تحدثنا في عدة مقالات سابقة عن تدني المستوي الاخلاقي بين شبابنا الصاعد وأطفالنا وكيف أنه أصحبت حتي مفردات اللغة تفتقد أدني مستويات اللباقة والآدب خلال التعاملات اليومية وأتعجب من تلك التصرفات الغريبة التي تصدر عن البعض بقصد أو حتى بدون قصد فتتسبب غصبًا عنا فى تغيير مزاجنا وإفساد حالتنا المعنوية وإغتيال بسمتنا وسعادتنا فتقلب حياتنا رأسًا على عقب، فى حين أن الحياة سهلة وبسيطة ولا تستحق كل هذا التعنت والعند والإكراه الذى نراه حولنا فى تعاملاتنا اليومية، سواء فى الشارع أو فى العمل أو حتى فى النادى، وحتي علي وسائل التباعد الإجتماعي الذين أسموها زيفًا مواقع التواصل الإجتماعي، والمُراقب للمجتمعات العربية بصفةى عامة ومصرنا الغالية بصفة خاصة يرى فيها بوضوح تدهورًا أخلاقيًا حادًا يزداد بمرور الوقت يخف فيه الضبط الشرعي والإنسانى في العلاقات الاجتماعية وتنحرف فيه منظومة القيم الأخلاقية مع موجات الإفساد والانحلال العالمية التي يروج لها الإعلام والمنظمات المشبوهة التي تدفع الجميع بلا استثناء تجاه الانحلال الأخلاقي الكامل، لاسيما مع تركيز تلك الجهود الإفسادية نحو المرأة بالأخص، والأسرة عامة.
أما أن الأوان نُعيد النظر فى علاقاتنا الإنسانية، وأن نفتش بداخلنا عن تلك المعاني النبيلة التى تاهت وسط حسابات المصالح ونمنح قبلة الحياة للمشاعر الجميلة التي تم اغتيالها عن عمد فحل محلها للأسف الشديد كل هذا "السواد" الذى عطل الأدب وأصاب القلوب فى مقتل فعميت كما تعمى الأبصار وصدرت ظلامها للجميع ليقضي علي نور الأخلاق الذي نسعي دائمًا إليه والأخلاق منظومة قيم يعتبرها الناس بشكل عام جالبة للخير وطاردةً للشر وهي ما يتميز به الإنسان عن غيره فهى تُعبر عن شكل من أشكال الوعى الإنساني وتُمثل مجموعة من القيم والمبادئ التي تُحرك الأشخاص والشعوب، وتختلف المسؤولية القانونية عن المسؤولية الأخلاقية باختلاف أبعادهما، فالمسؤولية القانونية تتحدد بتشريعات تكون أمام شخص أو قانون والقانون دائمًا ما يكوم مُلزم وواجب النفاذ، وتختلف المقومات والأساليب من مجتمع لآخر فتختلف من منظور النوع الاجتماعى مثلًا أى بين الرجال والنساء فمعايير الحرام والحلال بالمعنى الدينى، والعيب بالمعنى الثقافى تختلف فى تطبيقاتها على الرجال والنساء. وعادة ما يحدث امتزاج بين العيب والحرام فى الوعي العام خاصة فى المجتمعات التقليدية والمتدينة كمصرنا الغالية حيث يصعب التفرقة بينهما ولكن المسؤولية الأخلاقية أوسع وأشمل وأكثر فعالية لأنها تتعلق بعلاقة الإنسان مع ذاته ووطنه، فهي مسؤولية ذاتية أمام نفسه وضميره، وجاءت جميع الأديان لتؤكد أن الأخلاق الحسنة هي عماد قيام المجتمعات وأن إحترام الآخر ناتج من إحترام النفس وأن حريتي تنتهي عند حرية الآخرية مع الوضع في الإعتبار أن من أمن العقاب أساء الأدب.
