العباس السكرى يكتب: نقابة "الموسيقيين".. تاريخ طويل من المشاكل والأزمات
◄هل ينجح مصطفى كامل فى إعادة بناء النقابة وتلافى أزماتها المتكررة؟
◄موقف النقيب الجديد من "بتوع المهرجانات" غير واضح ويجب ردعهم وليس الجلوس معهم
◄منع شاكوش وبيكا وشطة ومن على شاكلتهم من الغناء ضرورة كبرى حفاظا على الذوق العام
لم تكن تتخيل كوكب الشرق أم كلثوم، عندما فكرت مطلع الأربعينيات هى ومن معها من عمالقة هذا الزمن على رأسهم الموسيقار محمد القصبجى، فى إنشاء نقابة تدافع عن الموسيقيين والمطربين، وتبقى حصنا لهم، أن يصل حالها بعد عدة عقود زمنية إلى "مرحلة فوضوية" ووصلات من الردح والبلطجة دارت على مدى سنوات فى نقابة الموسيقيين، منذ 25 يناير وإلى الآن، فلا أحد ينسى ما دار بين الثلاثة نقباء، الموسيقار منير الوسيمى، والمطرب إيمان البحر درويش، والمطرب مصطفى كامل قبل 9 أعوام.
ويبدو أن نقابة الموسيقيين أصبحت بدون نقيب فعلى يحكمها، وانتهت ودخلت مرحلة العبث منذ أن تركها الموسيقار الراحل أحمد فؤاد حسن أواخر الثمانينيات من القرن الماضى، بعد أن شهدت النقابة فى عهده مع مجلس الإدارة وقتها الذى ضم المطرب محرم فؤاد وملك الجيتار عمر خورشيد، والموسيقار هانى مهنا عازف الأرج الشهير، ازدهارا نوعيا، بتنفيذها لمشروع الإسكان وتسديد ديون النقابة، وحل مشاكل المطربين اللبنانيين بمصر، ووقتها ترك هذا المجلس فى خزينتها مبلغا ماليا كبيرا يقدر بملايين الجنيهات، وفى عهد الموسيقيين حلمى أمين وصلاح عرام وحسن أبو السعود، دخلت النقابة مرحلة الاتهامات والعبث المالى، ثم أخذت النقابة منعطفا آخر غير الذى سلكه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم وأحمد فؤاد حسن، ليأتى قبل ثورة يناير بعامين الموسيقار منير الوسيمى نقيبا للموسيقيين، ليبدأ العمل النقابى إلى أن جاءت الثورة وغادر منصبه، وسط حالة من البلبلة والاتهامات التى وجهت إليه وبرأه منها القضاء، وفور موعد إعلان الترشح على منصب النقيب، تقدم المطرب إيمان البحر درويش بترشحه، وفاز بالمنصب، وسرعان ما تصادم مع مجلس إدارته وجرى بينهم اتهامات عديدة، ووصل الأمر لحد منعه من دخول باب النقابة، واتضحت الأزمة بين إيمان البحر درويش وأعضاء مجلس الإدارة، عقب منعه من دخول النقابة، ومطاردة بعض الأعضاء له، وتقوّل بعضهم على الآخر بأنه يتحصن ببلطجية لاقتحام مبنى النقابة عنوة، واتصل بعض الأعضاء وقتها بالشرطة لمنع النقيب من الدخول بعد واقعة المطاردة بينهم، وشهدت النقابة فترة من أحلك الفترات فى عهدها من عدم الاستقرار والفوضى، لتدخل النقابة فصلا آخر من الصراع، عقب انتخاب مصطفى كامل نقيبا للموسيقيين، فى عام 2013 الخبر الذى تلقته الأوساط الفنية والسياسية وقتها بسيل من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعى "الفيس بوك" و"تويتر".
والآن يعيد الزمن نفسه ويفوز مصطفى كامل فى انتخابات نقابة الموسيقيين لعام 2022، بعد استقالة النجم هانى شاكر إثر خلافات عديدة حدثت إبان فترة توليه المنصب، مما آثر بنفسه البعد نهائيا عنها احتراما لتاريخه الغنائى الكبير، ليحقق مصطفى كامل هدفه بالجلوس مرة أخرى على مقعد النقيب، لكن هذه المرة تنتظره معارك أخرى تضاف إلى المعارك والفصول السابقة، لعل أبرزها مشاكل مطربى المهرجانات والتى تصدى لها بقوى وحسم الفنان الكبير هانى شاكر، وفور توليه المنصب أكد مصطفى كامل أن النقابة لن يخطوها فاسد وسيتم غلق أبوابها أمام المتجاوزين، وكل ألوان الفساد حال ثبوتها سيتم إحالتها للجهات المعنية، وحول الكلام المنتشر حول عودة حمو بيكا وزملائه للغناء بعد نجاح مصطفى كامل نقيبا للموسيقيين، قال: لا يمكن أن يكون الكلام بهذا الشكل أو تدار المؤسسة كذلك، بينما كشفت مصادر داخل نقابة المهن الموسيقية، أن كامل بصدد إعادة فتح التحقيق فى أزمة مطرب المهرجانات حسن شاكوش، وعودته للغناء، وسوف يحقق فى أزمة عودة حسن شاكوش للغناء، وإعطائه تصريحا دون موافقة أعضاء مجلس نقابة المهن الموسيقية كاملا، ويتردد أن مصطفى كامل ينتوى فتح جميع ملفات النقابة بطرق قانونية، وتحت مراقبة الجهات القضائية والرقابية، وفى حال ثبوت تهم فساد مالى أو إدارى سوف يتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيال أى واقعة.
