انتشرت من جديد وعادت بل وطفت علي السطح ظاهرة الإقراض بالربا تحت عدة مسميات يستخدمها معدومي الضمائر وبائعي الخراب لأهالينا من المطحونين الباحثين عن قوت يومهم وربما ستر بناتهم، فيطل هؤلاء الشياطين والأبالسة من المرابين برؤوسهم في فترات الأزمات وضيق الحال، ولما لا وهم الذين باعوا آخرتهم بدنياهم ففقدوا أدنى معاني الإنسانية ونسوا الدين فرغم تجريم وتحريم كل الشرائع للربا إلا ان هؤلاء يبررون ما يفعلون ويبتكرون طرق تُحلله وكأنهم والعياذ بالله يكذبون عليه سبحانه وتعالي.
والمرابون، او بائعي المال هم أشخاص عرفتهم أمتنا على مدار تاريخها بل ولفظتهم وحرمتهم وجرمتهم ومعروف أن مهنة المرابي هي مهنة مرتبطة إرتباط وثيق بإسم "اليهود" فهم أساتذة ومصدري هذه الصناعة القذرة على مدار التاريخ، بل وهم من وضعوا قوانينها القذرة التي تستغل حاجة الناس وتأتي علي الأخضر واليابس مما يمتلك المقترض من أموال واصول ثابتة وأثاث وربما ينتهي به الامر داخل السجون.
فالمرابي هو من يقرض شخصًا يعلم جيدًا "بؤس حاله"، ويحصل منه على زيادة ولتكن ٣٠٪ كل شهر، أو ٥٠٪ أو أكثر فيمكن ان تصل لٰـ١٠٠٪ اي أن يكون الألف عليه ألف كالمصطلح السائد وربما أكثر، وهو أمر معلوم للجميع، وفي نفس الوقت يُكره المقترض المكسور المطحون على التوقيع على إيصالات أمانة وكمبيالات بأضعاف المبلغ، ليجبره علي سداد ما يريد لا ما عليه وهو أسوأ أنواع إستغلال لحوائج الناس، من هؤلاء الملاعين من المرابين.
وبسبب الظروف الاقتصادية المؤلمة التي مررنا بها، نجد كثيرون في وطننا الغالي، من أشقائنا الكرام طحنتهم الظروف ومالت بهم الأيام وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، واضطرتهم الظروف الحياتية كزواج الابنة او الإبن أو تعليم الأبناء والدروس أو علاج أم أو ابن أو زوجة، والكثير من الظروف التي نمر بها جميعًا ويوميًا نتعرض لها، اضطرتهم هذة الظروف وتلك المآسي أن يقعوا فريسة سهلة لهذا المرابي الذي لا يراعي في المحتاجين لا دين ولا ذمة.
ومنذ فترة طلب مني احد الأصدقاء التدخل للوساطة بين احد العمال لديه وبين احد تجار الربا وبالأمانة وبدافع ديني إنساني تدخلت فوجدت نفسي أتفاوض علي دفع ما يقرب من ٤٠ الف جنيه لأصل دين ٦ آلف جنيه نعم عزيزي القارئ وصل المبلغ بالفوائد لتعثر المقترض في السداد ١١ شهر لـ٤٠ ألف من أصل ٦ ألاف والعجيب ان المرابي ومحاميه الذي حصل وحده علي ٦ آلف جنيه يتحدثون عن حقهم وعن مايرضي الله ورسوله بل وتجدهم في الصف الأول في الصلاوات المفروضة في المساجد.
وهناك حالات أخري سُجن فيها العائل الوحيد ومعه زوجته أو أحد أبنائه لأن المرابين يجبرون رب الأسرة علي ان يضمنه احد أفراد الاسرة او أحد الأصدقاء المقربين وكم من قصص سمعنا عنها وعشنا بداخلها كانت لسداد ديون علي أسرة كانت كل ما تحلم به زواج ابنتهم وعجزوا عن السداد لان المبلغ كان كبير ومُبالغ فيه فإنتهي بهم الحال في السجن لتُشرد الاسرة بدلًا من ان يزوجون ابنتهم او ابنهم.
