العباس السكرى يكتب: د. سعاد كفافى.. سيدة المعجزات
- حياتها فصل مضىء فى تاريخ العلم والمعرفة والإنسانية
- أول من أدخل التعليم الخاص فى مصر.. وأسست نجاحها على الخبرة والالتزام
- خالد الطوخى ينجح فى تنفيذ وصية الدكتورة الراحلة على أكمل وجه بالتوسع فى الأعمال الخيرية والالتزام باعتبارات المسؤولية المجتمعية
- "الابن البار" حقق طفرة كبرى فى جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا وفق معايير الجودة العالمية فى نظم التعليم وطرق التدريس
- نجحت فى إقامة صروح علمية كبرى مثل جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا والمعهد العالى للسياحة والفنادق والمعهد العالى للهندسة المعمارية وتكنولوجيا إدارة الأعمال
- وصيتها: لا تزيدوا فى مصروفات الدراسة على الطلاب ولا تغالوا فيها ولا تنسوا منح التعليم المجانية للطلبة المتفوقين غير القادرين
- حرصت على تزويد جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا بأكبر مكتبة مركزية حديثة بتصميم فريد لتصبح ثانى أكبر المكتبات بعد مكتبة الإسكندرية
- ضربت بعملها وحلمها مثالًا حيًا لمن يريد أن يخدم وطنه ويسهم فى تطويره
- حصلت على عدد من الجوائز والمنح وشهادات التقدير الأكاديمية من دول أجنبية مختلفة
من ينظر فى التواريخ ويحسب الأيام والشهور والسنين سيعرف أن الدكتورة الراحلة "سعاد كفافى" مؤسسة جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا رحلت عن عالمنا منذ 18 عاما، وبالتحديد فى العام 2004 عن عمر يناهز السادسة والسبعين، لكن من ينظر بعين الحقيقة إلى ما فعلته هذه السيدة المصرية الحالمة العاملة سيعرف أنها لم ترحل حتى الآن، وأنها ما زالت قادرة على العطاء برغم فراق الروح للجسد، وسيعرف أن روحها التى دفعتها إلى تحقيق ما يعجز عنه الكثيرون باقية معنا حتى الآن بفضل تأسيس صروحها التعليمية الراسخة وعملها طوال حياتها على ما ينفع الناس ويمكث فى الأرض.
وربما يكون وصف "قاهرة المستحيل" أدق وصف ينطبق على رائدة التعليم والتنوير فى العصر الحديث الدكتورة الراحلة سعاد كفافى، فقد استطاعت وحدها نقل التعليم من مرحلة "الجمود" إلى مرحلة "اليقظة والتجديد" عبر النوافذ الحضارية التى فتحتها والتى تجّلت وتمثّلت فى إقامة صرح علمى كبير هو جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا والمعهد العالى للسياحة والفنادق والمعهد العالى للهندسة المعمارية وتكنولوجيا إدارة الأعمال وأوبرا جامعة مصر، وكما اهتمت بالتعليم والثقافة والتنوير، وضعت الصحة نصب عينيها، فتم تدشين صرح طبى يحمل اسمها هو "مستشفى سعاد كفافى" لخدمة الناس والوطن ليتضح أنها كانت نموذجًا قلقًا على هذه الأمة، وصارت أيقونة للعناد والصلابة والوضوح والبساطة بما قدمته للمجتمع، لتؤكد أن الإرادة هى سيدة الفعل البشرى.
ومن المعلوم بالضرورة أنه إذا تألمت لألم إنسان فأنت نبيل أما إذا شاركت فى علاجه فأنت عظيم، لذلك إرادة علاج آلام وأوجاع الناس، أعظم استثمار إنسانى فى الحياة الدنيا والآخرة أيضًا، وهى ما صنعته الأيقونة الخالدة سعاد كفافى تلك الشمس التى لا ولن تغيب.
