عندما أتحدث مع أحد ممن عاشوا معي تجارب الحياة في فترات مابين السبعينيات والثمانينات وصولًا للعصر الحالي نُجمع أن المجتمع المصري بمرحلة يمكننا أن نطلق عليها مرحلة الإضطراب الوجداني والإنفصام في الشخصية وهو ما يمكن تسميته "كوكتيل الإنحدار" ودليلي ما نراه يوميًا من سلوكيات للشباب والتي تُشعرك أن سلوك المصريين أصبح أسوأ سلوك بشري على مستوى سكان المجموعة الشمسية فالمراقب للشارع يجد أن جميع قائدي المركبات بجميع أنواعها وكل ما يمشي على عجلات يرتكب نفس الأخطاء خاصة عندما يتعلق الأمر بمافيا "الميكروباص" وطاعون العصر "التوك توك" إلي جانب الدرجات البخارية الصينية الغير مُرخصة التي تجتاح الشوارع والتي تساهم في كل أنوع الجرائم مشاحنات وتشنجات ومضايقات ليؤكد أن المرض الأخلاقي أصابنا جميعًا نتيجة السير في الضوضاء السمعية والصوتية والأخلاقية المتواجدة في شوارعنا ناهيك عن تدني مستوي نظافة الشوارع وما يسببه المصريون من تلوث لا يمكن احتماله تري وكأن الشارع المصري قد أصبح بدون صاحب أو أب شرعي يحميه أمور تُصيب بالحزن بل بالإكتئاب وعلينا السعي لحلها وإلا ستتحول حياتنا إلى جحيم يختلط فيه المر بالعلقم فيكون أحلاهما حنظل هذا جرس إنذار لمن يدرك ويعي ويحب مصر التي تحتاج وفورًا إلي وقف أنين الشارع وعلاج نفسي من كوكتيل الإنحلال والإنحدار الأخلاقي.
ملأت شورعنا سيارات خاصة بلا لوحات وأخري وقد سيطر عليها السواد من كل إتجاه دون أي وجه حق وسيارات معاقين يقودها أصحاب نفوذ ولا يستطيع أحد توقيفهم أو سؤالهم بل وسباقات في شوارع تتحمل سيارة بالكاد أصوات أجهزة الصوت تخترق أي وكل هدوء وفي أي وكل مكان دون مراعاة لأبسط أنواع إحترام الآخرين كل ذلك جنبًا إلي جنب مع تلك المركبات عوامل تجمعت علي تدمير آداب وسلوكيات وخصائل المجتمع المصري وسحقت كل ما كنا نتباهي انه لدينا من آداب وسلوكيات مصرية نصدرها للجميع بكل أسف إجتمع هؤلاء من مفسدي السلوك المصري علي عدم إلتزامهم بأى قواعد للمرور ويسيرون عكس الإتجاه بل ويتحرشون بأى مشاة وينتقدون سلوكيات الجميع ويستخدمون أعمال البلطجة والعنف والتحرش والسرقة فـ "التكاتك" و"الموتوسكلات الصيني" أصبحت بؤر إجرامية متنقلة تُستخدم في عدد كبير من جرائم الخطف والسرقة وتعاطي المخدرات كم كبير ومزعج ومقلق إسفاف فى كل شيء سرعة مبالغ فيها أصوات عالية صاخبة مزعجة بل ويستخدمون سرينة الاسعاف والنجدة والمطافيء دون وعي ولا يحترمونها إن أتت من أصحابها ممن لهم الحق في توقيف الشارع للمرور بل ويعارضون الإسعاف والمطافيء ويسيرون أمامهما غير عابئين بحياة المريض داخل سيارة إسعاف او تعطيل سيارة إطفاء عن عملها الذي ربما ينتج عنه تعطيها كارثة مكبرات صوت وأجهزة تُحدث ضجيج وصخب وأغاني مبتذلة هابطة بها سباب وشتائم وإيحاءات وقحة صريحة وكأن الشارع تحول لمكان لحفلة لعبدة الشيطان بل وتدهشك كم "السفالة" التى يمكن أن يتحدث بها إن عارضتهم أو نصحتهم لله ولا أصدق أن هذه الألفاظ القبيحة والنابية يمكن أن يتلفظ بها سائقي هذه المركبات حتي في حضور فتاة أو سيدة محترمة اشَعرُونا ان سلوك المواطن المصرى اصبح زحام وفوضى وعدم إلتزام بالقانون يسعد بوقف تطبيقه ناهيك عن الكماليات المبالغ فيها الخارجة من مركباتهم التي تتسبب في حوادث يومية وحمولات زائدة لشباب يعرضون نفسهم للموت يرون أنهم الأصح وأنهم أحرار وأنها حريتهم المُطلقة متناسيين أن حريتهم تنتهي عند بداية حرية الآخرين يشعرونك بأنهم فعلًا أمنوا العقاب فأسأوا الأدب وعلينا علاجهم من هذا قبل فوات الآوان.
