ما ان تُطالع احد مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة إلا وستجد الكثير أولئك المتنطعين الذين نصبوا من انفسهم قاضيًا وجلادًا راحوا يكيلون التهم ويحكمون علي من ليس علي شاكلتهم وينعتونه ويصفونه بما ليس فيه لا لشيء إلا لعدم اتفاقه معهم في اعمالهم حتي وإن كانت اعماله طيبة ومشروعة، وعلي الجانب الآخر تجد نفس الأشخاص وبنفس المعطيات والدوافع والآساليب القذرة يمجدون ويسبحون بحمد من لديهم مصلحة لديه، أولئك يسعون في الارض فسادًا متخذين من مواقع التواصل ستارًا يختبؤن خلفه يقلبون الحقيقة كذب والكذب حقيقة يحاولون كسب تعاطف وموافقة العامة علي موضوعات وأفكار وإتجاهات أبعد ما تكون عن الحقيقة وضد كل مبادئ مجتمعاتنا رغبة فقط في كسب مكانة والوقوف بين الناس كأصحاب فكر أو قلم حتي ولو بالخداع والكذب والبناء علي جثث الشرفاء بالنيل منهم، فليس لديهم أي مشكلة ان يشوهوا سمعة شريف لأنه إختلف معهم أو وقف في جانب الحق عندما كانوا يساندون الباطل معتمدين علي مواقع التواصل التي تتقبل الكذب، وعلي ثقافة متابعيهم الذين أظهرت مواقع التواصل الاجتماعي أن العديد منا في حاجة للعودة للمرحلة الابتدائية أو ربما الكُتاب ومعرفة أصول اللغة العربية وكيفية الكتابة.
وعلي شاكلتهم تحد المُصر وجهة نظره من باب العناد والمكابرة وهو ما يجعله غير قادر على رؤية الحقيقة والتعامل معها حتى ولو كانت واضحة وضوح الشمس، وبعضهم يُصر على رأيه من باب المعارضة فالمعارضة لدينا في الوطن العربي معناها انه يجب أن ترفض وتعترض بغض النظر عما ترفضه أو ما تعترض عليه وحتي وإن كان مفيدًا وجيدًا ومناسبًا للوطن والمواطن ولكنك ترفض من اجل الرفض وتجد أبطال الرفض والمعارضة دائمًا يتصدرون بل يختبؤن داخل وسائل التواصل الاجتماعي ماجعل الناس تُطلق عليهم (الفيسبوكيين) والمعارضة والرفض هنا من باب (خالف تُعرف)، رغم ان الحقائق لاتحتاج إلى عناد ومكابرة ومن يفعل ذلك خاصة في عالم السياسة فهو مصاب بالعمى الإجتماعي والسياسي ومصيره الإنكفاء والتراجع والخسارة والبقاء خلف الشاشات باقي حياته والحقائق كذلك لا يمكن التعامل معها بمنطق المعارضة الدائمة بل يجب أن نتعامل معها بمنطق الوعي لهذه الحقائق وأسباب الوصول لها فلو كانت هذه الحقائق إيجابية يتم البناء عليها ولو كانت سلبية يجب معرفة الأسباب التي أدت للوصول لها ومن ثم إيجاد أفضل الحلول للتعامل معها
وبما ان الجميع يجلس خلف الشاشات يتابع الاحداث فما المناع من المشاركة الفعلية في صنعها ولكن بعد أن تتعلم كيف تشارك فمن غير المعقول أن تبني حياتك ومعتقدات وقناعاتك من خلف شاشة علي موقع إفتراضي لتُقنع نفسك انك اصحبت صديق المشاهير او ربما معشوق الجماهير، ولعل تجارب عديدة قد حُكم عليها بالفشل لأن صاحبها ظل خلف شاشته حبيسًا ثم قرر فجأة النزول لأرض الواقع دون تعلُم وتدرب كما فعل خلف شاشته، بل وتوقع أن الأمر بسهولة نيل إعجاب او تعليق، والدليل بعض الشخصيات ممن لديهم صفحاتها بها تفاعل كبير فشلوا في إنتخابات نيابية في محافظاتهم ولم يحصلوا حتي علي أصوات الناس كما الحال علي مواقع التواصل الاجتماعي، لان هناك فرق كبير بين أولئك الذي ينتزعون الإعجابات والتعليقات والمتابعات مباشرة من الناس وهم معهم متواصلين حقيقة واضحة وبين من هو خلف الشاشة ربنا ينقل فكر آخر لمجرد أنه قرأه وهو لا يعلم عنه شئ فما أكثر سرقة الافكار في عصر السموات والاقمار المفتوحة وربما تجده يدافع عنها بإستماته رغم أن صاحب الفكر الأساسي قد عدل منه أو ربما غيره من الأساس.
