السبت 23 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة

محمد فودة يكتب: الفن المصرى.. يمرض ولا يموت

الشورى

◄فقاعات "السوشيال ميديا" أغرقت الساحة الفنية.. ولا عزاء لأصحاب المواهب الحقيقية

◄نحن فى أشد الحاجة لمشروع قومى يعيد الاعتبار للفنون المصرية ويوقف محاولات اختطاف الشهرة والنجومية

◄الحفاظ على ريادتنا الفنية ضرورة لا تقبل المناقشة وخطوة لابد منها للتصدى لأنصاف الموهوبين 

◄مصر مليئة بالمواهب فى مختلف مجالات الإبداع وتنتظر فرصاً حقيقية لتظهر وتتألق

◄الأفلام والمسلسلات والأغانى نشرت اللهجة المصرية فى كل مكان.. ونجومنا القدامى كانوا سفراء لمصر فى العالم كله

 

هناك حقيقة مؤكدة لابد أن نضعها فى الاعتبار حينما نتناول قضية الريادة الفنية هى أن الفن المصرى مثله مثل أى شيء يمكن أن يمرض ويمكن أن يصاب بحالة خمول وكمون ولكنه على الرغم من ذلك فهو دائماً وأبداً يظل ينبض بالحياة ولا يمكن بأى حالٍ من الأحوال أن يموت أو ينتهى. فمصر التى صدرت للمنطقة العربية كافة فنون وأشكال الإبداع لم ولن تتأثر بتلك العثرات لسبب بسيط هو أن الإبداع المصرى  فن أصيل وعريق ويضرب بجذوره فى أعماق التاريخ ، لذا فإننى أشعر بحزن شديد كلما طالعت الآن الشاشة الصغيرة أو الكبيرة حيث ينتابنى إحساس قوى وأكيد بأن هناك حربا شرسة يتعرض لها الفن المصرى الذى هو بالنسبة لنا يمثل «القوة الناعمة» بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهى حرب فى تقديرى الشخصى لا تقل فى خطورتها عن تلك الحرب التى تقودها بعض الدول ضد بعضها البعض على المستوى الاقتصادى، فقوة مصر الناعمة كانت ولا تزال تمثل الركيزة الأساسية فى خلق تلك المكانة المرموقة التى تتبوأها مصر على المستوى الدولى فى جميع المجالات وعلى كافة الأصعدة. ولقد عاصرنا جميعا وقت أن كانت مصر تسمى بـ «هوليوود الشرق»، حينما كانت بمثابة القبلة التى يحج إليها عشاق الفنون الذين يفدون إليها من مختلف أنحاء العالم العربى، مما جعلها بمثابة تأشيرة الدخول المعتمدة لعالم الشهرة والتألق الذى ينشده عشاق الفنون والثقافة والآداب، حتى إن اللهجة المصرية انتشرت فى جميع البلاد العربية بسبب أفلام ومسلسلات وأغانى الفنانين والفنانات المصريين، بل كانوا نجومنا فى الخمسينيات والستينيات سفراء لمصر فى العالم كله، بفضل فنهم الراقى، وقدرتهم الفائقة على الإبداع والتألق فى هذا المجال. وللحق فإننى لم أكن أتخيل فى يوم من الأيام أن نصل بصناعة الفن السابع إلى هذا الحد الذى تجاوز كل شىء، وهو حد انهيار المواهب بل اندثارها حتى وصلنا لإعطاء الفرص لكل من هب ودب من كومبارسات يحلمن بالنجومية. والحق يقال فأنا على قناعة تامة بأن ما يحدث فى الساحة الفنية هو بمثابة عملية تخريب وتجريف لريادة مصر فى مجال السينما والدراما التليفزيونية، ويؤسفنى أن أقولها وبكل صراحة إن الفن المصرى يتعرض لحملة تشويه بل لأكبر عملية اختطاف للشهرة والنجومية التى حققها من قبل رموز الفن المصرى عبر تاريخنا الطويل فى هذا المجال، وهذه العملية من مجموعة كومبارسات لا يمتلكون أدنى حد للموهبة ويتم فرضهم على الشاشة لغرض التقليل من ريادتنا الفنية، فهم يتباهون فقط بالفن على السوشيال ميديا ويدخلون المجال للمنظرة وليس إلا، دون الوضع فى الاعتبار القيمة الفنية، فحال الدراما والسينما تتعرض لتجاوز من بعض الصغار، الذين يحاولون النيل منها وتقزيمها، فنرى "فنانين شباب" لا يهمهم سوى الحصول على أجور بالملايين رغم أن الكثيرين منهم فى حقيقة الأمر أنصاف بل أرباع موهوبين لا يستحقون كل هذا المبلغ، لكن بسبب سيطرة "التريند" فإنهم يحصلون على ملايين كثيرة تفوق قدراتهم الحقيقية فى التمثيل.

