بمجرد النزول للشارع أو حتي البقاء في منزلك تستطيع بكل سهولة أن تري مجموعة من السلوكيات الخاطئة التي تُسيطر علي الجميع، سلوكيات طالما حاول الكثيرين ونحن معهم أن نرفضها ونطالب بالقضاء عليها، خاصة عندما يتعلق الأمر بحرية الآخرين لأننا إتفقنا من قبل أن مبدأ حريتك تنتهي عند بداية حرية الآخرين، هو الجدير بأن نطبقه علي انفسنا ومجتمعنا وأسرنا حتي يعيش الجميع في سلام مجتمعي وحرية إجتماعية منشودة، وانه حين نُطبق هذا المبدأ الأصيل وهذه القاعدة الحياتية سيراعي الجميع حرية الآخرين ويرتاح المجتمع والأفراد، وكما إعتدنا نُرجع كل الأمر للدين الذي لم يترك كبيرة ولا صغيرة إلا وحسمها فقد قال النبي "من أخذ من الأرض شيئًا بغير حقه خسف به يوم القيامة إِلَى سبع أراضين"، والطريق أو الشارع من المرافق العامة التي يحق لكل فرد من أفراد المجتمع أن يستفيد منها وليس حكر علي أحد دون آخر، فمن الناس من يعتبره ملكًا خاصًا له ويفعل به ما يحلو له من سلوك شاذ أو عدوان على حقوق الآخرين فيه ومن الناس من يتعامل مع الطريق العام على أنه لا صاحب له فيُنصب من نفسه مالكًا له ويستغله أسوأ استغلال وهذه الصور وغيرها من صور الإساءة إلى الطريق العام أفسدت الذوق العام في وطننا الغالي ولذلك أصبحت كثير من طرقنا العامة غير آمنة لا أمنيًا ولا سلوكيًا ولا أخلاقيًا، فبينما هناك من يعمل ليل نهار من أجل رفعت وتقدم هذا الوطن زإعلاء شانه بين الأمم تجد أولئك من مغتصبي الطريق العام ممن ينصبون أنفسهم ملوكًا للشوارع والمناطق بحجة أكل العيش والأغرب أن هناك من يدافع عنه بمنطق "سيبه يسترزق".
وفى الحقيقة لا أجد أى منطق بين الرزق وبين التصميم عل نزع حرية الأخرين بل وأمنهم وسلامتهم في بعض الأحيان، فهذا مكبر صوت علي عربة نصف نقل تشتري الخردة أو الأشياء القديمة أو تبتاع والبرتقال والليمون والبصل واللفت والخضراوات تبدا عند الساعة ٧ الصبح، ولا تعبأ بأي وكل شيء بل ويتبادلون التحايا عبر مكبرات الصوت وكأنهم إمتلكوا حتي البشر من قاطني المنطقة والمبدا معروف، (سيبه يسترزق)، وآخر وقد إفترش نصف الشارع عارضًا بضاعته مضيقًا الطريق العام علي الجميع وهما إرتفعة حدة المشاجرات والمشاحنات وربما إحتكاك السيارات، وتعطل الطريق الذي ربما يكون فيه سيارات إسعاف توقفها في الزحام يعني إنهاء حياة مريض، ولكن تجد من يُبرر وقوفه بنفس المبدأ (سيبه يسترزق)، وهذا طاعون العصر مُصدر أغلب الأزمات التوك توك يمشي عكس الطريق ويصدم المارة ويهدد المركبات وتصدر منه الأغاني الهابطة بأعلي الأصوات في أي وكل المواعيد والأوقات مُضيفًا لمركبته الغير مُرخصة إضافات تجعلها تحتك بالسيارات، والرد تعلمونه جميعًا "سيبه يسترزق"، وهذه سيدة –أسأل الله أن يرزقها من حيث لا تحتسب- تقف بأطفالها علي الطريق العام السريع والبطئ ليل نهار لتبيع المناديل وتمسح السيارات هي وأطفالها مُعرضة نفسها وأبنائها للموت وقائدي السيارات للعقوبة حال –لا سمح الله دهس أى منهم- والرد المستفز جاهز (سيبه يسترزق)، محلات تُضييق الشارع العام بحواجز قد تصل لصب قواعد مسلحة لمنع السيارات من الوقوف، ناهيك عن وضع الطوب والأحجار والمتاريس فى الشارع، للتضييق على الناس وخلق زحام وتكدس مرورى دائم، وهو ما يخلق الجو لسيطرة "السيايس"، الذين يسطرون علي مناطق بأكملها يتحكمون في إنتظار السيارات ويحصلون من أصحاب السيارات مبالغ لا يحصل عليها أصحاب أكبر المهن والمناصب دون اي حق لهم ولا عائد للدولة، وكالعادة المبرر واحد لا يتغير وإن تغير الخطأ ألا وهو (سيبه يسترزق).
