الحديث عن الأسعار لا يخلو من عدم الفهم وافتقاد الموضوعية وأحياناً المزايدات وتجاهل العوامل والأبعاد والأسباب الأخرى التى تخرج عن إرادة الجميع، والبعض يتحدث وكأننا فى أوقات طبيعية وعادية دون وجود تحديات وتداعيات لأزمات دولية أثرت فى جميع دول العالم وأبرزها ما سببته الحرب الروسية- الأوكرانية من تأثيرات سلبية وكارثية على الأمن الغذائى العالمى، وأدت إلى ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم بسبب زيادة أسعار الطاقة بشكل لافت وبنسبة 100٪ فبرميل البترول كان قبل نشوب الحرب من 60 إلى 65 دولاراً والآن 120 دولاراً وهو قابل للزيادة طبقاً لتطورات الأزمة، بالإضافة إلى تعطل سلاسل الإمداد والتوريد وارتفاع تكاليف الشحن، وهو ما أدى إلى نقص فى بعض الاحتياجات والسلع الأساسية خاصة أن روسيا وأوكرانيا تمثلان أحد المصادر الرئيسية لهذه الاحتياجات والسلع الأساسية وأبرزها الطاقة والقمح وهو ما أثر فى العمل والإنتاج وتحديداً فى أوروبا، وأصبح الحصول على السلع والاحتياجات الأساسية أمراً بالغ الصعوبة، ومحفوفاً بالمخاطر فى ظل أجواء وتداعيات الحرب واحتمالات اتساع رقعتها بعد انضمام فنلندا والسويد وغياب الحل السياسى عن أفق وأجواء الأزمة بين المعسكرين ومن الواضح أننا بصدد إطالة أمد الأزمة العالمية أو محاولات إطالتها. كل دول العالم تسابق الزمن لتوفير احتياجاتها وهناك دول وصلت إلى درجة تنذر بالخطر بسبب وجود نقص وعجز فى بعض السلع وبدأت ملامح الأزمة تسيطر على دول متقدمة، خاصة الارتفاع غير مسبوق فى الأسعار والتضخم فى الولايات المتحدة الأمريكية ونقص فى الاحتياجات مثل لبن الأطفال، وبدت فى الأفق مظاهر جديدة مثل انتشار ظاهرة التسول.. والوضع فى أوروبا أكثر تأزماً.. وهناك نقص فى المواد الغذائية حتى وصل الأمر إلى حصول المواطن فى ألمانيا وفرنسا على زجاجة زيت وكيس دقيق مع ارتفاع غير مسبوق فى معدلات التضخم ونسب الأسعار وتعطل الكثير من المصانع وتوقفها عن الإنتاج بسبب نقص إمدادات الطاقة والغاز، والوضع فى بريطانيا أدى إلى أن يخرج رئيس الوزراء بوريس جونسون على مواطنيه بأنه لن يستطيع دعمهم.. وأن كل ما يتحرك على الأرض من وسائل نقل قابل للتوقف بسبب نقص إمدادات الطاقة، هذا يحدث الآن وقبل حلول فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة إلى درجة الجليد وهو ما سيؤدى إلى رفع وتيرة الأزمة. إذن المشكلة دولية وعالمية، معدلات التضخم وصلت إلى معدلات لم تعرفها أكبر الاقتصادات فى العالم مثل أوروبا والولايات المتحدة وأصبحت فى حالة انفلات يصعب السيطرة عليه فى دولة مثل تركيا، بالإضافة إلى أن تأثيرات وتداعيات الأزمة أصبحت مصدراً للخطر والتهديد للدول الفقيرة وهناك أحاديث وتوقعات وتحذيرات بحدوث مجاعات لا قدر الله. لا أجامل إذا قلت إن الدولة المصرية تعيش حالة من الاستقرار وتتخذ من الإجراءات الصحيحة لامتصاص واحتواء تداعيات الأزمة العالمية وقد شاءت الأقدارأن تهب رياح تداعيات الحرب «الروسية- الأوكرانية» بعد تعافى الاقتصاد المصرى من أوجاع الفوضى والانفلات والانهيار ونجحت إنجازات ونجاحات 8 سنوات فى إكساب الاقتصاد المصرى القدرة على مقاومة الأزمات والصدمات، والقدرة على توفير وتلبية احتياجات المواطنين. الحقيقة أن الحديث عن زيادة الأسعار لدى بعض النخب وليس المواطن العادى فيه مزايدات وعدم فهم ووعى وإدراك للتداعيات التى جاءت بفعل الحرب الروسية- الأوكرانية وما يشهده العالم من ويلات وأزمات.. والمفترض أن حالة الفهم والوعى تتيح للمتحدث أن يلتمس الأعذار للمسئولين، بل ويشيد بما تعيشه الدولة من توافر السلع والاحتياجات فى الأسواق دون حدود أو قيود، فالمواطن يذهب ليشترى ما يشاء بعكس دول كبرى متقدمة تعانى من حالة نقص وعجز فى السلع الأساسية. نعم هناك تحريك للأسعار بفعل تداعيات الأزمة العالمية، لكن السؤال: هل ما يحصل عليه المواطن هو السعر الحقيقى للسلعة؟ قولاً واحداً لا، فالدولة قررت منذ بداية الحرب الروسية- الأوكرانية وأعلنت ذلك أنها تتحمل الجزء الأكبر من ارتفاع السعر.. ولذلك يجب التأكيد أن العامل الضاغط على الدولة أو الحكومة لتحرك الأسعار هو تداعيات الأزمة العالمية وارتفاع تكاليف الإنتاج ومستلزماته ومكوناته، وأيضاً ارتفاع أسعار الطاقة، وأن المعروض عالمياً أقل من المطلوب بسبب تعطل سلاسل الإمداد والتوريد وهو ما أحدث خللاً كبيراً فى الأسواق العالمية. دعونا نعترف بشىء مهم للغاية، أنه لولا جهود وإنجازات ونجاحات الدولة فى جميع القطاعات والمجالات وفى القلب منها المشروعات القومية العملاقة فى مجال الأمن الغذائى سواء الزراعة أو الثروة الحيوانية أو مزارع الأسماك أو الصوب الزراعية والدواجن والألبان لواجهت مصر صعوبات كارثية فى مواجهة أزمة عالمية طاحنة نالت كثيراً من دول العالم المتقدم. منذ اليوم الأول لنشوب الحرب الروسية- الأوكرانية، ووجود أزمة عالمية بسبب تداعياتها خصصت الدولة 130 مليار جنيه لاحتواء الآثار السلبية للأزمة العالمية وتخفيف الأعباء والمعاناة عن المواطنين رغم أن الإنجاز والبطولة فى هذه الفترة ليس زيادة أو نقص الأسعار ولكن فى توفير السلع والاحتياجات الأساسية للمواطنين وتمكينهم من الحصول عليها فى ظل حالة النقص والعجز العالمية، فى المعروض والمتاح.. لكن ورغم ذلك تسعى الدولة بكافة الوسائل لكبح جماح زيادة الأسعار بزيادة المعروض منها أو دعمها أو توفير البدائل الأقل سعراً والأكثر جودة أو الدعم المباشر لبعض السلع، والحفاظ على دعمها للفئات الأكثر احتياجاً. أتذكر قول الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حوار قبل سنوات مع رؤساء تحرير الصحف القومية بأن مصر تستورد 65٪ من احتياجاتها بما يعنى أن ثلثى احتياجات المصريين تعتمد فى توفيرها على الاستيراد، وفى اعتقادى أن هذا السبب كان الدافع الرئيسى والأساسى لحالة السباق مع الزمن فى تنفيذ وإنجاز عشرات المشروعات القومية العملاقة فى مجال الأمن الغذائى سواء من خلال التوسع الزراعى الرأسى والأفقى بإضافة 6 ملايين فدان للرقعة الزراعية، والتصدى لظاهرة التعديات على الأراضى الزراعية أو زيادة إنتاجية الفدان، والتوسع فى الصوب الزراعية لتكون مجالاً للتوسع.. لذلك المشروع القومى فى هذا المجال على حد علمى يضم 100 ألف صوبة زراعية تعادل فى إنتاجها مليون فدان من الزراعة الطبيعية بالإضافة إلى المشروعات العملاقة التى ذكرتها فى بداية المقال فى مجالات الثروة السمكية والحيوانية والدواجن لذلك لا أبالغ إذا قلت إن احتياجات المواطن المصرى من الخضراوات والمحاصيل والفواكه متوافرة وبأسعار ما قبل الأزمة، فعلى سبيل المثال وبالسؤال عن أسعار الخضراوات والفاكهة وجدت الآتى: أن البصل من جنيهين ونصف الجنيه إلى 3 جنيهات للكيلو والبطيخ الآن وصل من 15 إلى 02 جنيهاً للواحدة والبطاطس من 3 إلى 4والخوخ من 6 إلى 7 جنيهات والمشمش قبل أن يقارب على الاختفاء من 8 إلى 9 والطماطم من 2 إلى أربع جنيهات، إذن كل الخضراوات والفواكه متوافرة وبكثرة فى الأسواق وعلى حسب ما قيل لى ممن لهم دراية بهذا المجال إنها أرخص بنسبة 30٪ عن العام الماضى. بعض الخطابات الإعلامية فى مصر عن زيادة أو ارتفاع الأسعار أحاديث عرجاء تعانى من غياب الفهم والوعى وعدم الموضوعية وتتجاهل أسباب وتحديات وتداعيات وجهود على مدار الساعة لتخفيف تداعيات وحدة الأزمة العالمية على المواطن، تتشدق هذه الخطابات وتتاجر وتدغدغ مشاعر الناس، وكأنها أكثر حرصاً من الدولة على شعبها وكان لابد لهذه الخطابات الإعلامية أن تنظر بعين الموضوعية أو حتى الثقافة العامة والمتابعة للأحداث والأزمات العالمية، وكان يجب أن تتحرك أو تنطلق فى تناولها لقضية الأسعار من الآتى: أولاً: التعريف والوعى والشرح لتداعيات الأزمة العالمية، والآثار السلبية التى خلفتها الحرب الروسية- الأوكرانية على دول العالم خاصة فيما يتعلق بارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار فى العالم، وأنه أزمة نالت من الجميع.. وتأثيراتها تنعكس على حياة الشعوب فى الدول المتقدمة والنامية.. وشرح ما هى هذه التداعيات ومن أين جاءت ولماذا تؤدى إلى رفع معدلات التضخم والأسعار؟ ثانياً : من المهم أيضاً أن يتناول الإعلام إجراءات وجهود الدولة.. وشرحاً وتفسيراً للوضع فيها، وما علاقة ما تم إنجازه خلال السنوات الماضية بتخفيف تداعيات الأزمة العالمية، وما هى السلع التى تستوردها من مصر وتعتمد فى جزء منها على الخارج، وكيف تتحمل الدولة جزءاً من زيادة الأسعار تخفيفاً عن المواطن بدلا من اللطم على الخدود وشق الجيوب والنواح، والمتاجرة بالأسعار لكسب بطولات زائفة. وللحديث بقية.