محمد فودة يكتب ناعياً فقيد الصحافة: علام عبد الغفار.. وجه بشوش وابتسامة لا تغيب
◄ تلقيت خبر وفاته كالصاعقة واعتصر قلبى بـ"وجع الفراق"
◄ سيظل يعيش بيننا بسيرته الطيبة وأخلاقه النبيلة فالسيرة أطول من العمر
◄ أفنى حياته مخلصًا لـ"صاحبة الجلالة" وظل حتى آخر لحظة وفيًا لمهنة "البحث عن المتاعب"
على الرغم من يقيننا بأن الموت هو الحقيقة الوحيدة المؤكدة فى هذه الحياة، فإن مرارة الشعور بالحزن والألم الذى يسببه الموت حين يخطف أحباءنا فى لحظات يخطفنا بكامل إرادتنا ويلقى بنا فى دوامة الحزن ولوعة الفراق، فقد أحزننى ووجع قلبى رحيل الأخ والصديق العزيز الغالى الصحفى علام عبد الغفار، رئيس قسم المحافظات، فى "اليوم السابع" الذى وافته المنية منذ أيام قليلة بعد صراع قصير مع المرض. وهناك فرق شاسع وكبير جدًا بين أن تقرأ أو تسمع خبرًا عن الموت والفراق، وأن تعيش بنفسك تلك اللحظات الصعبة والقاسية التى تترتب على هذا الموت وذاك الفراق. فهى لحظات وإن اختلفت فى أشكالها إلا أنها فى نهاية الأمر تشكل صورة قاتمة تكسوها مرارة الفراق والإحساس بكسر القلب من شدة التأثر بفقد عزيز وغالٍ أو برحيل أقرب الناس وأحبهم إلى قلوبنا. ولم يكن علام عبد الغفار أو "المبروك" كما كان يحلو لى أن "أناديه" بالنسبة لى مجرد صحفى تعاملت معه عن قرب لسنوات طويلة، بل كان نعم الأخ والصديق، الذى أقل ما يوصف به أنه كان "قلب أبيض" يسير على قدمين حتى إننى كنت دائمًا أقول له أنت "بركة"، فوجهه بشوش وملامحه طيبة معجونة بطيبة أهل الريف وجدعنتهم، وبعيدًا عن ذلك فقد كان مثالًا للصحفى المحترم المهنى حتى النخاع، وهو فوق كل ذلك يعكس شخصية "ابن البلد" الشهم، فمواقفه المحترمة الراقية جعلته يستحق لقب "أبو الرجولة" الذى لا يعوض، ولعل وفاة علام عبد الغفار ذكرتنى برحيل أعز الناس إلى قلبى والدتى وشقيقاتى.
فقد تجرعت مرارة الفراق على شقيقاتى بشكل كبير، ويعلم الله أنهن كن يحملن بين ضلوعهن قلبًا اجتمعت فيه أحلى صفات فى الدنيا وهى حنان الأم وطيبة قلب الأخت، فتحولن مع مرور الأيام إلى مصدر مهم من المصادر التى تمنحنى القوة والقدرة على مواجهة أنواء الحياة، فكما هو معروف أن العلاقة التى تجمع بين الأشقاء تعد بكل تأكيد علاقة من أنبل وأرقى العلاقات الإنسانية وأعظمها على الإطلاق حيث تأتى فى المرتبة الثانية بعد العلاقة التى تربط الشخص بوالديه، فالأشقاء تربطنا بهم صلة الدم التى تفرض الكثير والكثير من المعانى النبيلة والجميلة بداخل كل منا، وكما شعرت بوجيعة الفراق على أغلى الناس من أهلى، شعرتها كذلك برحيل علام عبد الغفار الذى ضرب مثلًا رائعًا للعمل الطيب عقب وفاته. وعلى الرغم من إيمانى التام بأننا لا نملك لأنفسنا شيئًا فإننى لا أقول إلا ما علمنا إياه ديننا الحنيف وحثنا عليه سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد بأن نقول ونحن نواجه مثل هذا المصاب الأليم: قدر الله وما شاء فعل، لأننا لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نهرب من أقدارنا التى كتبها لنا الخالق جل شأنه، فنحن