اجتهادات الدكتورة الراحلة كانت نقطة الانطلاق الحقيقية التى أمسك الجميع بخيوطها فهى أول من أدخل التعليم الخاص فى مصر ليتسلح المجتمع بالعلم والثقافة، وأول عين مصرية تأملت فى وعى عميق حضارة وثقافة الزمن القادم، فقررت أن تصنع لوطنها وللأجيال الشابة والجديدة جامعة حديثة تعتمد على التكنولوجيا والمعرفة وتنقل واقع الغرب وثقافته التكنولوجية للشرق.
وربما هنا سارت على نهج ما صنعه الأوائل رفاعة رافع الطهطاوى وعميد الأدب العربى طه حسين عندما نقلا حضارة الفرنسيين لمصر وأدخلا العرب فى مركز التأثير الإنسانى، فقد أدخلت سعاد كفافى الجيل الجديد نحو التكنولوجيا بالتعليم والعطاء السخى الذى لم يتوقف، ورغم ذلك ليس فى استطاعة أحد أن يوجز كل ما يتعلق بالوقائع والأحداث والمواقف والتطورات والإنجازات التى تمثل المعالم البارزة فى حياة هذه الرائدة العظيمة، ولا يمكن حصر العطاء الذى قدمته لوطنها ولازال تنهل منه الأجيال جيلا بعد جيل.
قبل أن يأتى أمر الله وتذهب إلى ملكوته الواسع، كان لها كلمة أخيرة أسرّت بها إلى ابنها العزيز خالد الطوخى، كرغبة أخيرة ووصية واجبة النفاذ، ولم تكن تلك الوصية خاصة بمال أو عقار، ولم تكن رغبة ملحة فى شيء إضافى لها أو لأبنائها، لكنها كانت وصية ورسالة كاشفة ربما يمكن أن نعتبرها مفتاح شخصيتها وإرث حياتها.
فقالت حسبما ذكره ابنها خالد الطوخى: لا تزيدوا فى مصروفات الدراسة على الطلاب ولا تغالوا فيها ولا تنسوا منح التعليم المجانية للطلبة المتفوقين غير القادرين، فالجامعة فى الأساس خدمة وطنية وإنسانية واجتماعية، ولا تدخروا جهدًا فى جعل الجامعة هى المكان المحبب للطلاب، ولا تجعلوا بينكم وبين الطلبة حجابًا ولا حاجزًا.. كانت تلك كلماتها الأخيرة وكانت تلك وصيتها.
وفى ذكراها اليوم يجب أن نستعيد تلك الكلمات الطيبة التى خرجت من هذا الفم الطيب واستقرت فى عقل ابنها خالد الطوخى وعمل بها، فكانت جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا برغم المستوى التعليمى العالمى الذى تقدمه أرخص الجامعات المصرية الخاصة وأرقاها فى مستوى الخدمة، بل وصنعت حالة وجدانية راقية فى نفوس طلابها جاعلة من تلك الجامعة المكان الأقرب والأكثر جاذبية للطلبة لتكتمل روح العملية التعليمية بالحب والإخلاص والخدمة الراقية.
