الجمعة 22 نوفمبر 2024
الشورى
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى
الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء
والعضو المنتدب
محمد فودة
الشورى

استفزتنى واقعة حدثت فى الأسبوع الماضى داخل إحدى المدارس الابتدائية بمحافظة الغربية، وهى أنه أثناء اليوم الدراسى اقتحمت إحدى أولياء الأمور المدرسة، مطالبة باصطحاب ابنتها إلى خارج المدرسة لأمر عائلى، إلا أن مدير المدرسة رفض طلبها واعترض على دخولها المدرسة بهذا الشكل وطلب من السيدة مغادرة المدرسة وترك ابنتها حتى نهاية اليوم. فما كان من السيدة إلا أن قامت بسبه وخلعت حذاءها وضربت المدير به وصفعته على وجهه وأحدثت بعض الإصابات بوجهه وكيلت له السباب والاتهامات، وسط ذهول الجميع، فقام مدير المدرسة بدفعها والاتصال بأمن الإدارة التعليمية الإدارى والذى وجهه لاستدعاء النجدة، إلا أن السيدة استدعت شقيقها - الذى اتضح أنه غير ذلك - والذى حضر قافزًا من أعلى السور وتكفل هو باستكمال السباب للمدير وإدارة المدرسة ومنعه المدرسون والحضور من الوصول للمدير قبل حضور الشرطة، والتى تحفظت على السيدة وحررت لها المحضر اللازم، ووعدنى صديقى العزيز المهندس ناصر حسن وكيل وزارة التربية والتعليم بالغربية بأنه لا تفريط فى حق المدرسة ومديرها حفظًا لكرامة هذه المهنة السامية، والذين قال النبى محمد صلى الله عليه وسلم:" العلماء ورثة الأنبياء".

والواقعة رغم بشاعتها وإبرازها بل وتأكيدها على ما أُصر على تسميته بالـ"الردة الأخلاقية" التى نعيش فيها منذ ما يتجاوز العقد الزمنى، فإنها جعلتنى أبحث وأسأل وأفتش عن الأخلاق والالتزام داخل المدارس الابتدائية وكيف صار أبناؤنا من التلاميذ؟ وإن كان هذا هو أحد نماذج أولياء الأمور فماذا عن نتاج تربية هؤلاء؟ وما المنتج الذى سيصدره أمثال هذه الشابة التى تعدت على مدير المدرسة الذى هو فى عمر والدها لمجرد رفضه خروج ابنتها تطبيقًا للقانون واللوائح، وبسؤالى لأكثر من مربية فاضلة عن أحوال المدارس الابتدائية فى مختلف محافظات مصر كانت الإجابات مُفزعة وفظيعة وتدعو لتحرك سريع وعاجل قبل فوات الأوان وقبل أن ننسلخ من ديننا وحياتنا وأخلاقنا ونصبح بلا هوية فالحفاظ على الهوية الدينية والأخلاقية الآن أصبح أمرا واجبا وملحا وضروريا بل وأهم من أى وكل شيء. أخبرتنى إحدى المربيات الفاضلات وهى وكيلة مدرسة ابتدائى، أنها أصيبت بمشاكل فى الأحبال الصوتية بسبب صراخها طوال النهار ناهية التلاميذ عما يتلفظون به وناهرة إياهم على إخراج هذه الألفاظ، قائلة: "الأطفال يتحدثون إلى بعضهم البعض بلقب يا أسطى وهو أمر عادى جدًا وكأنما يمدحون بعضهم البعض، بل والسب بأقذر أنواع الألفاظ يخترق مسامعنا كل دقيقة، والشكوى من استعمال الأطفال القوة والعنف ضد بعضهم البعض لا تنتهى، بل ومشاهدة أفلام خارجة ومقاطع بها إيحاءات صريحة أمر عادى بين تلاميذ الابتدائى، ونحن نحاول منع كل هذا دون استخدام أى وسائل عقاب جسدية ومازلنا نحاول ونأمل من الله النجاح والتوفيق". معلمة أخرى من إحدى المدارس التجريبية للغات أكدت نفس الكلام وأضافت: "الأمر الأصعب أنه لا فرق بين البنات والأولاد فى التدنى فى الذوق والأخلاق واحد وما إن تأتى شبه فرصة لأغانٍ هابطة تجد الجميع يحفظها عن ظهر قلب ويردد بكل حماس ناهيك عن ألفاظ كنا نتوقع أننا لن نسمعها فى أسوأ الأماكن أخلاقًا فأصبحت بكل أسف منتشرة بين تلاميذ المدارس حتى فى المراحل الأولى كالتعليم الابتدائى، ولابد من وقفة جادة وحاسمة قبل فوات الأوان. وعلى الجهة المقابلة وجدت كثيرا من أولياء الأمور يشكون من تردى وتدنى المستوى الأخلاقى فى المدارس سواء أكانت حكومية أو خاصة، وأنهم صعقوا من تكرار أبنائهم ألفاظًا بذيئة على أنها أمور عادية بين الجميع داخل المدرسة وأن الخلافات بين التلاميذ الصغار فى مدارس أطفالهم يتبادلون فيها الأطفال السباب بالأم والأب دون أن يجدوا ردعا لزملاء أولادهم من المتجاوزين، بل وينكر أولادهم عليهم أى ردع ويتهمونهم بالتزمت والرجعية والتدقيق فى أمور كانت زمان عيب والآن أصبحت عادية ودارجة، وهذا أمر يجب أن نرفضه بكل قوة ولا نوافق عليه مهما كلفنا الأمر. بكل أسف هذا نتاج أفلام السبوبة ودراما هدم الأوطان ورداحى المهرجانات التى طالما حذرنا منها ومن انتشارها، بالإضافة إلى ترك أولادنا لتربيهم لنا مواقع الخراب والفرقة الاجتماعية وتلك المواقع التى تبث محتويات صُناعها لا يبحثون سوى عن الأموال على حساب كل وأى شيء حتى على حساب أغلى ما نملك أولادنا وأوطاننا.