.
وبكل اسف بات من الصعب تثبيت الحقائق والتعامل معها في ظل (ثوار فيس بوك) و(مجاهدو توتير) و(محاربو انستجرام) أولئك الذين من الممكن أن يكونوا يساريين جدًا أو يساريين ويمينين متقاعدين ومن الممكن أن يكونوا إسلاميين جدًا أو قوميين جدًا ولكنهم بالأغلب يعانون من الفشل والإحباط وعدم القدرة على تحقيق أحلامهم ولهذا تجدهم يعيشون في عالمهم الافتراضي الذي يمنحهم الفرصة ليكونوا أبطالًا في عدد "اللايك" وفقط من خلال قاعدة خالف تٌعرف التي لا تعترف بحقائق، فكل مواقف أبطال التواصل الاجتماعي هي لإرضاء الذات وللهروب من حالة الفشل والإحباط والعزلة على قاعدة خالف تٌعرف وربما خالف تُشهر، ببرامج العالم الإفتراضي يجد الكثيرون مساحة لهم لكي يستعرضوا إنجازاتهم ويتحدثون عن أحبتهم ونوع من التفاخر فيما حققوه من انجازات تافهة واحيانًا وهمية او إعلان الحب لصديق افتراضي وحتى التعبير عن آراء فكرية وسياسية وهو ما يُنتج لهم نتائج علي عكس الحقيقة وتجعلهم يعتقدون ماليس له فتجد ابطال وهميون أبطال من ورق إن جاز التعبير يعتقدون ما ليس فيهم بل وينصبون من انفسهم ابطالًا علي اتباعهم.
وعلينا التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي علي أنها حياة افتراضية، وبخاصة على صعيد المشاعر حيث يعيش الإنسان كينونته الاجتماعية بطريقة غير حقيقية وهذا من شأنه أن يقلل من الإنتاجية الحقيقية على حساب الإنتاجية الافتراضية الوهمية والتواصل الإفتراضي تواصل كمي لا نوعي والمقارنات عبره تفتقر إلى الشفافية والطبيعية لأن الشخص يبحث عن طريقة يظهر هو من خلالها أعدها وأدارها وكونها بنفسه لتكون خيارات متاحة أمامه يختار منها ما يُحب أن يُظهره للناس أما على أرض الواقع فالأمر مختلف.
وخاصة في غياب للقواعد خصوصًا في المجتمعات العربية مواقع التواصل الاجتماعي واستخدامها وُضعت بأصول ولها طريقة في التعامل معها وغياب العلم بهذه القواعد في أي مكان يؤدي لتكوين ملامح شخصية لا يعلم حقيقتها الآخرون لانهم مرتبطون عبر الشاشات وبالوقت وعند التعامل علي ارض الواقع تكتشف جوانب سلبية في هذة الشخصيات حيث ارتبطت الشخصية بالحصول على تعليقات ومتابعة وتفاعل وليس بالضرورة أن يحصلوا على انتباه من أصدقائهم الحقيقين فالمهم هو دغدغة عواطف من لا يعرفهم شخصيًا فنشر الإنجازات والأنشطة الاجتماعية والحياة اليومية يحصل على أكثر عدد من الإعجاب والتعليقات وهو شئ يعزز الايجابية (الفيسبوكية) والاهتمام وقدرتهم على تحقيق ما يسعون إليه من انتشار وهمي فالواقع البديل أو الافتراضي يأتي بعقلية ولغة مختلفين ولكن المجتمع ما يزال كما هو في مشاعره وتواصله وطريقة تعامله ومن هنا فأي مشاعر من الواقع لهذا العالم البديل تبتعد عن الحقيقة وعن المواجهة والمصارحة، وتصبح أشبه بطريقة هرب وتجنُب للمواجهة.
وعلي كل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي عمومًا و"فيس بوك" على وجه التحديد أن ينتبهوا إلى تأثيرهم على التفاعل المحيط به وبالعائلة والأصدقاء وإن اختيار الكثيرين الامتناع عن عدم استخدامه مرتبط للكم الكبير في ضخ المشاعر السلبية وتدني احترام الذات الذي يمكن أن ينجم عن مقارنة الإنجازات الخاصة بك مع الآخرين ما جعل هذه الوسائل مصدرًا للمعاناة بدلا من الفائدة والترفيه.
ويبقى "فيس بوك" وغيره من المواقع والبرامج مجرد واجهة غير حقيقية فالعالم الإفتراضي يختلف عن الحقيقة هو مجرد أداة للتواصل ليس إلا وان صنع أبطالًا سيكونون ابطال إفتراضيين يمكن تسميتهم بـ"ثوار فيس بوك ومجاهدو توتير محاربو انستجرام".