دراسة ميدانية.. «طبيخ الدلتا» كتاب جديد للباحثة دينا البلتاجي
صدر حديثا كتاب «طبيخ الدلتا» للباحثة دينا البلتاجي، وهو عبارة عن دراسة ميدانية عن الطبيخ في محافظات الدلتا بالتحديد مركز المنصورة بمحافظة الدقهلية، ويجمع ٣٦ وصفة من الأكلات التراثية، منها أنواع المخبوزات المختلفة من العيش الرحالي والفلاحي والكماج والقرص، وطبيخ الخضراوت، وغيرها من الأكلات التقليدية. وفي مقدمة الكتاب تقول الباحثة: «الطعام.. الماء.. الهواء.. النوم.. تلك الحاجات الفسيولوجية الأساسية التي لا يمكن للإنسان البقاء من دونها، وإذا لم يتم تلبيتها فمن الصعب الوصول إلى الاحتياجات الأعلى مثل الحاجات الاجتماعية، والحاجة إلى تحقيق الذات، وذلك حسب هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية الأساسية.
والطعام بدوره الرئيس في الحياة، ليس غذاء للبدن فقط، بل إنه يغذي جميع الحواس، بداية من حاسة الشم مرورا بحاسة البصر إلى حاسة اللمس، وصولا إلى حاسة التذوق، فيبدأ الإنسان الشعور بالطعام داخل فمه ثم جسده الذي يتعامل معه عن طريق عمليات كيميائية حيوية لتحويل الطعام الذي يتناوله إلى مغذيات يستخدمها الجسم من أجل الحصول على الطاقة والنمو.
لم يكتف الإنسان بحاجته إلى الغذاء بتناوله على صورته الأصلية من مواد خام، بل أضاف معرفته وخبرته بالبيئة المحيطة به تحولا للغذاء،
صورته الخام إلى وضعية ثقافية متحضرة، وذلك باستخدام تقنيات متنوعة ومختلفة، مثل: التجفيف والتمليح، والطهو بأنواعه المختلفة، فيعتبر هذا التحول الحضاري ماديًا تقنيا وغير مادي في آن واحد، لينفرد الإنسان بكونه الكائن الوحيد الذي يطهو طعامه.
يتفق الأنثروبولوجيون على أنَّ كل ما هو مطبوخ ينتمي إلى "الثقافة"، وكل ما هو نبئ ينتمي إلى "الطبيعة"، إذ تتجلى هوية المجتمع من خلال الطعام، فتعتبر العادات المطبخية تجسيدا خاصا للهوية الاجتماعية والثقافية، إذ يتم إعادة تركيب العلاقة بين هذه العناصر للحصول على توليفة مشخصنة، وهو ما يتطابق مع ما شدد عليه كوفمان من عدم وجود طعامين يتشابهان بصفة مطلقة ولهما الوظائف عينها؛ حيث تكاد تنفرد كل مدينة أو قرية أو جهة بوصفتها الخاصة. هناك علاقة وثيقة بين العلوم الإنسانية والاجتماعية والبيئة الطبيعية المحيطة؛ حيث يؤثر كل منهما في الآخر، فيتطلب فهم واقع بناء المجتمع في لحظة معينة الرجوع إلى الماضي، والتعرف على تطوره من خلال الزمن، فلا يمكن أن يكون هناك مجتمع وليد لحظة زمنية معينة، وبذلك يمكننا دائما التعرف على ظواهر الحاضر من الماضي، ويُمكن أن نتعرف على الحاضر من خلال دراسة الماضي واستعراضه، عن طريق العلاقة السببية بين الماضي والحاضر من حيث أنماط الحياة السائدة، والنظم الاجتماعية، والمستوى الحضاري في كل فترة من فترات االخاصة».