إستوقفتني الإسبوع الماضي واقعة جديدة من وقائع الإنحدار الأخلاقي الذي نعيشه هذه الأيام ليثبن ما لا يدع مجالًا للشك أننا نعيش تلك "الردة الأخلاقية" التي طالما تحدثت عنها وناديت بقاومتها بكافة وشتي الطرق والوسائل والوقوف في وجه هذا التندب الحادث في أخلاقيات أولادنا، وهو ما ينعكس علي المجتمع ككل والواقعة التي أصبتنا جميعًا بما يشبه الإكتئاب تتلخص عندما إعتاد طفل في K.G 1، بإحدي المدارس الخاصة الشهيرة بمحافظة الغربية، علي سب رفقائه في الصف بأبشع الألفاظ بل والبلطجة عليهم ومصادرة متعلقاتهم بالقوة والتلذذ برؤية الأطفال من سنه يبكون ويتوسلون له دون رحمة بل ووصل به الأمر لتهديد أي مخالف له بالتبول عليه والتبول داخل فمه! نعم ما قرأته عزيزي القارئ صحيح طفل في السنة الخامسة من عمره يهدد أصدقائه ويمارس البلطجة عليهم ويتلفظ بأبشع الألفاظ داخل مدرسة لا تقبل إلا أبناء الطبقة الراقية من المجتمع في هذه المنطقة السكنية في دلتا مصر وتقوم بعقد مقابلات شخصية لأولياء الأمور قبل قبولهم، والنتيجة طفل يقوم بهذه الأفعال ودون ردع، الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل نفذ هذا الطفل البرئ تهديده بالفعل وقام بحجز أحد زملائه في غفلة من مشرفي المدرسة وتبول في فمه وعلي وجهه وملابسه بل وتم التعتيم علي الموضوع لولا الرائحة الكريهة التي ذهب بها الطفل الآخر لمنزله وعقب السؤال عن السبب إنهار الطفل وحكي ما تعرض له من أذي نفسي وجسدي وسط إهمال جسيم من المدرسة، ودفاع مستميت من والدة الطفل المتعدي بحجة أن الطفل إبن لطبيبين ولا يصح إتهامه بهذه الأشياء، وقد تواصلت شخصيًا مع الإدارة التعليمية ومديرية التعليم التابع لهم المدرسة وكلي ثقة في الشخصيتين التربويتين في الإدارة المديرية علي أن الموضوع سيتم حله من جذوره والمخطئ سينال عقابه وعلاجه وكذلك الضحية.
وهذه الواقعة التي أتمنها ان تكون الأولي والأخيرة بين أطفال لم يكملوا نصف عقدهم الأول، كانت كالصاعقة عندما وصلت لي فكيف لأطفال بهذا العمر أن يصلوا لهذا التندي الأخلاقي وكيف لنا أن نسمح لأولادنا أن يكونوا متأثرين لهذه الثقافات الغربية علينا ومجتمعنا منها برئ، أبنائنا هم النعم الحقيقية التي يهبها الله لنا، إذ إنهم يستحقون إلي جانب جم إهتمامنا الكلمات الجميلة والعبارات الطيبة، التي نهديها لهم كل يوم لكي تزيد الحياة بهجة وجمال، ويحتاجون أيضًا أن نراقب أفعالهم ونوقفهم عند حدودهم إذا ما تجاوزا الحدود ونمع عنهم ما لا يناسب أعمارهم وثقافتنا وثقافتهم وما يخالف ديننا وعادتنا وتقاليدنا ولا نتركهم لتربيهم لنا مواقع الخراب الإجتماعي وأشباه النجوم ودراما السبوبة، ثم نأتي بعدها لنتحسر علي قتل الأبنة لأمها أو الإبن لأبيه، فهذا هو النتاج الطبيعي لما يتلقاه أبنا ئنا من غير مؤهلين لتربيتهم يصنعون من أنفسهم أبطال في عقول وقلوب أبنائنا ومن ثم يبدأ أطفالنا في محاكتهم وتقليدهم دون أي وعي ودون رقابة منا أو من المؤسسات التعليمية التي نأتمنهم عليها فيكون النتاج هو إستمرار التدني الأخلاقي الحادث وإنتشار تلك الأخلاق التي سبق وأسميتها "أخلاق توك توك" فلا أجد لها تسمية مناسبة غير أنها مثل كائن الـ توك توك شيء عشوائي إنتشر إنتشار عشوائي فأضاع كل ألوان وأشكال إحترام الشارع.
