إنتشر خلال السنوات القليلة الماضية هوس الشهرة وجني الأموال بأي طريقة عبر وسائل ومنصات التواصل الإجتماعي، وباتت الشهرة هوس يطارد شبابنا وبناتنا عبر المنصات بشكل يدعو الخوف ليس علي مستقبل من يسوعون لجني المال بل وعلي من يتابعونهم ويقلدونهم، -فمن قبل ذكرت لحضراتكم ان وسائل التواصل الإجتماعي أصبحت في مجتمعاتنا العربية وسائل لقطع الأرحام والبعد الاجتماعي حتي بين الاسرة الواحدة-، فنجد أطفال وشباب وآنسات يلجئون الى تسجيل وتوثيق مواقف حياتية أو أغاني أو أي حدث عابر أو أي مناسبة طبيعية وعادية طامحين ان يصلون إلي مبالغ طائلة من وراء مقطع ما أو الوصول للشهرة كما وصل إليهما سابقيهم.
وكان أول هذا المواقع اليوتيوب والذي يُعتبر وسيلة سهلة ومتاحة للجميع خاصة للأشخاص الذين عانوا التهميش في مجتمعاتهم فلجأوا الى فتح حساب على هذا الموقع العالمي وفرضوا أنفسهم بمحتوياتهم الهادفة وأخرين إقتحموا الموقع بلا هدف وبلا معني فقط من اجل إثبات الوجود، حتي ان هناك من يستعين ببرامج لرفع نسبه مشاهدته على اليوتيوب للوصول الى الشهرة في لهفة ولقد شهدنا في السنوات الأخيرة انتشارًا واسعا لهذه الظاهرة بما يعرف بنجوم اليوتيوب أو مشاهير اليوتيوب بمختلف جنسياتهم وأعمارهم ولغاتهم وثقافتهم وإبداعاتهم.
ولكن دعونا لا نبخس الناس حقوقهم ودعونا نعترف ان هناك الكثير من الأشخاص أثبت أنه استخدم اليوتيوب بطريقة عبقرية وأوصل فكرته وهدفه ونجح في نزع أعجاب المتابعين ومنهم أيضًا من نجح في جذب متابعيه نظرًا لشخصيته الفريدة وحضوره المميز وعطاءه ولباقته والمعلومات القيمة التي يقدمها، وهناك كذلك نخبة من المخترعين المهتمين بالتكنولوجيا أوجدوا تقنيات متطورة تعتمد أكثرها على الخداع البصري فهؤلاء الشباب وغيرهم من النماذج المشرفة تربعوا على اليوتيوب وأثبتوا أنهم أسماء لامعة تستحق التقدير والاحترام والثناء، بل وكان اليوتيوب نافذة لهم ليظهروا للجميع ويتربعوا علي عرش هذا الموقع الذي كان شرارة البداية بإيجابياته وسلبياته.
ولكن هناك من جعل مواقع منشئ المحتوي مثل يوتيوب وغيره من المواقع الشبيهة منبرًا للتافهين والسخافات خاصة انه بلا رقيب علي ألفاظ تُستخدم في هذة الفيديوهات التي انتشرت مثل النار في الهشيم مُصدرة إلينا مصطلحات وكلمات قذرة وغير مرغوبة ولكنها سطعت في سماء اليوتيوب عربيًا بشكل عجيب بل ومرعب، وباتت مصطلحات علي ألسنة ابنائنا بل ومواقف مؤذية لا تهتم ولا تكترث ولا تراعي فتعرضت فيديوهات لحالات الموت والمرض والضرب والضياع بفيديوهات بلا قيمة وبلا فائدة وحتي غير مسلية ولا مقبولة أخلاقيًا او دينيًا، حالات تافهة لا يمكن حصرها، والعجيب انك ربما تجد من يصنع من هؤلاء نجمًا وبطلًا تستضيفه الفضائيات متجاهلين حجم الفراغ والضياع الكبير والانحطاط الذي صدره اصحاب هذه التفاهات للمجتمع، وبكل اسف وبداعي التقليد والبحث عن الشهرة والمال انتشرت أيضًا مقاطع ومقالب مسيئة من صغار السن يبحثون عن الشهرة بأتفه الاشياء وأسخف الطرق وآباء يرتكبون جرائم بحق أطفالهم على المواقع من أجل الشهرة والمال الذي يجنونه بشكل دوري وبأرقام مُفزعة، وبكل أسف أصبحت الشهرة عبر الانترنت سهلة ومباحة للجميع وباتت تقاس بكم الرقص والغناء والتطبيل والطرقعة والسخافات والمقالب والتفاهات بل افيحاءات القذرة أحياناً.
