عزيزي القارئ كل عام انت بكل الخيرات كل عام ومصرنا الغالية بخير وأمان صحة وعافية وإشراق ودائمًا مصدر فخر لنا وستكون لأبنائنا كما كانت لآبائنا وأجدادنا ها نحن في عيد الفطر المبارك الله أسأل أن بعيده علي حضراتكم بالخير واليمن والبركات وألا يأتي العيد القادم إلا وقد رفع الله عنا الوباء والبلاء والغلاء وردنا إليه سبحانه ردًا جميلًا انه ولي ذلك والقادر عليه.
وانا اتجول في شوارع مصرنا الغالية خلال العشر الاواخر من شهر رمضان المبارك، وكلما دخلت شارعًا صغيرًا او كبيرًا خاصة في القري والمراكز الصغيرة، اشتم رائحة المخبوزات الخاصة بالعيد نعم هو كعك العيد الذي ما تبدأ في شم رائحة هذة المخبوزات التراثية الرائعة في الشوارع إلا وستعرف انك قد إقتربت من الاحتفال بالعيد وخاصة عيد الفطر المبارك وبالطبع لكل منا ذكرياته مع الكعك فمن منا لم يجلس في صغره في هذا التجمع الرائع من سيدات العائلة لعمل الكعك وما شابه من قرص العجوة والملبن والقراقيش والبسكويت والبتي فور والغريبة في المنزل، ومنا من كان يحمله إلي الافران والمخابز سواء البلدية عند الجيران او في منزله او الفرن القريب من المنزل ليعود بعد عدة ساعات بالمخبوزات إلي المنزل مثل القائد المظفر العائد من معركة حامية الوطيس شاعرًا بلذة الانتصار منتظرًا بفارغ الصبر أذان المغرب ليتذوق طعم المخبوزات التي بينه وبينها حب من طراز فريد لا يمكن لأحد ان ينسي هذا الشعور بهذا الانجاز، ولا يمكن ان ينسي طعم مخبوزات منزلهم علي أن يقارنها بجميع ما سيُعرض عليه من مخبوزات الاهل والجيران والاقارب والاحباب فالجميع كان يُرسل مخبوزاته للجميع ويستقبل من الجميع ذاك العالم البعيد القريب الذي كنا نعيشه مستمتعين بعراقة وآصالة وتاريخ كل شيء واي شيء فكان لكل شيء طقوسه ولكل عمل أصول يحترمها الجميع.
كعك العيد أو كما يُطلق عليه فى اللهجة المصرية "كحك العيد"، هو أبرز ما يُشعرك باقتراب عيد الفطر المبارك، ويبقى طقوس صناعة الكعك وأبرزها لمة العيلة والجيران أهم ما يميز هذة العادة ويُحافظ عليها من الإندثار، فصناعة الكعك العادة التي توارثها المصريون عبر أجيال، أخذت عدة أشكال أبرزها أنه يمثل أيقونة الفرحة عند المصريين، وفي الغربية لا يرتبط الكعك بالعيد فقط، فمواطني مصر يصنعونه في الأفراح أيضًا، إضافة إلى البسكويت وأنواع أخرى من مخبوزات العيد، فكعك العيد ليس مجرد طعام عند المصريين بل هو مصدر من مصادر السعادة وإظهار الشعور بها بل وأحينًا رمزًا للتعبير عن الحب والتقدير لأشخاص بعينهم فيم صناعته لهم فى غير وقته مثل صناعة القراقيش للمسافرين للخارح أو للمقمين فى المدن الكبري من أهلهم فى القرى.
وهناك رويات وحكايات تؤكد أن المصريين القدماء هم أصل الحكاية أى أن هذة العادة ترجع لـ5000 سنة، فكانت البداية الحقيقية لصناعة الكعك، تحديدًا أيام الفراعنة القدماء، فقد اعتادت زوجات الملوك على تقديم الكعك للكهنة، القائمين على حراسة الهرم خوفو، فى يوم تعامد الشمس على حجرة خوفو، كنوع من الفرحة والإبتهاج، ولذلك إرتبط الكعك بالأفراح لدينا، وفى مقابر طيبة ومنف صور ورسومات، من بينها صور تشرح أن عسل النحل كان يُخلط بالسمن، ويقلب على النار ثم يضاف على الدقيق ويقلب حتى يتحول إلى عجينة يتم تشكيلها، ثم ارتبط الكعك بعيد الفطر فى ظل العصور الإسلامية، وأهمها "الطولونيين" الذين كانوا يصنعونه فى قوالب خاصة، حتي وصل للشكل الحالي المتعارف عليه.
