حذرنا من قبل وها نحن من جديد نحذر من أن تكرار حوادث القتل بدافع الحب والتملك أصبح ظاهرة تستحق التدخل الفورى والعلاج وبتر الموضوع من جذوره قبل أن تتحول الشوارع لأنهار دم لأى فتاة ترفض أن تُكمل حياتها أو ربما ترفض حتى البداية مع شخص ما من أولئك الذين نشأوا فى بيئة تركتهم لدراما السبوبة وتربية السوشيال ميديا والحريات المزعومة، أولئك الذين يعتبرون أن الحياة ملك لهم وحدهم دون غيرهم وأنهم أحرار فى كل وأى شيء فى محاكاة لأبطال من ورق قدمتهم لهم تلك الدراما الهدامة التى غزت بيوتنا وعقول أولادنا دون حولٍ منا ولا قوة بل وراح أثمن ما نملك وهم أولادنا يتهكمون علينا بداعى الرجعية والانهزامية لأننا نرفض تصرفات الهمج والعداء بل ويرى بعضهم أن الحياة للأقوى قلبًا والأكثر ظلمًا مستشهدين ببلطجة الشوارع التى يروج لها أولئك من أشباه النجوم الذين تركناهم يشكلون وجدان فلذات أكبادنا بواقع مُضل ونحن أمة قال فيها رب العزة "كنتم خير أمة أُخرجت للناس" ولكن جاء شرط الآية الكريمة واضحًا بـ "تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" فهل ظللنا كما وصفنا الله عز وجل أم تعمدنا أن نكون عكس ذلك لنكون أمة هشة مفككة بهذا الشكل الذى يدعو للرعب من المستقبل حال تولى هؤلاء الشباب مقاليد الأمور فى مصرنا الغالية وأمتنا العربية وقد شكل تفكيرهم وشخصياتهم هؤلاء من أصحاب أفكار التوك توك؟! نعم أرى هؤلاء الشباب من أصحاب الأفكار التى لا أجد لها تسمية مناسبة إلا أنها أفكار توك توك كما كتبت عنها من قبل فى مقال عنونته بـ "دراما السبوبة أكسبت الشباب أخلاق توك توك"، فلا أجد أسوأ من هذا المسمى لهذه الأخلاق فكلاهما غريب عنا (هذه الأخلاق والتوك توك) يفرضان أنفسهما بكافة الأشكال غير الملائمة مطالبين بتقبل الأمر الخطأ وغير الطبيعى وكأنه العادى وإن تقبلنا هذه الأخلاق كما فشلنا فى تقنين التوك توك فعلى الأمة السلام ولن تقوم لنا قائمة فتعديل سلوك وأفكار هؤلاء الشباب من هذه الأجيال التى نشأت خلال الـ 11 سنة الأخيرة -التى هى عمر تلك الثورات التى أصبحت تحتاج ثورة لعودة الأخلاق- أصبح أهم واجباتنا الدينية والاجتماعية قبل فوات الأوان.
أعادت للأذهان جريمة مقتل طالبة كلية الإعلام فى الزقازيق سلمى على يد زميلها الذى كان يريد خطبتها حادث مقتل نيرة أشرف مرة أخرى وبعد مرور أقل من شهرين على وقوعه إذ أثارت الجريمتان الجدل داخل المجتمع المصرى الذى سيطر عليه الشعور بالخوف والفزع بعد معرفة تفاصيل الحادثتين وتشابههما فى الأسلوب والدوافع وبكل أسى وأسف لم تختلف كثيرًا تفاصيل حادث مقتل سلمى عن سابقتها نيرة بذات الطريقة ولنفس الدوافع التى حثت كل من المتهمين على ارتكاب جرائمهما وهى رفض كلتا الضحيتين الارتباط بهما ولم يثر استنكار العديد منا أكثر من جرائم القتل نفسها سوى سوء فهم بعض الشباب لمفهوم الحب الذى يدفعهم لارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة إذا لم تبادلهم الفتاة نفس الشعور وشعورهم بالاستحقاق المطلق لارتكابها فى بلطجة فكرية وانعدام دينى وأخلاقى غريب ومريب فهو جيل تربى على الأخذ فقط وليس العطاء والمفهوم لديه أن الحب يعنى امتلاكًا فمبجرد أن يعترف لفتاة بحبه لها ينتظر منها أن تعطيه هى أيضا ما يحتاجه وفورًا وكأنه