتبار أوكرانيا خطوة أولى نحو إعادة هندسة أو تغيير المعادلة الأمنية والإستراتيجية فى أوروبا، وهو ما يعنى أن القوات الروسية لن تقف أمام أى مقاومة أوكرانية، حتى لو امتدت العمليات العسكرية لمدى زمنى أطول عما هو مقرر، أو تعثرت بعض العمليات هنا أو هناك نتيجة مشاكل لوجستية أو غيرها.. وقد يكتفى بوتين بحصار كييف دون دخولها أو اقتحامها بهدف إسقاط الحكومة الأوكرانية الحالية بقيادة فولوديمير زيلينسكى..  وفى حالة عدم تحقيق هذا الهدف، فلا مناص من اقتحام المدينة والتوغل داخل الأراضى الأوكرانية وصولا إلى نهر الدنيبر الذى يقسم البلاد من الشمال إلى الجنوب والسيطرة على جميع الأراضى شرق هذا النهر. وفى سيناريو إضافى تقوم القوات الروسية بالتقدم على طول الساحل الأوكرانى على بحر أزوف شرق شبه جزيرة القرم ثم غربها على البحر الأسود وصولا إلى إقليم ترانسنيستريا المنفصل عن جمهورية مولدوفا والمتواجد به قوات روسية رسمية، وبما يحرم أوكرانيا من أى منفذ على البحر الأسود وخاصة ميناء أوديسا الشهير. 

ويحقق هذا السيناريو استعادة ما يراه بوتين من أرض روسيا التاريخية وضم المناطق الناطقة بالروسية فى الشرق والجنوب، وترك الجزء الشمالى الغربى المتاخم للحدود البولندية والناطق بالأوكرانية وخارج أرض روسيا التاريخية.

هذا، ومن الواضح أن الغرب قد قرر مواجهة روسيا على الجبهتين الاقتصادية والتكنولوجية دون الدخول فى مواجهة عسكرية معها، تاركا هذا الأمر لكفاح الشعب الأوكرانى فى مواجهة الاحتلال الروسى القادم وبهدف تكرار سيناريو أفغانستان، ولكن على أرض أوروبية هذه المرة. 

وتذهب بعض التقديرات إلى أن العقوبات الاقتصادية الغربية من إخراج معظم البنوك الروسية من نظام سويفت swift والعقوبات الأخرى ستؤدى إلى انكماش الاقتصاد الروسى بنسبة تتراوح ما بين ٥٪و ١٠٪، وتصل بعض التقديرات حتى إلى ٢٠٪. 

ولكن الأهم من هذه الحرب الاقتصادية هو العمل على حرمان روسيا من التكنولوجيا الغربية عن طريق فرض حصار تكنولوجى عليها أشد ضراوة وقسوة وإحكاما من الحصار الاقتصادى.

وشرح ذلك ما ذكرته رئيسة المفوضية الأوروبية أرسولا فون دير لاين من أن الطيران المدنى الروسى يعتمد فى ثلاثة أرباع أسطوله على التكنولوجيا الغربية، وأن صناعة استخراج النفط وخاصة فى الحقول البحرية تعتمد على التكنولوجيا الغربية، ومن ثم فإن العقوبات الغربية هذه وبالطريقة التى تم وضعها ستحرم روسيا من جنى ثمار عائدات ما تصدره من نفط وغاز. 

ناهيك هنا عن قرار أمريكا وقف استيراد النفط والغاز الروسى، وما هو منتظر من مزيد من العقوبات الغربية وذلك بهدف تعجيز وشل الاقتصاد الروسى.

وعليه، فمن الصعب التنبؤ بمسار الأحداث خلال الفترة القصيرة القادمة، ومتى ستنتهى الحرب الروسية- الأوكرانية، بعد أسبوعين أو ثلاثة أو شهر أو أكثر، والأهم أين ستقف القوات الروسية، على نهر الدنيبر أو بعد ذلك أو حتى قبل ذلك، فأحد مراكز الفكر الأمريكية" Scowcroft Center" وبعض الباحثين فى "Atlantic Council" طرحوا سيناريو "المعجزة" ضمن سيناريوهات عديدة أخرى، والذى يذهب إلى تعثر الغزو الروسى وفشله فى تحقيق أهدافه وتوقفه عند الخطوط القتالية الحالية أو بعدها بقليل. 

ولكن الأرجح أن هذه الحرب ستستمر لفترة قادمة، حيث يرى البعض أن القوات الروسية تتعمد التقدم ببطء لإعطاء الوقت الكافى لسكان المدن للنزوح منها قبل محاصرتها ثم اقتحامها، وذلك لتفادى سقوط ضحايا أكثر من المدنيين. 

وأيا كان الأمر، فإن تطور الأحداث وتلاحقها حتى لحظة كتابة هذا المقال يشيان بأننا مازلنا فى بداية الحرب وليس قرب نهايتها.

حمى الله مصر.

 

 

تم نسخ الرابط