هذا ما صنعته الراحلة الكريمة "سعاد كفافى" التى ولدت فى عام 1928 وتوفيت عام 2004، تاركة وراءها خمسة وأربعين عامًا من الجهد المتواصل لتحقيق أهدافها، وهى تعد واحدة من الرواد فى تاريخ التعليم فى مصر، وحققت شهرة ليس لأنها رائدة التعليم الخاص فحسب، لكن لأن عملها حمل رسالة إنسانية ووطنية من الطراز الأول، فقد أسست نجاحها على الخبرة والمعرفة والالتزام، وتميزت بالحماسة والثقافة وحرصت على الدقة المتناهية فيما يتعلق بأعمالها الأكاديمية والإدارية لذلك استحقت أن يطلق عليها لقب "قاهرة المستحيل". تواريخ مهمة فى مسيرة الدكتورة سعاد كفافى الأسطورية، لكن ربما يبقى تاريخ تأسيسها لجامعة مصر للعلوم التكنولوجيا سنة 1996 هو الأهم، وقد تحولت هذه الجامعة لصرح تعليمى متكامل، حيث ضمت عددًا من الكليات: "الطب ومستشفاها التعليمى، الصيدلة والتصنيع الدوائى، طب جراحة الفم والأسنان، العلاج الطبيعى، العلوم الطبية التطبيقية، التكنولوجيا الحيوية، الهندسة والتكنولوجيا، تكنولوجيا المعلومات، الاقتصاد وإدارة الأعمال، الإعلام وتكنولوجيا الاتصال، اللغات والترجمة، الآثار والإرشاد السياحى". كما أسست جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا معهدين للتعليم العالى فى مدينة السادس من أكتوبر أيضًا، هما المعهد العالى للسياحة والفنادق الذى تأسس عام 1990، والمعهد العالى للهندسة المعمارية وإدارة الأعمال الذى تأسس عام 1993. وحينذاك تغلبت الدكتورة سعاد كفافى على سلسلة من الصعوبات الحادة التى صاحبت البدايات الأولى لتحقيق الأهداف والأحلام، كان شغلها الشاغل تعليم أجيال المستقبل من الأخصائيين والمعلمين والمدربين رفيعى المستوى، فى إطار رؤية على درجة فائقة من الحرص والوعى، وكانت تهدف إلى إثراء المجتمعات المحلية والدولية بالخبراء ورجال الأعمال ذوى الكفاءة فى ميادين عملهم، وكان للدكتورة سعاد كفافى نشاطها الملموس باعتبارها عضوة فى المجالس القومية المتخصصة فى مجال التعليم العالى وفى جمعية أصحاب المدارس الخاصة فى مصر. ولأن الجامعات لا يجب أن تكون جدرانًا ومقاعد فحسب، فقد عملت الدكتورة سعاد كفافى على شحن جامعتها بكل سبل المعرفة والثقافة فحرصت على تزويد جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا بأكبر مكتبة مركزية حديثة بتصميم فريد تعتبر ثانى أكبر المكتبات بعد مكتبة الإسكندرية، ومزودة بمراجع علمية على أعلى مستوى، تهدف إلى دعم المجتمع الأكاديمى من خلال توفير كل السبل لتسهيل البحث العلمى من خلال التعاون مع أعضاء مجتمع الجامعة، وحصلت مكتبة جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا على رمز دولى مميز خاص بها من مكتبة الكونجرس الأمريكية وهو EG-SoMUST، يستخدم فى معيار مارك لإنشاء وتبادل التسجيلات الببليوجرافية بشكل معيارى مما يسهم فى تحقيق معايير الجودة التى تسعى لها إدارة المكتبات بالجامعة.
كما أسست الراحلة أوبرا جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا والتى تعد صرحًا ثقافيًا وفنيًا كبيرًا وإحدى أدوات القوة الناعمة، وهى المنارة الثقافية والفنية الوحيدة فى مدينة 6 أكتوبر التى كانت تفتقد أى نشاط فنى، أما على المستوى المهنى الشخصى فقد حققت الدكتورة سعاد كفافى شهرة واسعة على مستوى عالمى فى مجال التعليم العالى من حيث القدرة على التطوير الواعد والطموح لمقررات وأساليب تعليمية جديدة وحصلت على عدد من الجوائز والمنح وشهادات التقدير الأكاديمية من دول أجنبية مختلفة. فقد نالت درجة الدكتوراة من الولايات المتحدة الأمريكية ومنحت شهادة الدكتوراة الفخرية من أوروبا، وكانت الدكتورة