محمود الشويخ يكتب: حرب "الأخضر" كيف تخوض الدولة المصرية "معركة الدولار"؟
- لماذا قرر البنك المركزى رفع أسعار الفائدة لأول مرة من ٢٠١٧؟.. و"شفرة" السيطرة على السوق السوداء للتجارة .
- ماذا يفعل الرئيس لحماية محدودى الدخل من الأزمة الاقتصادية العالمية؟.. وسر الرسالة الحاسمة للحكومة
- ما الذى يجب على المواطن فعله الآن لعبور "المحنة"؟.. وهل ترتفع الأسعار خلال الأيام المقبلة؟
قلت لكم أكثر من مرة إن الحرب لا يمكن أن تحمل معها الخير أبدا.. لم أكن أرجم بالغيب أو أقرأ الطالع.. بل هذه طبيعة الأمور ومآلات الحوادث والنتائج المنطقية لصراع كهذا.
كان كثيرون يتابعون سير العمليات العسكرية.. ومن تقدم ومن تأخر.. وانشغلوا فى إحصاء خسائر كل طرف.. وكنت أجلس لأتابع، بقلق شديد، حركة الاقتصاد العالمى.. متخوفا مما هو آتٍ علينا.. ونحن لا ناقة لنا ولا جمل فى هذه الحرب العبثية.. وليعذرنى من لا يرونها عكس ذلك.
لم يكد العالم أو بمعنى آخر لم يكد الاقتصاد يستريح من ضربات جائحة كورونا الشديدة.. حتى جاءت الضربة القاتلة مع توغل أول دبابة روسية داخل الأراضى الأوكرانية.. فمعها بدأ فصل مخيف من التاريخ.. نسأل الله ألا يطول.
والكارثة أن من يدفع الفاتورة هم الفقراء.. وما أكثرهم عندنا وعلى امتداد الكرة الأرضية من أقصاها إلى أقصاها.
ويوما بعد يوم بدأت التأثيرات تظهر على الأرض فى صورة ارتفاعات غير مسبوقة فى أسعار السلع المختلفة لا سيما الغذائية.. وهذا طبيعى.. فنحن نعيش حربا بين أكبر بلدين منتجين ومصدرين للقمح.
ثم قفز النفط إلى مستوى قياسى.. فكان طبيعيا أن تقفز معه أسعار سلع عديدة.
حاولت الحكومة أن تمتص الصدمة وتخفف عن المواطنين.. لكن التحدى صعب والأزمة أصعب إن امتصاصها ببعض إجراءات كطرح سلع أو حتى فرض تسعيرة جبرية.
إنها أزمة تطحن عجلة الاقتصاد العالمى.. ونحن ترس صغير فى هذا الاقتصاد.. ومن هنا كنت أتوقع أن الأزمة لم تقف عند حد زيادة سعر بعض السلع.
لقد كانت المؤشرات تقول إننا أمام ضربة لن تقل عن ضربة كورونا بل ربما تزيد عليها فى التأثيرات.. وهو ما اعترف به رئيس الوزراء نفسه فى مؤتمر صحفى خلال الأسبوع الجارى.
ثم بدأت "مرحلة الجد" مع قرار استثنائى من البنك المركزى المصرى، صباح الاثنين الماضى، برفع أسعار الفائدة بواقع 100 نقطة أساس، أى بنسبة 1%، لتكون هذه هى المرة الأولى التى يقرر فيها رفع أسعار الفائدة منذ شهر يوليو عام 2017.
وفى التفاصيل قررت لجنة السياسة النقديـة للبنك المركزى رفع سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى، بواقع 100 نقطة أساس، ليصل إلى 9,25٪ و10,25٪ و9,75٪، على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 100 نقطة أساس، ليصل إلى 9,75٪.
والحق أن هذا القرار كان ضروريا ولا مفر منه؛ فخلال الفترة الأخيرة بدأت الضغوط التضخمية العالمية الظهور من جديد بعد بوادر تعافى الاقتصاد العالمى من الاضطرابات الناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد، وذلك بسبب تطورات الصراع الروسى- الأوكرانى؛ وارتفعت المخاطر المتعلقة بالاقتصاد العالمى نتيجة هذا الصراع.
وكان على رأس تلك الضغوط الارتفاع الملحوظ فى الأسعار العالمية للسلع الأساسية، واضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الشحن، بالإضافة إلى تقلبات الأسواق المالية فى الدول الناشئة؛ مما أدى إلى ضغوط تضخمية محلية وزيادة الضغط على الميزان الخارجى.
وبالنظر إلى معدل التضخم المستهدف للبنك المركزى والبالغ 7٪ (± 2 نقطة مئوية) فى المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022؛ فقد قررت لجنة السياسة النقدية رفع أسعار العائد الأساسية بمقدار 100 نقطة أساس.
