كل يوم نسمع عن قصة جديدة حول انهيارات أخلاقية وسلوكية تجتاح الشارع المصرى، ونهرع إلى صفحات التواصل الاجتماعى لنكتب مولولين صارخين لقد انحدرت الأخلاق لقد غُيب الشباب ونكيل لهم الاتهامات من هنا وهناك ناسين متناسين أننا السبب الرئيسى والأول عندما غاب دور الأسرة فانفلتت السلوكيات وانعدمت الأخلاق ولم يعد هناك حساب لأى شيء. غابت كلمة عيب ولا يصح ولا يجوز، وسُمح بكل شيء فى أى وقت، فى ظل ضعف الأنظمة المجتمعية وغياب القدوة وإهمال بناء الإنسان عقليًا وفكريًا وتركه ليربيه العالم الافتراضى الذى نذهب نحن إليه لنشتكى منه ليتقبل هو شكوانا ويصبح الأمر عاما بسببنا نحن، بل بدأ بعضنا ترديد كلمات هذا هو الحال وهذا هو الواقع المرير وهذا ما جنته أيدينا ولكن إلى متى سنظل ننتظر شفاء دون دواء، ننتظر حصادا دون زراعة، ننتظر نجاحا دون مذاكرة، ننتظر تفوقا دون اجتهاد؟! ماذا قدمنا نحن لهذا الجيل الصاعد الذى نطالبه بالأخلاق والفضيلة؟ فالحقيقة لم نُقدم له ما يدفعه إلى هذا بل تركناه بلا أى تدخل سوى من بعض اللوم والتوبيخ حفاظًا على الشكل العام ليس إلا، فقد سمحنا بأن تقتحم بيوتنا وسائل الاتصال الحديثة من الإنترنت إلى المحمول ومعها مواقع الخراب الاجتماعى فيس بوك وما شابه.. ومن يتابع ما يجرى على هذه الوسائل من الجرائم لابد أن يسأل ويُحاسب وأين مصادر الحماية للمتلقى؟ لا شيء. لا أحد يستطيع أن يُنكر أن المعرفة شىء رائع وجميل والتواصل الاجتماعى والإنسانى من سمات العصر الذى نعيشه، ولكن خلف هذه الإيجابيات توجد كوارث كثيرة شوهت صورة المجتمعات والأوطان وأصبحت مصادر إزعاج فى كل بيت فتجد فى منزلك أو ربما فى خصوصياتك، غرفة نومك، زائرا مجهولا يشاركك أنت وأسرتك حياتك رغمًا عنك. هناك دول تدخلت وحافظت على ثوابتها وهناك أيضًا شعوب استباحتها تكنولوجيا العصر وأصبحت فى مهب الريح، نحن أمام كارثة الانحطاط الأخلاقى الذى أصاب الشارع المصرى، وانفجرت بالوعات الشتائم والبذاءات وعدم احترام الكبير وتوقيره فى وجوهنا جميعًا وأصبح الجميع - إلا ما رحم ربى - يستخدم ألفاظًا بشعة فى كل المناسبات والمواقف بل وفى حضور السيدات والآنسات والأطفال وكأن هذا هو حال مجتمعنا الحقيقى. هذا المستنقع الذى طفح علينا جاء عندما سمحنا بانفتاح تكنولوجى غير محسوب وبتسريب هذه الوجوه العكرة من إعلاميين وممثلين وسياسيين ورياضيين إلى صدارة المشهد، وطالما ناشدنا الجميع ضرورة تحمل كل منا مسؤوليته تجاه المجتمع وليس الدولة فقط. فطالبنا بوقف ما يسمى بأغانى المهرجانات ومنع هؤلاء المرتزقة من إعلاميى السبوبة من الظهور، والوقف الفورى لما تُسمى بدراما الواقع التى تُصدر إلينا وتأصل فى نفوس مجتمعنا العرى والمخدرات والدعارة وكل أشكال التلوث الأخلاقى وكأن المجتمع المصرى قد انغمس فيه وأصبحنا جميعنا بهذا السوء، قصصًا يَدّعون واقعيتها، ونحن نبرأ إلى الله منها ومنهم، لتفسد علينا تاريخنا الطويل من النبل والترفع والأخلاق، مصطلحات وأقوال وشتائم وقبلها أسلوب أبعد ما يكون عنا وعن تربيتنا ومجتمعنا النظيف فى كل شيء، البريء من كل هذه البذاءات. وبما أننى من تلك