محمود الشويخ يكتب:« سر 22 يونيو».. ماذا جرى بين قادة الجيش والجماعة الإرهابية فى قصر القبة؟
- أسرار تنشر لأول مرة عن تقدير الموقف الإستراتيجى للقوات المسلحة قبل ثورة ٣٠ يونيو.
- التفاصيل الكاملة للقاء قصر القبة بين قادة الجيش ومحمد مرسى العياط .
- ما الذى قاله السيسى؟.. وكيف حذر الإخوان؟.. ولماذا قرر القضاء عليهم نهائيا؟
نحن الآن فى الثالثة عصر السبت 22 يونيو 2013، قرر الفريق أول عبدالفتاح السيسى مواجهة محمد مرسى بالحقائق كاملة وتحذيره من سياسة العناد التى كان يصر عليها.
ذهب ومعه وفد يضم الفريق صدقى صبحى رئيس أركان القوات المسلحة واللواء محمد العصار مساعد وزير الدفاع واللواء محمود حجازى مدير المخابرات الحربية وقادة الأفرع الثلاثة للقوات المسلحة.
كان اللقاء فى قصر القبة، ولم يكن مرسى راغباً فيه، حتى إنه سأل قائد الحرس الجمهورى عن سبب حضور القادة ووزير الدفاع.. قائلا: إيه الحكاية... وهمّ عاوزين إيه؟
خفف اللواء محمد زكى، قائد الحرس، من الأمر.. وقال له: الأمر لا يدعو إلى القلق... القادة جاءوا ليتحدثوا معك ويتشاوروا فى أمور أعتقد أنها مهمة وتحتاج إلى النقاش.
استمر اللقاء فى هذا اليوم لأكثر من ثلاث ساعات.. وكان مرسى يبدو فى أغلبها مستمعاً.
بدأ اللقاء بكلمة من الفريق أول عبدالفتاح السيسى الذى حذر من خطورة الموقف والأزمة التى تشهدها البلاد وطالب الرئيس بضرورة إيجاد حل عاجل وسريع للأوضاع المتردية.
وقال السيسى إن الجيش لديه معلومات تؤكد أن المظاهرات التى ستنطلق يوم 30 يونيو والتى تطالب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة لن تكون هينة، وإنه يتوقع نزول المواطنين بالملايين إلى الشارع، واسترجع السيسى العديد من المواقف السابقة التى حذرت فيها القوات المسلحة الرئيس من تجاهل المطالب الجماهيرية، فكان البديل هو استمرار الاحتجاجات وسقوط الشهداء وحدوث حالة من الانقسام لم تشهدها البلاد من قبل.
وتحدث الفريق صدقى صبحى وأكد أن هناك حالة غليان داخل الجيش بسبب موقف الرئيس من الأحداث فى سوريا، وما يجرى أيضاً على أرض سيناء. وقال: «إن الجيش على قناعة بأن الرئيس يمنع اتخاذ إجراءات حاسمة فى مواجهة الإرهابيين الذين بدأوا يفرضون سيطرتهم على أرض سيناء».
وقال الفريق عبدالمنعم التراس، قائد قوات الدفاع الجوى: «إن البلاد تشهد انقساماً لم يحدث فى التاريخ، وإن المؤسسات الكبرى معرضة للانهيار بسبب إصرار الرئيس على الاستمرار فى سياسته ورفض الاستماع إلى آراء القوى السياسية الأخرى بما فيها تحذيرات الجيش».
وقدم اللواء محمود حجازى مدير المخابرات الحربية فى هذا اللقاء استعراضاً مطولاً لتقديرات الموقف الإستراتيجى للأوضاع فى البلاد استمر لأكثر من ساعة ونصف الساعة، حيث تناول فيه تطورات الموقف والأزمات المتفاقمة فى البلاد وسبل التعامل معها، بهدف الخروج من المأزق الراهن.