وصاحب هذا القرار الاستثنائى قرار من بنكى الأهلى ومصر بطرح شهادة ادخار جديدة استثنائية مدتها سنة، بسعر عائد سنوى يبلغ 18%، فقد أعاد بنك مصر إصدار الوعاء الادخارى الجديد "شهادة طلعت حرب" وهى شهادة ادخار تتمتع بمعدل عائد ثابت طوال مدة الاحتفاظ بالشهادة وتبلغ نسبة العائد للشهادة السنوية 18%، حيث تبلغ مدة الشهادة سنة ويصرف العائد شهريا، ويتم احتساب المدة اعتبارا من يوم العمل التالى للشراء، وتبدأ فئات الشهادة من 1000 جنيه ومضاعفاتها وتصدر للأفراد الطبيعيين أو القصر. * وبعد استعراض ما يجرى على الأرض؛ أعترف لكم بأن الوضع صعب حقا.. وأن أياما أصعب قادمة لا محالة وآثارها ستمتد إلينا جميعا، ومن هنا فلابد أن نتوقف معا أمام حزمة الإجراءات غير المسبوقة التى أعلنت عنها الحكومة بتكليف من الرئيس عبدالفتاح السيسى.
فقد كلف الرئيس بإعداد حزمة من الإجراءات المالية والحماية الاجتماعية بقيمة ١٣٠ مليار جنيه للتعامل مع تداعيات التحديات الاقتصادية العالمية، وتخفيف آثارها على المواطنين.
وهذا سيشمل تدبير ٢,٧ مليار جنيه لضم ٤٥٠ ألف أسرة جديدة للمستفيدين من «تكافل وكرامة»، وتخصيص ١٩٠,٥ مليار جنيه للهيئة القومية للتأمين الاجتماعى لصرف الزيادة السنوية فى قيمة المعاشات بنسبة ١٣٪ بحد أدنى ١٢٠ جنيهًا بدءًا من أول أبريل المقبل، وزيادة حد الإعفاء الضريبى بنسبة ٢٥٪ من ٢٤ إلى ٣٠ ألف جنيه.
أما القرار الأهم فهو تبكير موعد صرف زيادة المرتبات؛ إذ سيتم اعتبارًا من مرتب شهر أبريل المقبل صرف العلاوة الدورية للمخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية التى تمت زيادتها لتكون بنسبة ٨٪ من الأجر الوظيفى بحد أدنى ١٠٠ جنيه شهريًا، ودون حد أقصى، كما سيتم منح العاملين بالدولة من غير المخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية علاوة خاصة بنسبة ١٥٪ من الأجر الأساسى أو ما يقابله فى المكافأة الشاملة لكل منهم بحد أدنى ١٠٠ جنيه شهريًا، ودون حد أقصى.
ليس هذا فقط بل سيتم اعتبارًا من مرتب شهر أبريل المقبل زيادة الحافز الإضافى الشهرى للموظفين المخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية والعاملين غير المخاطبين به، بفئات مالية مقطوعة بواقع ١٧٥ جنيهًا لشاغلى الدرجات السادسة والخامسة والرابعة، و٢٢٥ جنيهًا لشاغلى الدرجة الثالثة، و٢٧٥ جنيهًا لشاغلى الدرجة الثانية، و٣٢٥ جنيهًا لشاغلى الدرجة الأولى، و٣٥٠ جنيهًا لشاغلى درجة مدير عام، و٣٧٥ جنيهًا لشاغلى الدرجة العالية، و٤٠٠ جنيه لشاغلى الدرجة الممتازة أو ما يعادل كل منها، ويستفيد من ذلك من يُعين بعد هذا التاريخ، ويُعد هذا الحافز جزءًا من الأجر المكمل أو الأجر المتغير، وبذلك يكون الحد الأدنى للزيادة للعلاوة الدورية والحافز الإضافى ٣٠٠ جنيه شهريًا.
ووفقا لهذا سيتم تدبير ٣٦ مليار جنيه لصرف العلاوة الدورية للمخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية بنسبة ٨٪ من الأجر الوظيفى بحد أدنى ١٠٠ جنيه شهريًا، ودون حد أقصى، ومنح العاملين بالدولة من غير المخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية، علاوة خاصة بنسبة ١٥٪ من الأجر الأساسى، وزيادة الحافز الإضافى المقررة لهم جميعًا اعتبارًا من الشهر المقبل، وذلك ضمن المخصصات المالية المقررة للأجور فى موازنة العام المالى المقبل بمبلغ ٤٠٠ مليار جنيه.
ووسط جنون الدولار، فقد تم تحديد الدولار الجمركى بقيمة ١٦ جنيهًا للسلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج فى نهاية الشهر المقبل، على أن تتحمل الخزانة العامة للدولة قيمة الضريبة العقارية المستحقة عن قطاعات الصناعة لمدة ثلاث سنوات بقيمة ٣,٧٥ مليار جنيه.
* الآن بقى أن نقول إن هذه أزمة خارجة عن إرادة الدولة؛ فهى بالفعل مستوردة من الخارج.. ونحن ندفع جزءا من الفاتورة.. فالمطلوب أن نقف سويا، الدولة والشعب، لعبور هذه الظروف الصعبة.
ودائما وأبدا تحيا مصر.