الطبقة الكادحة التى تمتد أصولها إلى مدينة زفتى فى قلب دلتا مصر، أضيف أن أبشع صور الدمار الأخلاقى والتدنى المجتمعى متمثلة فيما يُطلق عليه "طاعون العصر" "التوك توك"، والذى تصف فوضى انتشاره ما وصل إليه حال الشعب من تدنٍ أخلاقى، ومن يجد لديه وقتا ليشاهد التليفزيون سيجد فى كل ليلة جريمة أخلاقية ارتكبت فى حقنا، ومن يسير فى الشارع سوف يرى كوارث، أشياء تُشعر بالألم والإحباط لما وصلت إليه سلوكيات الناس، الذين غابت عنهم أخلاقياتنا وانغمسوا فى الفساد الأخلاقى بل الوحل الأخلاقى حالك الظلمة، جرعات مسمومة يشاهدها المواطن المصرى كل ليلة ويصحو وينام عليها، أزمة حقيقية وظاهرة تتفاقم وتضيف إلى مستنقعات السفه والبذاءات مساحات جديدة فى كل ليلة يحصل المتلقى على ثقافة سلبية جديدة، ثم نطالبه بالفضيلة والأدب والأخلاق. وعلاج الفساد الأخلاقى والسلوكى أصعب أنواع العلاج لأنه يتطلب أن تزيل رواسب أخطاء وخطايا الأسرة والمدرسة والشارع والعمل وقبل كل هذا ما تلقاه من ثقافة عبر كافة وسائل الإعلام، وكعادتنا نُرجع الأمر لله وحده، لنجد أنه سبحانه لم يتركنا تبارك وتعالى فى كل أمور الدنيا والآخرة فقد أرشدنا جل شأنه وتقدست أسماؤه وأوضح لنا فى القرآن الكريم وعلى لسان نبيه المختار، فضل وفضائل حسن الخلق، ولو بحثنا فى سيرة النبى محمد لوجدنا أنه كان يحرص على تأديب أصحابه وأن يكون خلقهم داعيا إلى الإسلام وأفعالهم تدل على حسن إسلامهم. وعن أبي هُريرة قَالَ: سُئِلَ رسولُ اللَّه عَنْ أَكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، قَالَ: تَقْوى اللَّهِ وَحُسْنُ الخُلُق ، فديننا دين مكارم الأخلاق، ورسالة نبينا مبنية على حسن الخلق، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فالإسلام منذ أن وجد منذ 14 قرنًا استوعب البيئة المحيطة والظروف ولم يتأثر بها، فالدين جاء ليصلح الكون والظروف والعلاقات بين الناس. ومن خصال المسلم الحميدة أنه مهما كانت ظروفه فهو لا يتأثر بالتهديد أو التحديات أو الفقر أو الغنى أو المرض، وطباع المسلمين ثابتة وفق التعليمات التى جاءت فى كتاب الله تعالى، وهنا فقط أُشير إلى أن الأخلاق السيئة إذا انتشرت فى المجتمع، وسُكت عنها تكون سببًا لهلاكه أو إصابته بشر يصيب المذنب والبريء على حد سواء قال تعالى: "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ". فلابد من اجتثاث جذور سوء الأخلاق ومصدريها والمروجين لها والتخلص منهم ومنها فى أقرب وقت، ومن سيرة النبى العطرة نستخلص وصفة لعلاج أى تدنٍ أخلاقى فى أى زمان عن طريق التواصى بالحق، والنصح المباشر العلنى بأدب، أو على انفراد بطريقة حكيمة مع الصدق فى التوجيه والنصح، ونشر العلم المفيد النافع والطاقة الإيجابية، ومراقبة الصحبة، والكف عن إشاعة الفواحش ومنعها نهائيًا من الظهور، وحسن استغلال الإعلام للترويج لمكارم الأخلاق، ويبقى الحث على جهاد النفس والتشجيع عليه هو أفضل ما نزرعه لجيل جديد من الشباب ترك العنان لنفسه وشهواته بعدما أطلقنا له الحبل على الغارب، دون نصحِ أو إرشاد، حتى نعود لحسن الخلق والأخلاق قبل فوات الأوان.