دعونا نعترف بأننا نعيش تراجعا أخلاقيا وردة أخلاقية أصابت الكثير من الكبار قبل الصغار فهناك أمهات وآباء اليوم عندما بدأت تلك الردة الأخلاقية - قبل أقل من عقدين- كانوا أطفالا فأصابتهم بكل أسف دون أن نكترث لذلك، فتتناقض القيم التى تربينا عليها مع أولئك الصغار حسب السائد فى المجتمع ليجد الطفل الذى ننشده نفسه غريبًا بين أقرانه غير قادر على التواصل وتبدأ الكارثة حين يقرر الطفل التحول مثلهم ليكون واحدا منهم فتكون الكارثة أن ما نزرعه فى الأطفال الأسوياء من وجهة نظرنا يتحطم على صخرة عديمى الأخلاق عند الاختلاط بهم، فيرون كل يوم القيم المختلة وقد أصبحت شيئًا عاديًا فى الشارع ويسمعون ألفاظًا بذيئة وطرق حوار غير حضارية حتى فى وسائل الإعلام نفسها، بل ومسميات فى غير محلها كعلاقة الذكر بالأنثى تحت مسميات أخرى كزمالة وأخوة وصداقة واختلاط غير مبرر تحت مسمى وداعى التفتح والحرية، حالة الفوضى والتدنى الأخلاقى متعددة تُخرج من أطفالنا هذا التدنى أيضًا بينها تنامى سلوكيات الزحام خاصة فى المدن المزدحمة ومظاهر المرور وسلوكيات الـ توك توك وميكروباص والسيارات التى تقف فى وسط الطريق مما يساهم فى زيادة مشاعر الغضب السريع والتوتر وانعدام الشعور بالاستقرار النفسى وكذلك انتشار القيم المادية بشكل كبير فالجميع يلهث خلف المال دون وعى، نحن نحتاج ثورة أخلاقية فى مواجهة هذا الانفلات الأخلاقى فهذه ليست مصرنا الغالية وليست هذه هى أخلاقنا. كتبت عدة مقالات مطالبًا فيها بثورة أخلاقية سريعة قبل فوات الأوان، وها أنا أُطالب من جديد بأن نربى أبناءنا بنص القرآن "  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ "، هذه هى الروشتة الربانية والوصفة الأكيدة لعلاج هذا المرض الأخلاقى الذى أصابنا، فالأخلاق هى الواقى من الانهيار وتأكيد فكرة الضمير وتفعيله يؤدى للتراجع عن الكثير من الأعمال السيئة التى نراها ويؤلمنا ظهورها فالضمير وتنميته هو الوحيد الذى يتحكم فى تصرفات البشر فالأخلاق والقيم السائدة كلما ارتقت ارتقت الدولة ونمت، علينا أن نعترف بأننا تركنا هذه القيم منذ زمن ولم ننمها.

ولذلك يجب أن نبدأ من مرحلة الطفولة لأن هذه المرحلة تكون هى الأهم فى تربية النشء فيجب أن نعلمهم فى بداية حياتهم غرس القيم والمبادئ المستمدة من الدين فى نفوس أبنائنا مثل القيم والأخلاق التى تتكلم عن محاسبة النفس والعدل والصبر والمنح والعفة والشجاعة والعدل والبشاشة والتسامح والحرص على مقابلة الإساءة بالعفو والحسنى، إذا توصلنا إلى غرس وخلق وممارسة الأخلاق والقيم التى نسعى إليها مما علمنا رب العزة ورسله الكرام نكون بدأنا بناء إنسان جديد يتواءم مع معطيات كل العصور مهما ساءت وقتها نستطيع الحفاظ على أخلاق المصريين.

تم نسخ الرابط