علي مدار آخر عقد زمني حدثت تحولات سياسية وإجتماعية وإقتصادية عديدة عصفت بمصر فى محاولات عديدة لزعزعت وجدان الإنسان المصري وصمدت وتستمر في الصمود الهوية المصرية العريقة أمام كل التحديات في محاولة مستمية للحفاظ علي شكلها وملامحها ومضمونها ولا تزال تتلمس الطريق خلف قيادة سياسية حكيمة تعيد التأكيد علي هذه الهوية الوطنية المصرية الجامعة وتنبذ الهويات والأيديولوجيات الغريبة في إطار جمهورية جديدة بمبادئ وقيم جديدة ترتكز علي أسس وثوابت راسخة منذ آلاف السنين لتعيد إحياء الآمال والطموح، ولتبدأ صفحة جديدة من صفحات تاريخنا الوطني المعاصر الذي يُعاد بناؤه من جديد في عدة محاور وعلي عدة مراحل وفي اكثر من إتجاه وتبقي المعركة الأشرس والأصعب هي معركة إعادة بناء الوعي والحس الوطني للشباب والكبار علي حد السواء وإن كانت المرحلة تحتاج إلي حماس وفتوة الشباب فإنها بحاجة ماسة لخبرات الكبار وحكمتهم ورغبتهم في تسلم الوطن لمن خلفهم كما إستلموه من عاشقين له مُقدرين معني القومية والوطنية عاشقين لتراب الوطن الغالي.
فعل مر العصور في مصرنا ظلت النخب السياسية بشتي إنتمائاتها لديها شعور بالزهو والفخر بالتراث التاريخي لبلدهم فلم يكن أبدًا هناك إجماع أن مصر وليدة حضارة بعينها أو ريثة تراث واحد فقد دارت جدالات فكرية بين مفكري ومثقفي مصر علي مر العصور بين من يؤيد مصر الفرعونية وآخر يراها عربية وثالث يرها شرق أوسطية وتشترك مع دول البحر المتوسط في الثقافة والتاريخ لقد شكلت هذه الجدالات بين كبار المثقفين والأدباء وجهًا أدبيًا وإبداعيًا خاصًا أضاف لمصر ولم ينل منها وساهم في تحديد ملامح الشخصية المصرية ورفع وعيها بتاريخها وحضارتها وإعتزازها القومي الذي ينبغي أن تنظر به إلي ذاتها فالهوية المصرية هي أم كل الهويات وهي تاريخ كل الأمم وهي عنوان كل الحضارات وهي دليل كل باحث وهدف كل مُتطلع ومقصد كل قاصد للعراقة والأصالة والحضارات علي مر العصور، ولعلني اكون متحيزًا لبلدي وأنا اكتب هذه الكلمات ولما لا فنحن شعب نشأ علي عشق تراب هذا الوطن ونؤمن ان كل حبة تراب فيها يستحق منا ما هو أكثر من دمائنا وأورواحنا.
وعرفت الشخصية المصرية على مدار التاريخ بأنها شخصية شديدة الارتباط بالأرض والوطن صابرة واعية ذات إرادة صلبة وصاحبة قيم وأخلاق رفيعة، شخصية تعشق التضحية في سبيل الوطن والأمثلة عديدة ولو تحدثنا عن أمثلة نحتاج لمجلدات لأشخاص خلدهم التاريخ، وفي خضم جمهورينا الجديدة التي نسعي جميعًا إليها نجد أن الهوية الوطنية هي أحد العناصر الأساسية للدولة الحديثة لأن إنتماء الناس للوطن يقوم على انتمائهم إلى هويتهم الوطنية وتشكل قضية الوعي بهذه الهوية أحد أهم ملامح تعزيز هذا الانتماء فتحديد الهوية الوطنية وبناء الانتماء القومي أمر حاسم بشكل خاص للاستقرار الاجتماعي والتنمية الاجتماعية، ولكن مع العصر الحديث وتلك الحروب الشرسة من النوع الجديد فتحولت قضيتنا الأولي في مصرنا لقضية تنمية الوعي ولابد أن نتكاتف ونقدم كل الدعم لكل ما من شأنه رفع وعي الإنسان المصري الذي يشكل الجدار الأول ضد العبث بمقدرات ومستقبل الدول، فالأيام تمر وتتعاقب السنوات وتتبدل الأفكار والأشخاص وتتغير أشكال الصراعات والحروب التقليدية التي اعتدتنا عليها في الماضي حيث إنها تحولت اليوم إلى حروب غير نمطية تستهدف تدمير الأوطان من داخلها بترويج شائعات وأكاذيب عبر وسائل سهلة الإستخدام وسريعة الإنشار والإنسياق خلفها بحكم قلة الوعى من بعض الشباب مع قلة البناء التربوى والفكرى الصحيح مايؤدي إلي خلل في قيام مصرنا الجديدة التي نطلع إليها جميعًا ويؤدي لفقدان الهوية المصرية عند بعض شبابنا ممن نطلع أن يحملون لواء الدفاع عن وطننا ضد أي مُخرب أو عدو.