ورغم كل ما سبق من أضراراليوتيوب إلا انه كان برنامج يتطلب بعض الفكر لكي يتم تصدير الفيديو من خلاله الامر الذي تغير وأصبح أسهل مع غزو تطبيق التيك توك الاجتماعي وتطبيقات كثيرة مشابهة لمجتمعاتنا العربية في الفترة الأخيرة بقوة وحققوا في مدة لا تتجاوز السنتين انتشارًا كبيرًا في الدول العربية، خاصة أن مثل هذه المواقع ما هي إلا منصة على الانترنت يقوم مستخدميه بتصوير أنفسهم بفيديو قصير ونشره مع أصدقائهم لمشاركتهم لحظات حياتهم بكل سهولة ويضيفون اليه عدد من المؤثرات الصوتية والموسيقية مأخوذة من أغاني عربية أو أجنبية أو أفلام وغيرها من المواد المتوفرة عبر الانترنت، فلا اي مجهود سوي مجهود سوي من الحركات العجيبة التي لا محل لها من الإعراب يقوم بها مصور الفيديو لجذب متابعين ومشاهدين له وهي طريقة سهلة جدًا، إذ لا تتطلب سوى تصوير المستخدم لذاته لمدة 15 ثانية فقط لإبراز المواهب الدفينة التي يتمتع بها، حيث يتغذى مستخدمي هذا البرنامج على جرعات فارغة أكثر من التفاهة والسطحية والابتذال جرعات خالية تمامًا من فيتامينات مغذيه للروح والفكر والعقل.
لقد صُنعت تلك التطبيقات الغير مراقبة ولا هادفة أنسانًا غير مسؤول عن حياته انسان يقضي ساعات كثيره في العبث لا يهتم حتي بأهم إلتزاماته الحياتية أو اعباءه العملية والشخصية، إنسان يهدر وقته وعمره ومستقبله يشبع رغباته هو بتصدير مساحة من التلوث البصري الغير واع والغير لائق بعقولنا وفكرنا، فهدة التطبيقات ماهي إلا مساحة من نشر المحتويات التفاهة التي تخلق حالة من الفراغ والخواء بين الشباب دفعتهم للهث وراء الأضواء الزائفة للظهور، منعت هذة التطبيقات الانسان من ان يكون على تواصل مع العالم يتفاعل ويؤثر ويتأثر او حتي يعرض قضايا إنسانية واجتماعية يتطلع بها لحل مشاكل وهموم أمته وتطلعاتها بالمستقبل ويناقشها بل قيدته في محيطه الافتراضي غير مهتم بأي شيء،
والخطر الأكبر في مثل هذة التطبيقات يكمن في التأثير على النشء فهم الأكثر عرضة للتأثر بالأفكار الغريبة والمتطرفة بسبب قلة الخبرة خصوصًا في مرحلة بدء النضج، فنجد البعض مبهور بنجوم هذة المقاطع ينتظر ويتطلع لمشاهدة مقاطعهم الجديدة الخاوية فكريًا وإجتماعيًا ومعنويًا وثقافيًا فارغة إلا من سخافات غريبة علي مجتمعاتنا العربية، لتصنع منه بكل أسف إنسانًا فاشلًا أضاع حياته ومستقبله بجرعة زائدة من إدمان التيك توك والبرامج الشبيهة له.
وعقب رصدنا العديد من مقاطع تخالف العادات والتقاليد المجتمعية والقيم الانسانية، أري انه ان الأوان بل يجب على الحكومات محاربة تلك الافكار الغريبة عبر التعليم والتثقيف وسن قوانين تمنع التطبيقات التي تستغل المستخدمين لأجل الحفاظ على بيئة مجتمعية سليمة بعيدة عن السيطرة على العقول وإفراغها من الأشياء الهامة واستبدالها بهذة التفاهات، وكذلك علي الاسرة فرض رقابة أسرية صارمة من خلال تحديد التطبيقات المسموح بتحميلها عبر الأجهزة الذكية التي يمتلكها أبناؤهم لكي لا يكونون فريسة لمثل هذا الابتذال ويجب أيضًا تكاتف الجهود المجتمعية في نشر التوعية حول تلك التطبيقات وبيان فائدتها من دونه في الوقت ذاته.
لذا دعونا نُطلق دعوة لمقاومة وباء مقاطع الإنترنت ... وهوس الشهرة والثراء