وكان أبرز ما تضمنه هذا التقرير:
1- المطالبة فوراً بتغيير الحكومة وتشكيل حكومة جديدة برئاسة شخصية وطنية مستقلة لإدارة المرحلة الحالية ولحين إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، على أن يُعهد لرئيس الوزراء الجديد تشكيل الحكومة دون تدخل من الرئيس إلا فيما يتعلق بالوزارات السيادية، وبحيث تلقى الحكومة قبولاً شعبياً.
2- أن يُصدر الرئيس قراراً فورياً بعزل النائب العام (المعين) المستشار طلعت إبراهيم وأن يعهد لمجلس القضاء الأعلى بترشيح ثلاث شخصيات قضائية مقبولة يختار من بينها الرئيس نائباً عاماً جديداً.
3- أن تشكل لجنة محايدة لإجراء تعديلات دستورية تتوافق عليها القوى الوطنية فى البلاد، على أن يصدر الرئيس قراراً بتجميد العمل بالمواد المرفوضة ويعرض الأمر على الاستفتاء فى فترة زمنية معقولة.
4- أن يوافق الرئيس على إجراء استفتاء جماهيرى على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وأن تتولى لجنة قضائية عليا الإشراف على هذا الاستفتاء.
واستعرض التقرير الأحوال الأمنية وتردى الأوضاع الاقتصادية فى البلاد، وحذر من أن استمرار هذه الحالة من شأنه أن يقود إلى انهيار الدولة ومؤسساتها.
وبعد مناقشات مطولة، كان رد الرئيس مرسى: هذا كلام جيد ومعقول جداً ويستحق الدراسة. فقال الفريق السيسى: لكننا نحتاج إلى إجراءات حاسمة وعاجلة.
قال مرسى: لا بد من دراسة الأمر، وأنا أتابع الموقف جيداً، مصر بخير، والشعب يقدر الشرعية، وأرجو عدم التهويل مما هو متوقع فى 30 يونيو.
قال السيسى: الأمر جد خطير، والجيش لن يصمت أمام ما يجرى. قال مرسى: المسألة ليست بهذه الخطورة.. اسمعوا كلامى!! أنا أطلب منكم الاستعداد لاستقبال أفواج من الجيش السورى الحر لتدريبهم على أرض مصر، الموقف فى سوريا خطير وأنا تعهدت بالوقوف مع السوريين حتى إسقاط نظام بشار.
وهنا قال السيسى: لقد جئنا لنتحدث عن الوضع الخطير فى مصر وسيادتك بدلاً من أن تجد حلاً للأوضاع المتأزمة فى البلاد، نجدك تحدثنا عن تدريب الجيش السورى الحر.. يا سيادة الرئيس، الجيش المصرى لن يتورط أبداً فى التآمر على سوريا ولن يكون أداة فى يد أحد، سوريا هى أمننا القومى وما يجرى هناك نحن نعرفه جيداً.. أنا أدعوك مجدداً إلى أن تكون رئيساً لكل المصريين وأن تقف مع شعبك.
فرد مرسى: أنا رئيس جئت بصندوق الانتخاب ولن أقبل أبداً بإجراء استفتاء على شرعيتى، أما بقية المطالب فدعونا ننظر فيها بعد إجراء الانتخابات البرلمانية بعد عدة أشهر. أدرك الفريق أول السيسى أن مرسى مصمم على موقفه، وأنه لا يريد الاستماع إلى أحد سوى صوت جماعته، فقرر الانصراف ومعه بقية القادة العسكريين، بعد أن فقدوا الأمل فى إثناء الرئيس عن عناده وجبروته.
وفى اليوم التالى.. ٢٣ يونيو ٢٠١٣.. عقدت القوات المسلحة الندوة التثقيفية الخامسة، وهى الندوة التى ألقى فيها السيسى بيانًا واضحًا منح فيه القوى السياسية مهلة أسبوعًا واحدًا لتصل إلى كلمة سواء تتفق فيها على مصلحة الوطن العليا، وإلا فإن الجيش لن يقف مكتوف الأيدى، لأن المؤسسة العسكرية ومن منطلق إيمانها بدورها التاريخى لا يمكن أن تسمح للأوضاع العامة بالتردى.