لذا فإن أغلب هذه الأعمال تظهر وسرعان ما تختفى، وتعرض مئات المرات على الفضائيات وبدلاً من أن تزداد بهاء وأصالة، فإنها تتحول إلى سخف وعبء ووصمة عار فى تاريخنا الفنى الذى كم لوثته أعمال كثيرة لا معنى لها ولا قيمة، وللأسف الشديد كلما شاهدت فيلما أو مسلسلا فإننى لا أستطيع التعرف على تلك الوجوه التى نراها بكثرة فى كل مسلسل وكأنها "راكور" ثابت فى كل عمل، وكأنه لا يوجد سوى هؤلاء، الذين لا تستطيع أن تتعرف عليهم ولا يعرف الجمهور أسماءهم.

أقولها وكلى تحدٍ وثقة: هذا الجيل المتواجد الآن يفتقر إلى الموهبة والذكاء وأخذ من الفن أكثر مما أعطى، جيل لم يترك تأثيرًا كبيرًا فى المشاهد ولازال الجمهور يعيش على أطلال الماضى، حتى "الكوميكس" أو ما ينشر من مداعبات على وسائل التواصل الاجتماعى أغلبها من نجوم زمن الأبيض والأسود، فبكل صدق نجوم الخمسينيات والستينيات مازالوا أحياء وبقوة عن نجوم هذا الزمن الذين على قيد الحياة، وتواروا عن المشهد فى خزى واضح، ويقينًا إذا سألت أحدا من الجمهور الآن أو أجريت مسابقة على "الفيس بوك" أو "تويتر"، عن نجوم هذا الزمن أو نجوم الزمن الجميل فلن يختار أحد نجما واحدا من الأحياء وسيذهب جميعهم لاختيار الأموات، نحن نعيش فى زمن بعض نجومه انطفأوا ولا تأثير لهم ولا جاذبية، وهنا أطالب بعض النجوم بأن يعيدوا ترتيب أوراقهم ولا يستسلموا لحالة التردى التى أصبحوا عليها، التجديد مطلوب والتطور عامل أساسى لنجاح النجم، لكن أستطيع أن أجزم بأن بعض نجوم الصف الأول أصبحوا فى "تلاشى" مستمر ولكن من يمتلك الموهبة والذكاء فى إدارة نفسه هو الذى يستطيع الاستمرار.

ولا يخفى على أحد أن المواهب الموجودة لم تطور نفسها وأصبحت تعتمد فقط على تاريخها، ولا تبحث عن التجديد والتنوع فى الوقت الذى تحتل فيه الكومبارسات وأنصاف المواهب وأرباعها مساحات باهظة من الانتشار، هل يعقل أن الفن المصرى "بجلالة قدره" أصبح هامشيًا يمثله مجموعة من "كومبارسات" لا يعرفهم أحد ولا يصح مطلقًا أن يظهروا على الشاشة؟! فمن قبل كان الفن ناطقا بلسان شخصية مصر، فماذا جرى لنا؟ وماذا جرى للفن المصرى؟ ولماذا تراجعنا كل هذه السنوات بل ونصر على التراجع؟

أقولها وبأعلى صوت وأكررها مئات المرات "الفن المصرى فى خطر حقيقى" طالما بقيت هذه الوجوه من عديمى الموهبة والكاريزما هى من تمثله، فمصر هى البوتقة التى تنصهر فيها كل عناصر الإبداع، ليخرج لنا فى النهاية فن راقٍ يغذى الروح والوجدان لدى المواطن العربى من المحيط إلى الخليج، لماذا نسينا أو تناسينا أننا "هوليوود الشرق" وتجاهلنا تاريخنا الكبير الذى صنعه من قبلنا من أصحاب المواهب الحقيقية التى تسلمت الراية جيلًا من بعد جيل؟ فقد كان نجيب الريحانى نجمًا كبيرًا سينمائيًا ومسرحيًا، لا يضاهيه نجم وظل لآخر نفس نجمًا ومن بعده جاء يوسف وهبى نجم مصر الأول وكانت أفلامه ملء السمع والبصر وحقق نجومية طاغية فى السينما والمسرح، وحسين صدقى وفى نفس الوقت تسلم الراية أنور وجدى وعماد حمدى وكمال الشناوى، ثم فريد شوقى وعمر الشريف ورشدى أباظة وأحمد مظهر وأحمد رمزى، ويبدو أننا إلى الآن نعيش على أطلال هذه الفترة التى تعد من أغنى فترات السينما المصرية وأزهى عصورها، وكأن الزمن وقف عندهم، ومازال نجوم هذه الفترة الأكثر تأثيرًا فى حياتنا بأفلامهم أو أغانيهم، ولم يستطع أحد إلى الآن ملء فراغ هؤلاء النجوم الذين أثروا الحياة الفنية وحققوا لها المجد حتى بعد ما ذهبوا عن دنيانا.

تم نسخ الرابط