والواقعة التي أتحدث عنها اليوم وعن هذا الطفل -الذي أراه ضحيتنا نحن- فيها عدة نقاط يجب الوقوف أمامها أولها هو رد فعل أسرة الطفل نفسه من الإصرار علي نفي الواقعة ومناصرة الطفل وإشعاره أن أسرته خلفه حتي في حال الخطأ الجسيم مثل هذا الخطأ وعدم تعليم الطفل وتنشاته علي ثقافة الإعتذار عند الخطأ والتراجع الفوري عنه والتوبة منه، وكأن حب الطفل يمنع عقابه أو إجباره علي الإعتذار وكأن الحريات المزعومة هو تعدي إبني علي الجميع لمجرد أنه إبني ودون أي تراجع عن الخطأ زعمًا أن هذا بدافع حب الأبن نععم نحن نعشق أبنائنا وهم أغلي ما نملك ولكن أمانة تربيتهم وحسن نشأتهم وتنشأتهم هي الغاية الأسمي والأهم وطالما تحدثنا عن تربية الأبناء في كافة الثقافات ومن مختلف الزويا والجهات وإنتهينا من قبل أن القرآن الكريم من فوق سبع سموات قد حسم الأمر في تلك الآية الكريمة "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون"، نعم أري أن تلك الآية كفيلة بتنشأة أطفالنا علي كافة قواعد الحياة السليمة وجعلهم مواطنيين صالحين قادرين علي النمو بمجتمعاتهم وقبلها بأسرهم، فحب أبنائنا حب فطري وعشقهم شيء بديهي ولكن الحب المقرون بحسن التربية وكمال التوجيه السليم.
فالحب من ضروريات الحياة التي ينشأ ويكبر داخلها أبنائنا، وتتضح هذه الأهمية عندما ندرك أنّ الوصول إلى مرحلة حب المجتمع لا بد أن تمر عبر حب العائلة، ولا يمكن بناء وتكامل القوى العقلية والفكرية لأطفالنا إلا في ظل محيط هادئ ومليء بالحب وإلا سيصاب بالكآبة والاضطراب الفكري، وحب الأم والأب وعاطفتهما أهم العوامل التي تعالج الطفل لدى مرضه -خاصة المرض النفسي- ويزرع حنانهم في قلب الطفل الشجاعة والبسالة ويقوي عزمه في مواجهة المشاكل والمصائب المختلفة بما في ذلك المرض ويعتبر هذا بحد ذاته عاملا هامًا علي بناء شخصية الطفل ونموه صحيحًا في كافة النواحي خاصة النفسية والإجتماعية منها، وعاطفة الحب والحنان من الأهل للأبناء تجعلهم يشعرون بالأمان، فالطفل الذي يفقد الحب والاهتمام ويعاني من الحرمان العاطفي من عائلته سيبحث عن العاطفة والحب خارج المنزل متي أُتيحت له الفرصة، ما يؤدي إلى عواقب غير محمودة إذ يمكن أن يمنح هذا الطفل أو الطفلة اللذان أصبحا في جيل المراهقة عواطفهم لمن يستغلها أسوأ استغلال، لذلك علينا منح أبنائنا الحب كاملًا وبلا حدود بل ومن الطبيعي أن نفضلهم علي أنفسنا ونقدم إحتياجاتهم علي إحتياجاتنا، ولكن ينبغي أن نقوم سلوكيات أولادنا من الصغر حتي لا ينفرط عقد تربيتهم عند الكبر … فـ إياكم وحبهم بلا تقويم
صديقي وليد رفعت فني صيانة الأجهزة ومصور الفيديو بجمهورية زفتي ورفيق رحلتي في العمل أثناء فترة الدراسة الجامعية، قابلني صدفة منذ شهرين -بعد عدم رؤيته أو مقابلته لأكثر من عشر سنوات- وطلب مني التدخل لدي مركز قلب المحلة لإجراء جراحة عاجلة له ووفقني الله وبالفعل أجري صديقي العملية ولكنها الأعمار توفي عقب العملية، وكأن القدر ساقه لي وساقني له صدفة لأتدخل ويتم تسريع الإجراءات بناء علي طلبه ليحقق وليد موعده في الرحيل في وقته تمامًا نعم أنها الأعمار وقد حان وقت الرحيل يا صديقي وكأن القدر أراد أن اودعك وأتابع كل لحظات خروجك من هذه الدنيا بكل تفاصيلها بل وأحظي بقبلةعلي جبينك مودعًا لك ما كنت أتمني ولكنها الأقدار ولا يعلمها إلا الله ودعًا يا صديقي العزيز.