بين الحين والآخر نجد تناحرعبر وسائل التواصل الإجتماعى لا يكاد ينتهى بل ويتكرر يوميًا وربما ينتهى بسباب او توعد حتى أن البعض يستخدم خاصية الحظر "البلوك" للخروج من بعض أزمات النقاش التى تصل إلى طريق مغلق لان كل منا يتمسك بوجهة نظره ويصر عليها لا لشئ إلا لأنها وجهة نظره والتى ربما لو أمعن السمع والتدقيق لوجد وجهة النظر الأخرى صحيحة أو ان صاحبها يرى من وجهة نظر أخرى فلا صح مطلق إلا كلام الله والأنبياء المرسلين.
ولكن دعونا نتفق أن مواقع التواصل بمختلف أنواعها أخرجت وكشفت عن حقيقة مالدى الملايين مِنا من قدرات وصفات وإمكانات مابين إيجابية وسلبية وأوضحت العديد من الميول والمكتسبات والمورثات والثقافات وفوارق التعليم ورأينا بأم أعيننا مقولة "كل إناء بما فيه ينضح" واضحة جلية وعبر كل فرد عن نفسه وبيئته وأسرته ولا ننكر أن هناك ملايين من الناس كانت لديهم مواهب مدفونة فكانت مواقع التواصل ضالتهم ووسيلتهم لتقديم أنفسهم وبرعوا في تقديم أنفسهم وما حباهم الله من نعم بل وأصبحوا من نجوم المجتمعات التى لولا هذة المواقع ولولا السوشيال ميديا ما عرفناهم والأمثلة كثيرة.
ووسط هذة النماذج التى نجحت فى فرض نجاحها سواء اتفقنا مع مضمون ما تقدمه أو أختلفنا معه ظهرت مجموعة من اصحاب القلوب السوداء والذين تخفوا خلف هواتفهم ولوحات مفاتيحهم ووجد الواحد منهم ضالته بل وسنحت له الفرصة للسب تارة والتحقير تارة أخرى وهذا النوع من البشر -عافانا الله وإياكم- لا يستحق غير الدعاء بأن يمن الله عليه بالشفاء من أمراضه النفسية فالحقد والكره مرض أصاب قلوب البعض منا بلا شك وراحوا بدلًا من البحث عن ما يجعلهم ضمن صفوف الناجحين يبحثون عن إحباط الجميع والنيل من كل وأى شئ لا لشئ إلا لأن قلوبهم السوداء لا ترى أى جميل وفقط يوجهون سهامهم الخبيثة تجاه أى وكل ناجح.
وبين هذا وذاك هناك نوع آخر ممن أُتيحت لهم فرصة للتعبير عن آرائهم -ولم يكن أمامهم منفذ آخرغير مواقع التواصل- يفتقرون إلى فن الكلام وعلم النقد وثقافة الرأي والرأي الآخر ولهذا تجده إذا رأي أو سمع ما يخالف رأيه يكون رده أو تعليقه عنيفًا أو محبطًا وربما يذهب به للسب والتحقير متهمًا من أمامه بالجهل او الغباء وربما بالخيانة تحمسًا لرأيه وجنسه ونوعه ومهنته ووطنيته التى لا يقبل أن يزايد عليها أحد -فالوطنية غير قابلة للمزايدة عند الجميع- ودعونا نعترف أن هذا النوع موجود بل منتشر بيننا منهم إخوة وأصدقاء ونفترض فيهم جميعًا الإخلاص حسن وصدق النية ولكن يغيب عنه أدب النقد أو الاختلاف أو التعبير عن الرأي وإحترام الرأى الآخر.