سعاد كفافى من بين المرشحين لنيل جائزة نوبل فى حقل التعليم. ولأن الصعود للقمة صعب، تحملت سعاد كفافى الكثير من الصعاب من أجل الارتقاء لهذه المكانة، ولأن الحفاظ على هذه القمة أصعب، برز الآن دور خالد الطوخى، رئيس مجلس أمناء جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، الذى جعل أفكار وأحلام التربوية الراحلة تتحول إلى واقع ملموس ويراه الجميع رأى العين، حيث لم يتوقف عند نقطة معينة بل نراه الآن وهو يسير فى كل الاتجاهات لتحقيق تلك الطفرة من حيث الكم والكيف وفق الالتزام بمعايير الجودة العالمية فى نظم التعليم وطرق التدريس، إلى جانب الانفتاح على العالم الخارجى بتوقيع بروتوكولات تعاون مع كبرى جامعات العالم وخاصة جامعات دول الاتحاد الأوروبى لتصبح الجامعة هى أول جامعة ترتبط بتلك المنظومة العالمية. وما يقوم به خالد الطوخى لم يأت من فراغ، وإنما هو استكمال واستمرار للدور الإنسانى الذى كانت تؤمن به "قاهرة المستحيل" ورائدة العمل التربوى والإنسانى الدكتورة الراحلة سعاد كفافى، وخالد الطوخى يجنح دائمًا إلى كل ما هو جديد ويحرص بشكل مستمر على خلق وابتكار أفكار خارج الصندوق لتصبح جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا التى أعطتها التربوية الراحلة سعاد كفافى كل حياتها ملء السمع والأبصار وواحدة من أهم وأبرز الجامعات المصرية الخاصة. وكذلك لم يتوقف دور مستشفى سعاد كفافى الجامعى عند حد كونها واحدة من أهم وأبرز المستشفيات فى مصر بل وفى المنطقة العربية لما لها من مكانة مرموقة وسمعة دولية تدعو للفخر فى المجال الطبى، ولكنها ومن منطلق إيمانها الشديد وحرصها على الالتزام بالمسؤولية المجتمعية أصبحت أيضًا بمثابة مؤسسة وطنية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث شارك المستشفى فى العديد من الأنشطة المجتمعية التى تستهدف فى المقام الأول تقديم خدمات طبية مجانية لغير القادرين فى إطار تفعيل رسالتها فى تحقيق الشفاء وتخفيف آلام جموع المواطنين فى ربوع مصر، فالأنشطة الخيرية التى يقدمها مستشفى سعاد كفافى الجامعى لم تكن مجرد مشاركات فى مبادرات عامة وإنما هى بالفعل مبادرات خاصة بالمستشفى وتتم بشكل احترافى ووفق أعلى معايير الجودة فى الخدمات الصحية ورعاية المرضى وخاصة فى المناطق الشعبية وذات الكثافة السكانية المرتفعة ليؤكد بذلك دوره الريادى فى إثراء المنظومة الصحية من خلال قوافله التى تحقق هذا النهج بكل الفاعلية والاحترافية، واستكمالا لدوره فى هذا المضمار. فقد تمثلت أحدث تلك الأنشطة الإنسانية فى "قافلة مستشفى سعاد كفافى الميدانى المتنقل" ويأتى هذا التوجه نحو تقديم القوافل الطبية وفق رؤية متكاملة وضعها خالد الطوخى، رئيس مجلس الأمناء لجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، تستهدف التركيز على النشاط الإنسانى استكمالًا للمشوار الذى بدأته التربوية الرائدة الراحلة سعاد كفافى التى كانت تضع نصب عينيها بشكل دائم الإسهام بشكل حقيقى فى خدمة المجتمع والالتزام باعتبارات المسؤولية المجتمعية. لقد نجحت خطط خالد الطوخى، فى تنفيذ وصية الدكتورة الراحلة سعاد كفافى على أكمل وجه بل وصل به الأمر لتطوير وتنفيذ ما هو أبعد من الوصايا، بالتوسع فى الأعمال الخيرية والطبية للمستشفى ليكون خير خلف لخير سلف. فالعقل له التعليم، والجسم له المستشفى، والروح لها مسرح وأوبرا، هكذا تكتمل خطة بناء الإنسان التى وضعتها الراحلة "سعاد كفافى" لتضرب بعملها وحلمها مثالًا حيًا لمن يريد أن يخدم وطنه وأن يسهم فى تطويره. وفى النهاية هى "سيدة رأت ما لم يره أحد.. فنالت ما لم ينله أحد".