أعطاها مفتاح الجنة وليس لها حق الرفض ويا ويلها إن رفضت من الممكن أن يقدم على قتلها أو اغتصابها أو التحدث عنها بشكل سيئ وتشويه سمعتها وربما ابتزازها فهو لا يعى ولا يعلم معنى الحب ولم يتعلم عنه شيئًا هو فقط تعلم أنه من حقه كل وأى شيء يريده حتى وإن كان على غير رغبة الآخرين.. جريمة تُرتكب فى حق المجتمع يوميًا بفرض شباب لأنفسهم على فتايات أو سيدات بدافع حرية وحق الشاب والحرية والحق منهم براء فأى حرية وحق أن تستبيح أنثى لمجرد أنك أردتها؟ فماذا لو كانت أمك أو أختك ولن أقول ابنتك فهذا النوع من أشباه الرجال لن يشعر بمعنى الأبوة فهو لم يشعر بأمه وأخته لا يشعر إلا بنفسه فقط، وهنا أنا لا أصف هؤلاء القتلى فقط بل كل شاب أو رجل يبتز أو يضغط ويُرغم فتاة أو سيدة على شيء غصبًا فهو قاتل مع مرتبة الشرف يقتل الإنسانية والحب والتسامح بل يقتل المجتمع من أجل رغبات شيطانية أفهمه شياطين الجن والإنس أنها من حقه وحقه هو فقط دون غيره بل وزاد من الطين بلة كثرة تبرير بعض الناس للقتل وتبرئة المتهم مما يساعد على إقناع شباب آخرين بارتكاب جرائم مماثلة دون خوف من العواقب، والحقيقة التى يجب أن يعلمها الشباب أن مرتكب الجرائم تلك من إكراه وابتزاز واغتصاب وما شابه وصولًا للقتل ما هو إلا قصور فكرى وسوء تربية وسوء علاقة مع الأهل والمجتمع واستسلام لما سبق وقلنا لشياطين الإنس قبل شياطين الجن والنتيجة واحدة.
ولعل هناك شيئا هاما أراه غائبًا عن مجتمعنا منذ فترة ليس بالقليلة قد يكون من أهم أسباب ظهور مثل هذه الجرائم وزيادتها ألا وهو غياب الحدود الموضوعة فى العلاقات سواء حدودا دينية أو اجتماعية أو تربوية تلك الحدود فى العلاقات لابد أن حدودا ملموسة توضح حقيقة أننا أشخاص منفصلين ومتفردين أى أننا لا نتشابه ولكننا نحتاج لبعضنا البعض وهذا طبيع.. فالله خلقنا كائنات اجتماعية تحيا فى حب وتعاون والحدود تؤكد اختلافنا واستقلالنا بالرغم من درجة قربنا ومحبتنا لبعضنا البعض وتساعدنا على أن نعرف ما يقع فى دائرة مسئوليتنا وما يقع فى دائرة مسئولية الآخرين فلابد من رسم هذه الحدود بكل دقة ومنع تجاوزها والتدريب على عدم تخطى هذه الحدود للجميع وأن يشمل التدريب أن قول لا من ولأى شخص يجبرنا على الاستسلام لاختياراته فالذين لا يملكون القدرة على قول لا يحملون أنفسهم فوق طاقتهم والذين لا يتقبلون السماع لا تكون مصيبتهم أعظم.. علينا أن نتقبل الـ "لا" فى كل الأحوال فحريتى فى "لا" هى نفس حرية الآخرين فى قولها، ولأننا تناسينا الحدود اختلط الحابل بالنابل وأسمينا العلاقات المُحرمة بغير أسمائها وصُورت لنا بل وصُدرت لنا أفكار ليست منا ولا لنا ولا نقبلها حين تسميتها بالأسماء الصحيحة وحال فرض الحدود الشرعية والدينية والأخلاقية والاجتماعية عليها وقتها نستطيع حسم كل الأمور ووضعها فى نصابها الصحيح.
نحن بحاجة لأن نتعلم أن نضع حدودًا لكل أنواع العلاقات ونطبقها وأن نصف العلاقة بوصفها الصحيح بكل صراحة وأمانة وبذلك سنتمتع بعلاقات صحية وصحيحة وذلك بعد النجاح فى رسم الحدود لأنفسنا وللآخرين وعدم ترك الأمور للاحتمالية أو الجدلية فوضع كافة العلاقات فى حدودها وداخل إطارها الصحيح قد نستطيع به إيقاف نزيف الدم بين الشباب وقد تعود الأمور لوضعها الطبيعى الذى نرجوه ونأمله.