يري الجميع ان إيقاعات المهرجانات لا تطرب أو تتبخر كلماتها بعد أيام ولكنها بكل أسف هي ترمومتر ثقافي وفكري ونفسي لملايين المصريين كما أن أجواء الرفض والانتقاد والتحقير التي تحيطها تبرز فروق بين الملايين من محبي هذة المهرجانات عن ملايين أخرى من المصريين وبين هذه الملايين وتلك هوة كبيرة تكشف احتقانًا طبقيًا وذوقيًا وأحيانًا أخلاقيًا والمجمل هي فجوة ثقافية صريحة ولكن هل استماع واستمتاع الطبقات المتوسطة والعليا بالمهرجانات صرعة موقتة نتذكر في الزمن القريب نفس الطبقات استمعت واستمتعت في الثمانينيات بأغاني أحمد عدوية التي بدأت بـ"السح الدح إمبو" والطبقات نفسها استمعت واستمتعت بأغاني شعبان عبد الرحيم في التسعينيات، ورغم المعارضة المستمية في بداية الأمر إلا أن الأمر يتم الإعتياد عليه بعدها ويصبح فنًا وربما في يوم من الأيام فلكلور فبكل أسف هذا هو الفن والفلكلور الذي سنخلفه ونتركه للأجيال القادمة.
ولا يمكن ان ننكر ان تفجر الأحداث في عام 2011 نجم عنه جرعة مقويات مكثفة لتلك الفئات التي لم تعد تهاب السلطة أو الشرطة او المجتمع واحتفظ هؤلاء الشباب بمكتسباتهم الرئيسية من الثورة فكسروا حاجز الخوف تذوقوا طعم التمكين ومضوا في التعبير عن أنفسهم بكلمات تثير القلق والخوف والاشمئزاز لدى الآخرين وبدأت هذة المهرجانات في غزو أفراح الطبقات المتوسطة وما فوقها تحول جانب منها إلى "مهرجانات" وأصبح شيئًا فشيئ نجوم حفلات تخرج طلاب وطالبات المدارس الأجنبية والجامعات الخاصة هم مطربو المهرجانات وتحولت الأغنية من التوك إلي الـ"بي إم دبليو" وبالطبع وصلت لأكبر الكافيهات والاماكن المسموح بها التجمعات حتي انني منذ ما يقرب من شهر حضرتك إعتراض اعضاء نادي شهير علي تشغيل مثل هذة المهرجانات في إذاعة النادي الداخلية.
المهرجانات خطر ليس بجديد يهدد الذوق العام ويُغيب الطرب الأصيل والفن الجميل فمؤدو المهرجانات خطر على الأمن القومي والذوق العام أشعرونا اننا بالفعل في زمن المسخ حيث القوالب الغير أخلاقية الثابتة وصعود صاروخي لهذة النوعيات والتي ترجع نشأتها التاريخية لمنتصف العقد الماضي مكوناتها سريعة الاشتعال تمثل كبت وقهر وحرمان وفقر وزحام وتدني تعليم وانهيار ثقافي وتطرف وتقلص فرص مع تمكين مفاجئ شبه كامل من تقنيات تتيح التعبير بكلمات غالبًا ما تحمل تهديدًا ووعيدًا لفئة معينة او لحبيب سابق او لصديق او اي صاحب قصة من السابحين في بحر الغدر غدر الزمن وغدر المجتمع وغدر الأغنياء وغدر البنات وغدر الاصدقاء كلماتها لو استطعت فهمها فستشارك بالقوة والسيطرة رغم الظروف الصعبة وتشعل وتزيد من الحروب الطبقية.
