تصدرت قضية "مستريح أسوان" المشهد فى جميع أجهزة الإعلام خلال الفترة الأخيرة بعد نجاحه فى النصب على المواطنين والحصول منهم على نحو ٢٠٠ مليون جنيه وفى بعض الأقوال الأخرى نصف مليار جنيه، تحت مزاعم توظيفها، وقد تحدثنا مع حضراتكم فى عدة مقالات سابقة عن ظاهرة "المستريح" وهو اللقب الذى اتفق المصريون فى الآونة الأخيرة على إطلاقه على اللص أو النصاب أو الأفاق الذى يوهم الناس بقدرته على استغلال منصب أو جاه أو قدرات شخصية ويقنع البعض بأنه يستطيع توظيف أموالهم فى مجالات محترمة، ضامنًا لهم عدم ضياعها ومحققًا لهم أرباحا خيالية تتعدى الـ100% ففى بعض الأحيان وفى ظل عودة العالم المتقدم اقتصاديًا لفائدة الـ0% تجد هؤلاء يتحدثون عن استثمار بفوائد خيالية والطبيعى أنك عندما تسمع هذه المبالغ أن تهرب بأموالك فورًا ولكن كالعادة والمثل المصرى الشهير "النصاب يحتاج طماع" ففى كل مرة من مرات ظهور "مستريح" تجد نفس الفئات من الطامعين هم الضحايا وكأنهم لا عقول لهم ولكن بالطبع لهم عقول ولكن الطمع سيطر عليها، وفى كل مرة يقع "مستريح" ويظهر ضحاياه يتوقع الجميع أن تختفى هذه الظاهرة من حياتنا وأن الجميع استوعب الدرس جيدًا ومهما كانت المغريات فمن يطلب أموالك لتسلمها له مقابل فائدة كبيرة وأرباح خيالية تتعدى نسبتها كبرى الشركات بل والدول العالمية مؤكد أنه نصاب وأنك ابتلعت الطعم.
ولكن دائما تكون سعيدة وحالمة إذ يروض النصاب "المستريح" ضحيته فى البداية ويكون حريصًا على أن يدفع نسب الأرباح المتفق عليها لعدة شهور متتالية لينال ثقة الضحية ويستقطب أقاربه ودائرة معارفه ويدفع مبلغًا أكبر طمعًا فى نسب أرباح أعلى فهل يُعقل أن تدفع ١٠٠ ألف جنيه فتحصل على مكسب كل شهر 15 ألف جنيه أى تجارة هذه وأى مكسب فالمفترض أن تحصل على ١٨٠ ألف فى سنة من أصل مبلغ ١٠٠ ألف ويُوهم الضحية الطماع نفسه بأنه سيستمر يدفع لمدة عام مثلًا وأن مبلغه سيظل كما هو وبالطبع يقوم بالدعاية المجانية له ويجمع له ضحايا من دائرة علاقاته القريبة وربما البعيدة ويقوم بالتوسل والتوسط لدى النصاب "المستريح" كى يقبل تشغل أموالهم مثله فيكرر النصاب ما فعله معك ويستمر الوضع حتى يختار هذا النصاب الوقت المناسب للهروب ووقتها يراجع الطماع نفسه فيجد أنه خسر أصل أمواله لأنه جرى وراء طمعه ونسى دينه وعقله بعد ما وجد نفسه أمام نصاب يتهرب ويتوقف عن السداد وبعدها إما أن يترك البلاد فجأة أو يقع فى أيادى رجال الأمن.