ولذلك أري أنه يجب تطبيق معايير قانونية واضحة وعادلة وصارمة يتم فرضها بقوة الدولة حتي تصبح عمليات ومعايير الأخلاق منضبطة ومُطبقة علي الجميع بالقانون، وبذلك نكون قد خرجنا من منطق أن ضبط السلوكيات عبارة عن خليط عشوائى من العيب والحلال والحرام والمشروع والممنوع بوضع المعايير القانونية الواجبة النفاذ وبالطبع وفقًا للمقومات الدينية فى الوقت ذاته، وذلك حتي لا يُصاب تطبيق هذه المعايير بجفاف روحانى وتصحر أخلاقى وديني، وبوجود جهاز تابع للدولة يفرض الأخلاق ويمنع التجاوزات والتحرش والتنمر ولنسميه "شرطة الأخلاق"، وللحق فشلت التجربة تحت هذا المسمي نفذتها إيران وجماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهى أجهزة خضعت للفاشية الدينية العنيفة التي تتحكم فى حريات المواطنين وتتدخل فى علاقة الفرد بربه وهو فعل مخالف للدستور المصرى ولا أعتقد أنه أصلح حالا أو أنهى خطأ بل وأنا ضده من جميع الإتجاهات وضد قيامه في كل الأحوال، ولكن ما اعنيه هو جهاز يضم مجموعات من الجنسين، خريجي الجامعات يتم تدريبهم بشكل مُحترف فى كليتي الشرطة أو الحربية بعد إختيارهم بكل عناية تكون كل مهمتهم وجل همهم هو ضبط الشارع المصري، وضبط المخالفين للقيم الأخلاقية والعادات والتقاليد بعد وضع مسودة بجميع هذه المخالفات التى يمكن أن تكون عقوبتها الخدمة المجتمعية أو أن يكون العقاب من نفس جنس العمل.
فعند ضبط شاب يسب ويتلفظ بألفاظ نابية يتم تحرير محضر له وتقديمه للمحاكمة وعند إستخدام جهاز تنبيه في غير وقته ومحله يتم تحرير محضر وتقديمه للمحاكمة وعند ضبط مواطن يُلقى القمامة فى الشارع يتم تحرير محضر له وعند إستخدام الموتوسكلات أو مركبات التوك توك بأسلوب غير مناسب وغير لائق يتم تحرير محضر له وعند ضبط مواطن يقوم بالتحرش بمواطنة لفظًا أو فعلًا يتم تحرير محضر له وعند رفع صوت أجهزة الصوت وعند إثارة المارة وهكذا مع كل مخالفة تنغص علينا حياتنا يتولى هذا الجهاز المنوط بالأخلاق تحرير محضر عنها، ويكون العقاب ليس سجنًا في المرة الأولي بل عقاب تأديبي كحلق شعر الرأس أو إجباره علي العمل العام لمدة إسبوع بمستشفي أو دار مسنين أو أحد المرافق العامة مع غرامة مالية يتم تطبيقها علي الشاب أو الطفل وأهله، علي أن تتشكل دوريات مراقبة خاصة بهذا الجهاز الشرطي الخاص بالأخلاق، في جميع أنحاء مصرنا الغالية وخاصة في الأماكن العامة المزدحمة كمراكز التسوق والساحات ومحطات مترو الأنفاق والقطارات والأسواق العامة.
"شرطة الأخلاق" ستقوم بضبط كل من يخالف ما سيتم الإعلان عنه من مخالفات وستُطبق العقوبات الخاصة بها علي أن تتعامل بكامل الأدب والأخلاق والحزم والحسم، ومن ثم يتمّ نقل المُذنب عقب تطبيق القانون عليه إلى منشأة إصلاحية أو إلى مركز مخصص وتُلقَى على مسامعه محاضرة أخلاقية مرتبطة بهذا الفعل لتقويم أخلاقه في محاولة لمنعه من الإنزلاق الأخلاقي الذي يزيد يومًا بعد يوم، وبعدها يتم توقيع العقوبة المخصصة لكل ويكون لكل فعل عقوبة مدنية أخلاقية تجبره علي الفرار من إرتكاب الفعل فالعقوبة ستكو بمثابة التقويم مؤدي القعوبة سيكون مُذنب أخلاقي، كل هذا علي أن لا يتدخل في عمل هذه المنظومة أحدًا أيًا كان فيكون لها إستقلاليتها لعل الله يجعلها سببً في عودة الأخلاق إلي أبناء وطننا فلتكن إذًا "شرطة الأخلاق".