وسط ظروف مُعقدة وتحديات كبيرة جراء ما يحدث فى السودان الشقيق من صراع وأحداث مؤسفة - نتمنى من الله عز وجل أن يحفظ أشقاءنا وينعم عليهم بنعمة الأمن والاستقرار - جاءت تحركات الدولة المصرية وموقف قيادتها السياسية على كافة المستويات محل تقدير واحترام من الجميع، بل أعطت دروسا عدة للجميع فى القدرة والاستطاعة وهو ما أكدته خطة تأمين المصريين العائدين من السودان، ومشاهد عودة المصريين والدور الناجح فى إجلاء الرعايا من خلال توفير كافة سبل الحماية والأمان لهم لحين عودتهم إلى وطنهم سالمين.
وهذه التحركات السريعة والمقدرة تؤكد أن مصر لا تغفل أبدا عن رعاية أبنائها مهما كانت الظروف والتحديات، وبإمكانها توفير مظلات الحماية لهم فى أى بقعة على وجه الأرض بما تمتلكه من نفوذ وعلاقات وأدوات فاعلة وأجهزة على مستوى عالٍ من الكفاءة والخبرة والقدرة، وهذا لا يتأتى إلا من خلال وجود رؤية واضحة للقيادة السياسية من جهة، والكفاءة والخبرة للسلطات المصرية من جهة أخرى، وهذا ما شاهده العالم خلال مشاهد العودة وفرحة المصريين وكفاءة الأجهزة فى عمليات الإجلاء، ويقظة مصر التامة تجاه ما يحدث، خاصة أن هناك من يُريد أن يختلق أزمة لمصر فى ظل هذه الأحداث من خلال الاصطياد فى الماء العكر، أو تزييف الأخبار، وبث الشائعات من أجل خلق حالة عدم رضا فى المجتمع المصرى أو جر مصر للانزلاق فى الصراع دون داعٍ.
لذا.. جاءت إشادات بتحركات السلطات المصرية المحسوبة والمسئولة، وهذه الإشادات لم تأت من فراغ إنما لنجاح مصر فى وضع خطة عاجلة وواضحة لتقييم مدى المخاطر للرعايا وفقا للمستجدات، فبدأت بسياسة خارجية واضحة تؤكد احترام شئون الدول الداخلية، وتتبنى دور الوساطة ومد يد الخير والسلام للجميع، وتؤكد على حقوقها مهما كانت الظروف، وكذلك حرصها على حماية المواطن المصرى مهما كان موقعه، وهذا رأيناه خلال سعى دؤوب لمعرفة أماكن الرعايا وخاصة الطلبة، وكان أول إجراء دعوة الطلاب المصريين فى السودان إلى ملء استمارة التسجيل الإلكترونية، والتى تم إرسالها من خلال مجموعات التواصل التى تم إنشاؤها خصيصا للتواصل المستمر مع المصريين فى السودان لمتابعة أوضاعهم وأى مستجدات تطرأ على الوضع لسرعة التدخل، إضافة إلى تعاون كافة مؤسسات الدولة مع وزارة الخارجية فى متابعة وتقييم أوضاع المصريين فى السودان استنادا بالأساس إلى تقارير ميدانية يومية تعدها السفارة المصرية بالخرطوم وكافة الأجهزة والسلطات المصرية المعنية. واعتقادى أن هناك درسا آخر لا يقل أهمية، هو أن مصر تتعامل مع المواطن المصرى باعتباره المعادلة الأهم والأكثر اهتماما ورعاية من قبل القيادة السياسية سواء كان يعيش داخل الوطن أو يقيم خارجه، وأن حجم الدول يظهر وقت الشدائد والأزمات والمحن، وهو ما يظهر جليًا فى التعامل مع المشهد السودانى الآن، وما ظهر أثناء أزمات سابقة عديدة، حيث يكون أمن المواطن المصرى وحمايته وكرامته على قمة الأولويات وخطا أحمر، ونموذج ما حدث أثناء استعادة مصر أبناءها من كل دول العالم خلال جائحة كورونا، وخلال تصاعد وتيرة الحرب الروسية -الأوكرانية، إضافة إلى أن الجميع أصبح يدرك قيمة وأهمية الموقف المصرى وذلك بعد أن طلبت دول وساطة مصرية لعودة رعاياها إلى أوطانهم من السودان وهذا خير دليل على قوة الموقف المصرى.
والمتتبع للمشهد السودانى، يرى أن قوة الموقف المصرى ترجع إلى حكمة القيادة السياسية وإلى العلاقات القوية التى تربط مصر بالسودان سواء كانت روابط ثقافية أو اجتماعية أو فكرية، وبالتالى فإن الأمن القومى السودانى جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى، لذا فإن الجميع يدرك تماما الآن أن مصر مفتاح مهم لتهدئة الأوضاع بالسودان.