عزيزي القارئ دعنا نتسآءل هل من الممكن ان نُقارن بين سيدة الغناء العربي أم كلثوم وبين مطربو المهرجانات بالطبع شتان بين جمهورية أم كلثوم وجمهورية المهرجانات وقتها كان لدينا إعلام وفن وأدب وفكر وغلب على الأعمال الفنية ما يمكن أن نسميه إعلام وفن بناء وهادف عندما كان الإعلام والفن رسالة ولكن وبكل اسف على أيدي أصاحب الأيادي الغير طاهرة وأشباه المطربين والمنتجين الباحثين عن السبوبة سرعان ما انقلب كل شيء في مصر وتحول كل شيء إلى بيزنس وتجارة بكل شيء وبأي شيء وكان الحصاد بعد كل تلك الرحلة من الهدم بلوغنا مرحلة المهرجانات وإختفى كل صاحب ذوق رفيع وكاد يندثر الفن الاصيل وهذا واقع لا ينكره إلا جاحد أو متكسب أو منتفع وأصبح من يتصدر المشهد من يشبهون المطربين ويتشبهون بهم ولكن شتان الفرق بين مطرب يُطرب وآخر يصرخ و(يردح) نعم أري ان أغاني المهرجانات ماهي إلا وصلة (ردح) مصحوبة بالموسيقي فالموضوع أكبر من مقارنة بين أغنية ومهرجان فكلا من نموذج أم كلثوم وأغاني المهرجانات يختصران حال وطن سقط فيه الفن من أعلى عليين إلى أسفل سافلين بكل أسف.
أم كلثوم كانت تجسد رقي كل شيء (الكلمة - اللحن - الصوت) وحتى الجمهور كان محط إحترام الجميع نعم جسدت أم كلثوم هذا الوطن الذي كان يومًا ما نموذجا في كل شيء ليس في الفن فقط فخرج منها في ذاك العصر الزاهي والزاهر خيرة العلماء والادباء والفقهاء والاقتصاديين والشيوخ العظام والسياسيين الذين لم يتكرروا حتي الآن فالأمم عندما ترتقي ترتقي في كل شيء وعندما يصيبها العطب يصيبها العطب في كل شيء تمامًا مثل أغاني المهرجانات الهابطة حيث رداءة (الصوت - الكلمة - اللحن) وحتى الجمهور الذي يسمع حتي انعكس ذوقه علي كل شئ مُحيط حتي في مفردات كلماته وطريقة إختيار وتنسيق ملابسه فهذا هو ما حصدناه بعد سنوات من الهدم المتعمد لفن وطن عظيم ومواطن خلاق ومبدع نال إستحسان الجميع وكان مصدرًا للفن الراقي في عدة عقود.
وللأمانة المهمة شاقة للغاية وهي مهمة إعادة بناء وطن ومواطن وتنمية قدراته وإعادة تشكيل ذوقه ومنحه الشئ الجيد حتي يشعر بسوء ما يحبه ويصر عليه نعم تركة ثقيلة للغاية نراها الآن في سلوكياتنا وسلوكيات أبنائنا وفي كم ونوع الجرائم والتفكك ودهس القيم والكفاءات والمُبدعين في مقابل صعود السواقط والافاقين وأصحاب السبوبةومن يأكلون على كل الموائد إنها التفاهة وإنعدام الثقافة في أبهى معانيها فهذا هو حال وطننا الآن بعد عشرات السنين من الهدم وحال ذات الوطن خلال سنواته الزاهره واري ان ابلغ تشبيه له هو المقارنة بأغنية لأم كلثوم وأخرى لأ من (رداحي) المهرجانات الذي هو حصاد لزرع ونبت ردئ وسيء تمت رعايته وتغذيته لعشرات السنين حتى أنتج هذا القيح القمئ
من كل قلبي اتمني ان يوفق الله القائمين على أمر هذا الوطن لإصلاح ما أفسده المفسدون في كل المجالات لتعود مصرنا وشعبها العظيم بتاريخها العظيم وبقدرات شعبها المُبدع لتبدع وتُعلم وتتفوق في كافة ميادين العلم والإبداع فلا يليق بمصر أن تعيش ما تعيشه الآن من واقع ووزن لا يعكس عظمتها وعظمة شعبها ويظل هذا الإنحدار الواضح في الفن الذي مرآت الشعوب من أم كلثوم إلي وصلات (ردح) المهرجانات.