لكن ومثلما حدث فى عام 2013 من سخرية على تولى مصطفى كامل منصب النقيب، حدث أيضا هذه المرة، غضب من البعض أن يرسى عطاء النقابة على مصطفى كامل من جديد، لكن بعيدا عن كل الملفات المتعلقة بنقابة الموسيقيين يظل ملف أغانى المهرجانات هو العقبة الكبرى أمام مصطفى كامل وهو الملف الذى ابتعد بسببه هانى شاكر عن النقابة، فالجميع يعلم أن المهرجانات وصمة عار كبيرة فى تاريخ الفن المصرى، وإفساد وفساد للأغنية الشعبية، ويتعمد مطربوها خلق حالة الجدل من حولهم، للاستمرار فى بؤرة الأضواء، ومن العبث أن يستمر هذا النوع ويجب وأده وما فعله هانى شاكر يستحق الثناء عليه، وأقول لكل من يسمع المهرجانات "اطردوهم حيث وجدتموهم" حتى يبقى الفن المصرى منارة إشعاع لكل الدول، كما كان قبل وجود هؤلاء المرتزقة، وتقريبا لا أحد يعرف ولا يفهم ولا يدرى ماهيتها وما طبيعتها وماذا يريدون أن يقولوا منها؟ سوى هذه الموسيقى الصاخبة ذات الإيقاع الواحد المكرر، والرقص والبلطجة وتشويح الأيدى يمينًا وشمالا، بشكل منفر يحرض على الاشمئزاز، هذه الظاهرة التى بدأت فى إطار ضيق فى الأفراح الشعبية بالأحياء العشوائية، وبكل أسف تجاوب معها أبناء هذه الطبقة ظنا منها أنها تحكى عن حالهم بموضوعات تتناولها بدءا من شكوى الفقر وغدر الأصدقاء مرورا بالمخدرات والتطرق للعلاقات الجنسية، الآن فرضت نفسها بين كل الطبقات الاجتماعية فى صورة مخيفة تدعو للحذر والحيطة قبل أن تتمدد وتشوه أجيالا، ورغم ظهور هذا النوع الغنائى الردىء والمبتذل، منذ 10 أعوام، لكنه لم ينتشر بقوة إلا خلال العامين الأخيرين وتصدر حمو بيكا المشهد عقب معركته الشهيرة مع مجدى شطة، لينكشف ما يقدموه للشباب من أغانٍ تحرض على المخدرات والعنف والجريمة، وتخاطب الغرائز وتتحدث عن الجنس والمخدرات وتُسهم فى تدمير أجيال بأكملها، وتقزم من قيمة الأغنية المصرية، بل أخذوا الأغنية نحو التسفيه والعبث، بما يفعله حمو بيكا أثناء غنائه فى الكواليس والتلعثم المستمر فى التدريب على الأغانى والذى أثار من قبل عاصفة من السخرية، فى صورة مهينة للأغنية وحتى يحقق تفاعلا على حساب الفن المصرى وسمعته، ولازال صناع المهرجانات يتوهمون ولديهم أمل كبير فى أنهم يصبحون نجوما يوما ما، ويتوقعون أن "الزمن الجاى بتاعهم" ويسحبون البساط من تحت أقدام نجوم الغناء، ونسوا أن الفن موهبة وثقافة وعلم، وهم بلا ثقافة ولا علم ولا موهبة، بل أكثرهم لا يعرف القراءة ولا الكتابة، والمفارقة العجيبة أن البعض يبرئ خطأ ما نستمع إليه فى الشوارع من "هرتلة" وعبثيات لفظية "أغانى المهرجانات" بأن هذه النوعيات كانت موجودة من زمن، لكنها تطورت وصارت لما هى عليه الآن، وعبثا منهم يعقدون مقارنة بينها وبين أغنيات ظهرت فى عشرينيات القرن الماضى، كان أبطالها منيرة المهدية وعزيزة المصرية وعبد اللطيف اللبنا وآخرين، منها مثلا "ارخى الستارة اللى فى ريحنا" و"اوعى تكلمنى بابا جاى ورايا" و"ما تخافشى علىّ"، و"بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة"، بالطبع المقارنة باطلة وتعد سُبة فى التاريخ، فأغانى العشرينيات مأخوذة عن فلكولورات وبها مزيكا تمتاز بالخفة والجمال والدلع، وتختلف موسيقى كل أغنية أو طقطوقة عن الأخرى، بخلاف المهرجانات التى ليس لها معنى (لا كلمات ولا إيقاعات ولا موسيقى ولا فن أصلا) عبارة عن (صراخ وخبط ورزع)، ومؤيدوها يتحججون بأنها "واكلة مع الناس ومعلّمة معاهم ونجحت"، والمدهش أن المدافعين عنها لا يعرفون توصيفها هل هى أغانٍ شعبية أم موضة، وكل ما يتشدقون به: "أصله فى كل زمن بيطلع حاجة زى كده".
مصطفى كامل عليه أن يضرب بيد من حديد على أصحاب المهرجانات ومن تسول له نفسه العبث فى مفردات الأغنية المصرية.