هذا الامر ينطبق بكل أسف على العديد من المؤسسات والبنوك، وتلك الجمعيات التي إنتشرت في شتي أنحاء مصر تحت عدة مسميات بهدف واحد تحقيق أرباح علي جثث المطحونين ومنافسة المرابين الأفراد وتحويل الامر إلي مؤسسات قانونية لتجارة الربا، تلك المؤسسات التي تاجرت بأزمات المطحونين، فتوسعت في القروض الاستهلاكية قصيرة الأجل (بضمان مرتب أو معاش)، بديلًا عن القروض الاستثمارية طويلة الأجل أو القروض الميسرة للمشروعات متناهية الصغر، بل ان هذه المؤسسات سارعت علي منافسة أشخاص المرابين في تنافس غير شريف علي مستهلك مُعدم كل ما يرجوه ان يجد من يساعده علي تجاوز أزمة مالية، وهي تجارة خاسرة بآلام البسطاء والمحتاجين، فما أبخسها من تجارة، وما أحقر من يعمل بها أو يدعمها.
وللأسف أصبحت هناك مدن ومحافظات بعينها مشهورة بتجارة الربا خاصة مع انتشار تجار سيارات النقل الثقيل والكاوتش بها ولن أذكر أسماء حتي لا أحُرج او أجرح أحد، وتعلمون حضراتكم ان هذا الكلام ليس وليد قصص نسمعها ولكنه واقع في مختلف مدن وقرى مصر، فقد وصل بنا الحال أن نعيش الردة في المعاملات نعم ردة وعودة لممارسات كانت قد انقرضت تقريبًا من مجتمعنا وانقرض وقُبِرَ من كانوا يمارسونها، بعد إنتشار الإسلام ومن قبله المسيحية.
وفي سورة البقرة، كلمات حاسمة ومرعبة لكل من سقطت قدمه في هذا المستنقع القذر، لربما تستيقظ إنسانيتهم ويعودوا إلى رشدهم ويصححوا أخطائهم، فقد قال تعالي "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا"
لو تمعن هؤلاء المرابون وفكروا ولو للحظة في حكم الله فيهم وعليهم، وهل يُدرك هذا المرابي معنى أن يأتي لك كسيرًا أو محتاجًا وتستغل انكساره، بدلا من أن تحتضنه وتخفف عنه بل وتزيد من حمله وتضاعف أزماته وتستحل ان تأخذ منه أضعاف ما تستحق لا لشئ سوي انه لم يمتلك وانت تمتلك، اري ان هؤلاء المرابين هم أشخاص ماتت بداخلهم كافة المعاني الإنسانية بل هم أشد خطرًا على المجتمع من غيرهم، فمن إستحل الربا إستحل كل شيء وأي شيء وتوقع منه أي شيء حتى بيع الوطن، فمن باع اخوته واستحلهم باع وطنه.
عزيزي القارئ وكما إعتدنا دائمًا عندما نبرز سلبية نبحث مع حضراتكم عن حلٍ لها ونشارك المتخصصين وأصحاب الفكر المستنير كيف السبيل للخلاص من تلك الظواهر التي آن الأوان ان تختفي من بيننا، فالدولة بمؤسساتها المعنية عليها تتبع هؤلاء ومحاسبتهم ومن السهل الوصول إليهم فهم معروفون في كل قرية، فهؤلاء أشد خطرًا على المجتمع من السارق، هؤلاء يعمقون من أزمات وجراح المجتمع، وفي العام الماضي أصدرت محكمة السنطة بمحافظة الغربية حكمًا تاريخيًا ببراءة المشكو في حقه وحكمت بالحبس علي صاحب إيصال الأمانة بعدما تيقنت هيئة المحكمة الموقرة من أنه تاجر ربا، وحكمًا مشابهًا في العجوزة بالجيزة مما يؤكد ان الدولة ترفض وجود هؤلاء التجار وهذة النوعية من التجارة.
أما نحن فمن الان واجبنا نصحهم أولا، فإن لم يستجيبوا، وجبت مقاطعتهم تمامًا اقتصاديًا وأسريًا بعدم الزواج منهم او تزويجهم او التجارة معهم، وإبلاغ الجهات الرقابية عنهم لربما يعودوا إلى رشدهم، والحقن قبل فوات الأوان.
وأيضا رؤساء مجالس إدارات البنوك التي توسعت في القروض الاستهلاكية مثل تلك التي تتم بضمان المرتب والمعاش وما شابه، عليهم المراجعة الشاملة لان التوسع في هذا النوع من الإقراض لا يضيف للاقتصاد ولا المجتمع، ليتهم ينشغلوا بتقديم القروض الإستثمارية الصغيرة والميسرة، عندها ستكون البنوك بحق مؤسسات داعمة للإقتصاد الوطني، وأن تكون القروض المُيسرة بفائدة صفر٪ لأصحاب الدخول الصغيرة وأصحاب المشروعات المتناهية الصغر وهي سياسة إقتصادية رغم كونها إسلامية إلا أن كل الدول حتي غير الإسلامية التي طبقتها قل فيها مُعدل التضخم وتعافي إقتصادها.