وهذا النوع الأخير من أهالينا أراه أشد خطورة على كل المجتمعات فالنوع الأول يسعى وراء حلمه وتحقيق المزيد من النجاحات كما ذكرنا حتى ولو إختلفنا معه والنوع الثانى مهما إنخدعنا فيه فيومًا ما يظهر وجهه القبيح أما هذا النوع من فكثيرًا ما يتعرض لمواقف يخسر فيها أصدقاء وربما أشقاء لا لشئ إلا أنه يحتاج أن يتعلم ثقافة الإختلاف ويٌطبق مبدأ أن الإختلاف لا يٌفسد للود قضية وليس عيبًا أن نتعلم فلا كِبر ولا كبير على العلم فالله تبارك وتعالى أرسل عبدًا صالحًا ليٌعلم نبيًا مٌرسل (عبد الله الخضر ونبى الله موسى عليه السلام) فمن ظن أنه قد علم فقد جهل وعندما نقرأ أو نكتب او نعرض شيء فهو مجرد رأي واجتهاد لصاحبه وليس قرآن والاجتهاد يٌرد عليه بالاجتهاد لا بالسب او التحقير أو "البلوك".
لقد علمنا الدين أدب الحديث والتعبير وحتى فى توصيل الرسالة نفسها "ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" فالأسلوب الحسن هو ما يحقق الهدف ويفتح ويٌلين القلوب والعقول المغلقة فالنقد البناء يبني ويٌطور ولا تتقدم أمة إلا بالحوار وبالرأي والرأي الآخر والنقد البناء والعالم المتقدم يراه سرًا من أسرار التقدم وإغفاله أحد أسباب تخلفنا عن الأمم التى سبقتنا بل والأبعد من ذلك أن الله جل جلاله وهو الغنى عن العالمين تحدث مع الملائكة عن بدء الخليقة عندما أخبرنا فى سورة البقرة "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ"، أنه الله الذى ليس كمثله شئ فمن أنت.
ترى إن كان حوارنا حول أمرًا إختلفنا فيه أن وأظهرت أحترام وجهة نظر الشخص المٌختلف معك وإحترمت مبرراته وأخبرته انك تختلف معه لهذه الأسباب وأضفت ان رأيك انت مجرد رأي يحتمل الخطأ فطالما ليس من الثوابت فهو بالفغل يحتمل الخطأ فقطعًا ستخطف قلب الشخص الذي تنتقده وستجبره على احترامك لأنك أظهرت إحترامه وإحترام رأيه الذى تراه خطأ وستفتح قلبه المٌغلق تجاهك وسيكون على استعداد تام لأن يقبل أو يحترم وربما يقتنع وينفذ وجهة نظرك المختلفة لو رأي فيها إضافة له لأن نفسه ستكون مؤهلة لتقبل نقدك وستحظى باحترام الجميع لك وبإحترام نفسك لنفسك أولًا.
فهناك عِلم اسمه علم النقد وعلينا جميعًا ان نتعلم أبسط قواعده وكيف أن هناك رأي ورأي آخر لابد أن أتقبله ثم أنقده إن كان لا يتماشي مع أفكارى ومعتقداتى الدنيوية وليس عيبًا أبدًا أن أعود وأتراجع عن رأي طالما وجدت ماهو أفضل منه فهذا لا يٌعيب أحدنا فما يعيبني هو التمسك برأي وموقف ثبُت بالقطع فساده ودعونى أذكركم بحيث نبيكم الكريم (ألا أخبركم بمن يحرم على النَّار وبمن تحرم النَّار عليه؟ على كلِّ هيِّن ليِّن قريب سهل) هكذا وعد الله على لسان نبيه كل هين لين فى أمر من أمور الدنيا فرأيي خطأ يحتمل الصواب ورأيك صواب يحتمل الخطأ حتى نصل ونلتقى عند نقطة لن تكون إلا بإستخدام المفردات التى تٌلين القلوب وليس بالإتهامات والقسوة فى التعبير والرد وإتهام الآخر بما ليس فيه.
وقبل ثقافه الإختلاف دعونا نتعلم سماحة الاخلاق وآداب الخطاب فثقافتنا مختلفة ومصادرنا مختلفة وبيئاتنا متنوعة ولكن أدب الخطاب ولين الحوار وحب الوطن يجعلنا نسترسل في مناقشة أى أمر بعمق ويتفهم كل منا الآخر دون تجهيل أو تخوين أو تقليل أو إستنكار ولذلك فـ الإختلاف نعمة.