نعلم أن الموت حق فقد كتبه الله على سائر البشرية وأعلم أنه لا راد لقضاء الله ولكن أعلم علم اليقين أن الله رحمته وسعت كل شيء وهو ما يدفعنى الآن لأن أرفع أكف الضراعة سائلاً المولى عز وجل أن يغفر لعبده الضعيف علام عبد الغفار ويرحمه ويجعل قبره روضة من رياض الجنة وينزله جنة الفردوس قدر عطائه ووفائه وقدر ما كان يحمله قلبه النقى من سماحة وطيبة حيث لم يكن يحمل فى قلبه أى ضغينة لأحد بل كان معطاءً ووفيًا، وهذا ظهر بعد رحيله فالحزن وضح وظهر على الجميع فى الوسط الصحفى والإعلامى، ولقد سعدت باحتفاء مؤسسة "حياة كريمة" بالراحل، حيث قررت المؤسسة إنشاء مكتبة باسم الراحل، وذلك فى مسقط رأسه بمحافظة الفيوم، تقديرًا من مؤسسة "حياة كريمة" لجهود الراحل وعرفانًا بما قدمه خلال رئاسته لقسم المحافظات باليوم السابع من جهود كبيرة للمشروع القومى "حياة كريمة" من رصد وتغطية مستمرة للمبادرة الرئاسية وأنشطتها وما تقدمه للمواطنين من خدمات متعددة للتخفيف عن كاهل المواطنين بالقرى الأكثر احتياجا فى كافة محافظات الجمهورية وتوفير الحياة الكريمة لهم.
ولعل ما استوقفنى أمام رحيل "الغالى" علام عبد الغفار إنه لا شيء يستحق أن نهدر أوقاتنا وأحلى أيام حياتنا فى المهاترات والمشاحنات والخلافات التى تأتى دائمًا من أتفه الأسباب، وليتنا نهيئ المناخ الصحى بداخلنا للمشاعر النبيلة والأحاسيس الصادقة وأن نتخذ من الحب دستورًا نهتدى به، فلا شيء يعادل الإحساس بنعمة الهدوء النفسى، خاصة بعد أن تحول الوفاء والإخلاص لعملة نادرة. لقد أثبت الراحل علام عبد الغفار أن السيرة أطول من العمر، فها هى سيرته تتحدث عنه بكل صدق بل إنها ستظل باقية بيننا فهو وإن كان قد رحل عن دنيانا بجسده إلا أن روحه الطيبة وسيرته العطرة ستظل تعيش بيننا لتكتب له عمرًا آخر يليق بشخص أفنى حياته مخلصًا لعمله حتى الرمق الأخير، ومن ينظر إلى سيرته الذاتية وكفاحه وطموحه سيعرف أنه من الكادحين فى الأرض، حيث التحق الزميل الراحل علام عبد الغفار، بالعمل في مؤسسة اليوم السابع قبل نحو 14 عامًا، تدرج خلالها بين أقسام المؤسسة المختلفة، وبرز نجمه فى قسم الأخبار بداية عمله، من خلال تغطيته المتميزة لأخبار محافظة الجيزة، وتقديمه عددا من التحقيقات الصحفية البارزة واهتمامه بهموم ومطالب أهالى محافظة الجيزة، أهلته لأن يحجز مكانه بين كبار الصحفيين فى مصر، فقد كان يتنقل ميدانيًا لرصد شكاوى ومطالب الأهالى فى كافة مدن المحافظة. وكفاءة الزميل الراحل علام عبد الغفار أهلته لأن تتخذ مؤسسة اليوم السابع قرارًا بترقيته نائبًا لرئيس قسم المحافظات، ومن خلال خبرته فى العمل الصحفى وممارسته الميدانية قدم العديد من الأفكار والتحقيقات والملفات الصحفية لكافة الزملاء المراسلين فى المحافظات، ثم ما لبث أن تمت ترقيته رئيسًا لقسم المحافظات ليقدم أكثر وأكثر فى هذا القسم الهام، إلى جانب المهنية والكفاءة فى العمل الصحفى كان الزميل الراحل علام عبد الغفار مشهودًا له بالأخلاق الرفيعة، وحسن التعاون مع الزملاء فى العمل، وعدم المشاحنة أو المخاصمة.