نعم علينا ان نعلمهم ونأخذ بأيديهم ونخبرهم أن الحرية هي حق الانسان في الاختيار وأنها منحة إلهية وفطرة من الله عز وجل وتعني الحرية الشخصية والفردية وهذ ا ليس قيد من قيود الحرية بل هو ضابط يعني انك حر ولكن بما يعنيك انت ولا يمكنك التعدي على حرية الاخرين لا بأفكارهم ولا بأرايهم وعليك احترام الفكر والرأي الاخر وممارسة الحرية حق مشروع بحيث لا تتعارض مع القانون اولا يتعدى على حقوق الأخرين او تؤذيهم فببساطة صياغة الحرية بشكل ايجابي فحريتي مرتبطة بحرية الاخرين وتنتهي عندما تشك بأنها تلحق الضرر بهم فيجب أن تكبح هذه الحرية بغطاء الحياء ليس في كل الاوقات وليس في كل الظروف تصح الحرية وخاصة للذين لا يفهمون معناها ومن لا يفهمها يضر الاخرين اما من يفهمها فهو يعرف ان لها حدود لا تؤثر على مصلحة المجتمع علينا ان نعلمهم إحترام المجتمع الذي نعيش فيه والحافظ على أمن وطنه ومقدراته وننمي المسؤولية الغيورة على المصلحة العامة فالحرية الشخصية مملوكة لك ولكن بمفهومها السليم والحقيقي ولذلك علينا جميعًا أن نتصدي بكل قوة لمن لم يفهمون المعني الحقيقي للحرية يجب أن ننبههم وأهليهم وذويهم أنهم يسيؤن لأنفسهم وأهليهم ولمجتمعهم لفهمهم الغير صحيح أنهم أحرار في صنع أي وكل شيء، والإستعانة يالجهات الأمنية والعقابية وتقديم بلاغات وشكاوي حيال المخالفين فسكوتنا موافقة ضمنية علي ضياع مجتمعنا وإنزلاقه في إنحدار مستمر من السوكيات والأخلاقيات ولن نجد لنا مخرج إلا بنا نحن.
وضعف مستوى التكوين والتربية على مستوى المؤسسات التربوية وتعقد الحياة الاجتماعية والاقتصادية في ظل الإنفجار المعرفي والتكنولوجي الذي نشهده وتأثيره السلبي في القيم الإجتماعية والثقافية والإتجاهات الفكرية والسياسية للأفراد والمجتمعات جعلت من شبابنا يعيش صراعات بين القديم والجديد والتقليدي والحديث وبين الوافد والمحلي إلى جانب صراعات الأجيال وصراعات صورته في الواقع وتلك التي يتمناها لنفسه ونظرة المجتمع له ومحاولات تكوين ذات مستقلة ومتميزة واحتلال مكانة في مجتمعاتهم جعلهم ضحية وليسوا جناه فهم يتبنون حلولًا ويستعملون إستراتيجيات يعتقدون أنها مناسبة لمواجهة مشكلاته بالتمرد وعدم الرضا والنقد إلى جانب الإنحراف عن قيم وعادات المجتمع للتنفيس عن طاقاتهم أو كبتهم أو إظهار رجولتهم ووجودهم كمباهاة اجتماعية أنهم لا يهابون أحد وأن قانونهم هو الحرية المُطلقة ولا لأحد سلطان عليهم.
لذلك علينا جميعًا وفورًا أن نُجبر المؤسسات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني علي تحمل مسؤولياتها وفتح آليات إتصال وقنوات للحوار معهم مع ما توفره من فرص للعمل والمشاركة في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية لإشباع حاجاتهم للانتماء إضافة إلى دور المؤسسات التعليمية من خلال ما تنميه من قيم ومبادئ وقدرات نحو كل شيء ويبقي الدور الأخطر لوسائل الإعلام المختلفة وما تتناوله من موضوعات وقضايا تهم الشباب وبلا شك فإن الردع الأسري والاجتماعي والأمني مطلوب في التقليل من هذه الظواهر السلبية التي تحتاج أحيانًا إلى سن تشريعات كتغرم أولياء أمور المتورطين أو إجبارهم علي الاعتذار للمجتمع كأسلوب للردع الاجتماعي فتؤدي إلى تحقيق الهدف الأساسي منها وهو إصلاح الشباب وإشعارهم بذنب ما اقترفوه من ممارسات خاطئة أضرت بهم وبأسرهم وعرضتهم لعقوبات قد تسهم في إيقاف كوكتيل الإنحدار وإيقاف أنين الشارع