فى السنوات العشر الأخيرة أو ربما أبعد قليلًا شاهدنا انتشار ظاهرة "المستريحين" فى مختلف محافظات مصر وعلى كافة المستويات الاجتماعية والعلمية ففى كل مجتمع هناك نصاب يستهدف طماعا مغفلا يقوده الجشع والبحث عن الربح دون عمل أو مجهود يبذله أيًا كان مصدره وما يهمه هو تحقيق الثراء السريع وهنا يُعامل الطماعين بنقيض مقصودهم فالمقولة الشهيرة "مال الطماع للصوص" هذا "المستريح" يدرك جيدًا هذه الحقيقة وهى رغبة الثراء عند البعض بغض النظر عن المصدر ولهذا لولا هؤلاء الجشعين ما كان هناك مكان للمستريحين الذين يبحثون عن محبى المال قليلى الدين ففى كل مرة من هذه الحوادث يتخيل البعض أن لكل مستريح منهم ظروفًا وملابسات مختلفة وأن كل مستريح جديد لا علاقة له بالنصاب الذى سبقه خاصة أن أغلب من يدعون للفكرة يظهرون بشىء من الثراء لإغراء الناس وكسب ثقتهم وبكل أسف لا يوجد بلد فى العالم يحلم مواطنوه بالثراء بلا بذل مجهود إلا نحن فمثل هذه الحوادث وعلى الرغم من كثرتها فى مصر فإنه لا يوجد مثل هذه الحوادث بأى بلد فى العالم بهذا الشكل المتكرر والسيناريو المتهالك المكرر الممل ولكن النصاب دائمًا ما تكون فريسته أصحاب الأطماع والمتكاسلين والمغفلين وما أكثرهم. كما أن هناك عجزا فى القنوات الرسمية والشرعية فى استيعاب مدخرات المصريين من خلال مجموعة متنوعة من البدائل الاستثمارية المُربحة والمأمونة وجهل البعض بالقطاع المصرفى وآلية التعامل معه بل والأكثر من ذلك أن آخر الدراسات أثبتت أن 65% من المُدِخرين المصريين لا يتعاملون مع القطاع المصرفى فى مصر بعضهم بدافع الحلال والحرام ولو افترضنا أنهم النصف فهناك أكثر من 30% آخرون وهناك البعض ولا يريد وضع أمواله فى القنوات الرسمية حتى لا يتعرض لأى رقابة أو سؤال -موضوع الشمول المالى- وهم كفيلون أن يلهبوا شهية أى مستريح خاصة إن كان بينهم أولئك الطماعون ورغم أنى أحمل الطماعين والمغفلين المسؤولية الأكبر معًا إلا أن البيئة الاستثمارية وحتى الثقافية وقبلهما البيئة الدينية تحتاج لإعادة تأهيل وتعديل.
ولابد من الرقابة والمحاسبة والعقاب الرادع لمثل هؤلاء النصابين وتتبعهم حال هروبهم وبالطبع كان الله فى عون الأجهزة الرقابية والشرطية التى تواجه تجار المخدرات والسلاح والآثار والمتطرفين وغشاشى السلع ومستغلى الظروف والقائمة طويلة من الخارجين على القانون ولكن مواجهة هؤلاء واجب وطنى ودينى فهم لصوص يستحلون أموال الشعب فلابد من تفعيل دور الأجهزة المعنية والمنوط بها هذا الجانب أيضا لأن تصل لمثل هذه الشركات قبل اكتمال عملية النصب فهذه الشركات الوهمية التى يتستر خلفها هؤلاء النصابون تتسبب فى هدم بيوت وتشريد أسر وإزهاق أرواح، ولا بد أن يبحث مجلس النواب ويناقش هذا الموضوع بكل اهتمام وذلك بغرض تعظيم العقوبات التى تطبق على القائمين بهذا العمل الإجرامى وإصدار التشريعات اللازمة لذلك.
ودعونى أهمس فى أذن أؤلئك الباحثين عن مستريحين ليكونوا لقمة سائغة لهم دون أى عناء منهم ولا عمل يعملونه ليكسبوا حلالا من عمل يدهم والعمل عبادة أمرنا الله به (وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ )، ودعونى أذكركم بالمثل المصرى "ماكنش حد غلب" والحل باختصار فى تحرى الحلال ومن مصادره المشروعة وإلا فلا تلومن إلا نفسك وتذكر دائمًا أنك حين تسمح لنفسك بأن تدفع لمستريح فأنت تخسر مدخراتك لا محال ولكن أنت توافق على أن تحصل على أموال ليست من حقك فهو ربا بَيِن فنقودك الحلال التى جاهدت لتحصدها تعطيها هدية لنصاب مغلفة برداء الحرام والربا وفى الوقت ذاته مطلوب جهودا حقيقية وفاعلة وجاذبة من الجهاز المصرفى لاستيعاب تلك المدخرات وكذلك استيعاب المدخرات التى تقاطع البنوك هروبًا من شبهة الربا مع التوعية المستمرة بوسائلنا الإعلامية بخطورة هؤلاء النصابين وتسليط الضوء على مثل هذه القضايا وحملات توعية عبر وسائل الإعلام التى يجب أن تتناول الأمر على نطاق واسع فى المسلسلات والبرامج اليومية وفضح طرق النصب للجميع مع مزيد من التحرى والمتابعة من أجهزة الرقابة حماية للوطن وللمواطنين من أنفسهم وتنقية للوطن من هؤلاء الشياطين الذى لُقبوا بالمستريحين لعلنا نستطيع وضع نهاية لقصة المستريح والمغفل ونمنع ظهور مستريح جديد ومغفل جديد.