هذا هو الحال فى أغلب شوارع مصر، المناطق الراقية قبل الشعبية، يتعامل أولئك وكأن الشارع بات ملكيتهم الخاصة، ويفعل به ما يشاء، ليصبح مشهد الشارع مشوهًا تمامًا، لا يعبر عن أى مظهر حضارى، ولا يدل على حالة أي نظام، وهذا أمر لا يمكن أن نسأل عنه الحكومة أو أجهزتها التنفيذية وحدها فنحن جميعًا مسؤلون عن شوارعنا وأحيائنا ومدننا ففي النهاية هذا هو الوطن الغالي الذي لا نملك اغلي منه ومنطق "سيبه يسترزق" منطق فوضوي لا يبني إلا تراجع وتخلف وجهل وربما جرائم في عز النهار لأن أصحاب هذا المنطق بعد فترة بسيطة يتعامل بمبدأ الحق المكتسب ويزيد في سلطته ونفوذه وتملكه وتسلطه فيُسيطر علي قطعة أكبر ومنطقة أكتر ويستخدم صوت أعلي ويسير في المخالف طول الوقت ويتسول ليل نهار بل وينهرون وربما يسبون من لا ينصاع لما يريدون نحن مع ترك الجميع للعمل والرزق ولكن علينا جميعًا أن نحترم آداب الشارع العامة وآداب المجتمع الذي نعيش بداخله ثم نُطلق شعارنا المشهور "سيبه يسترزق".
لا اعتراض علي إسترزاق الناس أو سعيهم للرزق الحلال -وهو حق بل وفرض علي الجميع- خاصة في ظل ظروف الغلاء وسرعة الأيام وتشابهها لكن لا يمكن بأى حال أن يكون تعاملنا مع الشارع الذى يعد ملكية عامة للحميع بهذه الصورة، وعلي العكس لا نقبل من أحد أن يضع حجرًا أو عائقًا أمام منزلنا أو مسكننا، إلا أننا نستحل الشارع وكأنه بدون صاحب، وبكل أسف هكذا يتعامل أغلبنا مع المرافق العامة، التى تتعرض للتخريب والتكسير والإتلاف يوميًا، نتيجة السلوكيات الخاطئة التي تبرر أي شيء طالما من المال العام الذي هو من الأساس مالنا نحن موطنو هذا الوطن، الحل ليس في يد الجهات المسئولة رغم كثرتهم ولكن أن نُحكم ضمائرنا ونتقي الله في أوطننا وجيراننا وأهلينا بل وأنفسنا أولًا، فنحن الآن في أمس الحاجة إلى آداب الطريق وأخلاقيات السلوك العام التي يضبطها الأدب الجم، والخلق الرفيع، والذوق العام الذي عبر عنه الخالق عز وجل بقوله: "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا"، ما أحوجنا اليوم إلى الأخلاق الفاضلة التي أرساها الدين وعلمنا إياها رسول الله، والتي لا تسمح لإنسان مهما كان وضعه في المجتمع بأن يحتكر الطريق لنفسه ولا أن يستخدمه وفق هواه، ولا أن يتصرف وهو يسير عليه بعشوائية، ولا أن يترك سيارته في عرض الطريق ليعوق حركته ويعطل مصالح الناس، نحن حاجة إلى التخلق بأخلاق الأنبياء والصالحين حتى تعود للطريق العام حرمته ويستفيد منه الجميع من دون مشاجرات ومشاحنات، وأن يأخذ كل إنسان حقه في الحياة والطريق العام من دون بلطجة أو عنف يرفضه العرف والدين، حتي تختفي كل الصور الشاذة والغريبة وكل السلوكيات الغير أخلاقية التي نشاهدها يوميًا في شوارعنا وأماكن تجمعاتنا ومتاجرنا وأنديتنا نعم يجب علينا السعي للرزق لا محال لكن دون أن نحرم الآخرين من حريتهم ونسلبهم حقهم، وقتها ستنبرأ من مبرر"سيبه يسترزق".