ولأن الدراما تمثل دورًا حيويًا في تنمية الوعي فلابد من الإهمام بمضمون الدراما الاجتماعية فهي المعاون الفعلي لدعم العمل الوطنى ومواجهة أي تطرف ولذلك يجب الإهتمام بتقديم مواضيع تُناقش الهوية المصرية وتُناقش أساسيات الشعب المصرى بعيدًا عن الأعمال التى تفتقر للحس الوطنى وتشوه صورة المجتمع المصرى وتصدر صورة البلطجة والخيانة والسرقة والمخدرات فعلينا رفض الأعمال التى تقلل من المجتمع مع الاهتمام بالقيمة الإنسانية والمجتمعية والوطنية كفانا تحقيرًا لأنفسنا وتصدير المشهد السيء فقط عننا وكسب تعاطف المشاهد مع تجار المخدرات والبلطجية والمنحرفين، فالدراما الوطنية الفعلية تشكل تنمية الوعى الذى يحارب التطرف ويتصدي له برفع وعى المتلقى فى أن يصبح قادرًا على مناقشة الأفكار الهدامة ولفظها وينحاز للقيم الايجابية فى المجتمع ولا ننسى أن هناك أشكالًا درامية عديدة يمكن من خلالها أن نناقش قضايا هامة وحيوية كقضية التسرب من التعليم، والتى تمثل أزمة حقيقية تواجه المجتمع المصرى فالتسرب من التعليم مع عدم تنمية الوعي وتصدير صور درامية هدامة بمثابة رسم طريق لمحو الهوية التي ينادي الجميع بالحفاظ علي عراقتها وتنمية وعي من يحملونها، فالدراما وما تقدمه من توثيق لأحداث وشخصيات من أبرز أدوات "القوة الناعمة" وأكثرها فاعلية فهي بمنزلة الجسر الافتراضي الذي تعبر عليه المجتمعات والمصدر الرئيسي لتنمية القيم التي يريدها المجتمع، ولأن ارتباط الجمهور بالدراما ارتباط وظيفي تلعب فيه الدراما دورًا في التأثير فى الوعي السياسي للأفراد وتوجيهه من خلال العناصر التي تقوم عليه الدراما الذي لابد له من جمهور يتابعه ويتفاعل معه ويتأثر به وهذا الدور الوظيفي للدراما تتزايد فاعليته في ظل التطور الهائل لوسائل الإعلام والتواصل حيث قوة التأثير الكبيرة التي يمكن لهذه الوسائل أن تحدثه في الجمهور لأن تلك الجماهير سوف تتجه نحو الوجهة التي يريدها المخططون للسياسات الإعلامية ولقطة درامية واحدة قد تعطي انطباعًا وتأثيرًا أقوى من أي سلاح حيث التسلل عبر المواد الدرامية لنشر أفكار وقيم تستهدف المكونات الوطنية للشعوب من خلال خلق وعي زائف ورسم صورة مشوهة لواقع المجتمعات وتشويه مؤسساته ورموزه الوطنية.
فنستطيع بالأعمال الدرامية تصدير أفكار تعزيز مفهوم التماسك الاجتماعى في ظل صراعات ثقافية داخل المجتمع وأجندات ورؤى مختلفة وهويات متعددة ومن هنا فإن التماسك الاجتماعى يكون ضرورة من ضرورات العيش والاستمرار ويتحقق من خلال الاحترام المتبادل والوعى بالآخر وكذلك الثقة بين الناس بعضها البعض وبين المواطنين والمؤسسات فتكون هناك ثقة فى رجال الأمن وفى الطبيب المعالج والمدرس الذى يعلم أولادي وأن يكون هناك نوع من المشاركة في كل الأعمال وهو ما يُسهم ذلك فى زيادة وتنمية الوعي وفى التماسك الاجتماعي فالتطوع فى المجتمع المدنى من أجل تقديم أعمال الخير ومعاونة الناس والمشاركة فى الانتخابات والنقابات يساعد ذلك فى بناء الوعى وفى التماسك الاجتماعى.
فحتي نستطيع تجديد الوعى والإنتصار في معركة بناء الوعي والحس الوطني ينبغى خلق بيئة جديدة فالأمر لم يعد مجرد محاضرة فى جامعة أو خطبة فى جامع أو موعظة فى كنيسة فقط المهم هو تغيير الظروف وخلق بيئة تشجع على بناء وتجديد الوعي وتغيير السياق والإطار الذى يعيشه الشباب والأسر وتحسين العلاقة بين الدولة والمجتمع خاصة المؤسسات الخدمية فكلما زادت الثقة زاد الوعي.