فعلى لسان أمي بعد أمي حماتي الحاجة عزة بلوزة، وهى التي تُصر سنويًا على صُنع جميع مخبوزات العيد، قالت كما وجدنا وعلمنا أهلنا فى السابق نقوم بعمل مخبوزات العيد فهي عادة سنوية ما حييت، وكنا قديًما نُقسم أيام الشهر الفضيل ونذهب لكل بيت من الأقارب والمعارف والجيران يوم من أيام الشهر لنقوم بعمل ما يحتاجه هذا البيت ونساعد جميعًا فى العجن والحشو والنقش، ونحمل الصاجات إلى الفرن، ونعود به بعد النُضج وكأننا قد حققنا أنتصار كبير، ولكن المجهود أصبح أقل مع إنتشار الأدوات الحديثة والأفران الحديثة، فتسطتيع تحضير المكونات والذهاب بها للفرن الألى والذى يستخدم عجان آلى وكل مشتملانه آلية، وتعود به فى شكله الأخير جاهز للأكل".
واكملت حكايتها لى أن المرأة المصرية هي أول من تفنن في اتقان وتغيير الشكل التقليدي للكعك، فمكونات صناعة الكحك والبسكويت من دقيق وسمن ولبن وخميرة ومكسرات أو ملبن أو عجوة ويتم خلطها بمقادير مُحددة حسب حب الأسرة لهذة الأنواع، مؤكدة أن شئ فى الوصفة السرية لصناعة الكعك، هي مساعدة جميع أفراد الأسرة من كبار وصغار فيه، ودورهم في تحضير الصاجات وإعداد أدوات صناعة الكعك ومشاركة الأطفال، ثم حملها للأفران للتسوية والعودة بها، ففرحة العيد لا تكتمل إلا بالكعك، ولا نشعر بقدومه إلا إلا بهذة الطقوس لتبقى عادة يتوارثها الأجيال كما توارثنها من أهالينا، أن مشهد السيدات فى المنازل يشكلون كافة أنواع المخبوزات، ما بين نقش وحشو وما شابه، هى مناظر لا يمكن أن تمحى من ذاكرة كل المصريين، وكذلك حمل (الصاجات) والخروج بها لتسويتها فى الأفران العمومية الكبيرة، والتى كانت تعمل بالمازوت والسولار والفحم، أشياء شكلت شخصياتنا وجعلتنا نعشق التعاون مع الغير ونحمل همومهم.
نعم كعك العيد ليس مجرد أكل بل ذكريات وحكايات وأساطير يحكيها الكبار للصغار لنتوارثها جيل بعد جيل ولكن هناك ما هو أهم من الكعك -ورغم عشقنا جميعًا لهذة الطريقة في الإحتفال-، توقفت أمام جملة قالتها لى هذة السيدة الفاضلة هى"أشياء شكلت شخصياتنا وجعلتنا نعشق التعاون مع الغير ونحمل همومهم"، وهذا هو الأهم والاسمى ولذلك فأنا اليوم أذكر حضراتكم بهذة الأحداث التى عشناها جميعًا، وأركز على حمل همومنا بعضنا البعض فماما أحوجنا لأن نعود لانسانيتنا المسروقة والمهزومة، هناك من هم بيننا ممن وصفهم الله من فوق سبع سماوات بـ"يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ، تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ، لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا، وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيم"، هؤلاء الناس إن لم تكن سألت عنهم وبحثت عنهم فبادر واطرق أنت أبوابهم وإصطحب أولادك وانحني لهم لأن الله ذكرهم من فوق سبع سماوات أى إنحني لله أن تطيعه فيهم أدخل السرور والسعادة على قلوبهم، وعلى قلبك أنت قبلهم، فما أعظم متعة العطاء الذي لا يتبعه من ولا اذي، إذهب إن لم تكن ذهبت من قبل وأحمل معك كل ما تستطيع من ملبس ومأكل وأموال وفوقه الكعك، وإن كنت ذهبت من قبل فإذهب هذة المرة لإدخال البهجة عليهم بـ"كحك العيد" وماتنساش العيدية.