البيان الذى ألقاه السيسى كان واضحًا.
قال فيه: القيادة العامة للقوات المسلحة منذ توليها المسئولية فى أغسطس ٢٠١٢، أصرت على أن تبتعد بقواتها عن الشأن السياسى وتفرغت لرفع الكفاءة لأفرادها ومعداتها، وأن ما تم من إنجازات خلال الثمانية عشر شهرًا السابقة يمثل قفزة هائلة.
ثم دخل السيسى إلى الأزمة بقوة، قال: هناك حالة من الانقسام داخل المجتمع، وإن استمرارها خطر على الدولة المصرية، ولا بد من التوافق بين الجميع، لأنه يخطئ من يعتقد أن هذه الحالة فى صالح المجتمع، بل تضر به وتهدد الأمن القومى المصرى، ويخطئ من يعتقد أننا فى معزل عن المخاطر التى تهدد الدولة المصرية، لذلك لن نظل صامتين أمام انزلاق البلاد فى صراع تصعب السيطرة عليه.
وكان مهمًا ما قاله السيسى عن علاقة المؤسسة العسكرية بالشعب.
وتحديدا قال: أؤكد أن علاقة الجيش والشعب علاقة أزلية، وهى جزء من أدبيات القوات المسلحة تجاه شعب مصر، ويخطئ من يعتقد أنه يستطيع بأى حال من الأحوال الالتفاف حول هذه العلاقة أو اختراقها، فإرادة الشعب المصرى هى التى تحكمنا ونرعاها بشرف ونزاهة، ونحن مسئولون مسئولية كاملة عن حمايتها، ولا يمكن أن نسمح بالتعدى على إرادة الشعب، وأنه ليس من المروءة أن نصمت أمام تخويف وترويع أهلنا المصريين.
ووضع السيسى عبارة واضحة صارت منهجًا سرنا عليه جميعًا مع الجيش بعد ذلك، وهى: الموت أشرف لنا من أن يُمسَّ أحد من شعب مصر فى وجود جيشه.
أيضا أكد السيسى أن الجيش لن يقبل بالتعدى عليه أو التجاوز فى حقه، بقوله: إن الشعب المصرى بأكمله هو الحاضن لجيشه، وإن القوات المسلحة لن تظل صامتة بعد الآن تجاه أى إساءة قادمة توجه إليها، وأرجو أن يدرك الجميع مخاطر ذلك على الأمن القومى.
وحتى يؤكد على هذا المعنى، قال: الجيش المصرى هو كتلة واحدة صلبة ومتماسكة وعلى قلب رجل واحد يثق فى قيادته وقدرتها، وأنه تجنب، خلال الفترة السابقة، الدخول فى المعترك السياسى، إلا أن مسئوليته الوطنية والأخلاقية تجاه الشعب تحتم عليه التدخل لمنع انزلاق مصر فى نفق مظلم من الصراع أو الاقتتال الداخلى أو التجريم أو التخوين أو الفتنة الطائفية أو انهيار مؤسسات الدولة.
ثم كانت الرسالة الأكبر والأخطر فى تاريخ الثورة المصرية.
قال السيسى: إن القوات المسلحة تدعو الجميع دون أى مزايدات لإيجاد صيغة تفاهم وتوافق ومصالحة حقيقية لحماية مصر وشعبها، ولدينا من الوقت أسبوع يمكن أن يتحقق خلاله الكثير، وهى دعوة متجردة إلا من حب الوطن وحاضره ومستقبله.
لكن لم تفهم جماعة الإخوان هذه الرسالة أيضًا، رغم أنها كانت واضحة جدًا.. والحمد لله أنها لم تفهم!
ومرت مهلة الأسبوع دون تغيير.. ثم نزل الملايين للشوارع.. وقرر السيسى أن يمنحهم مهلة ٤٨ ساعة.
لكن العناد كان سيد الموقف.. فقرر القائد أن ينحاز للشعب ويحرره من هؤلاء الظلمة.
ودائما وأبدا.. تحيا مصر.