منذ زمن بعيد ونحن نعاني من امتحانات الثانوية العامة وصعوبتها وضغطتها النفسي والماي علي الأسر المصرية، ومع إرتفاع أسعار الدروس الخصوصية وانتشار المدرسين والأماكن المخصصة للتدريس الخاص (السناتر) ظننا خطأً أننا امام إنتفاضة تعلمية ستنقذ أولياء الأمور من براثن التعليم المُجحفة، وربما يرزقنا الله بمدرسين من عينات المعلمين الذين يربون معنا فيعود التعليم كما نتمني تربية وتعليم، ولكن بكل اسف صاحب الإنحدار الأخلاقي المتفشي إنحدارًا تعليميًا أفظع منه فلم تشفع الملايين التي انفقتها الأسر وجاءت النتائج المبدئية مُخيلة للآمال والطموح فأغلب الامتحانات صاحبها عويل وصريخ وبكاء وتهكم علي واضعيها وراح كل أشباه المدرسين يدافعون عن انفسهم انهم أدوا ما عليهم ولكن واضع الامتحان أراد أن يذل الطلاب، وعجز أولئك المتعجرفون من شباب وشيوخ مهنة الدروس الخصوصية -والتي أصبحت مهنة منفصلة عن المدرسين- أمثال «جهبز الكيمياء» و«زويل الفيرياء» و«دكتور اللغة العربية» و«أفلاطون الفلسفة» و«صاروخ الأحياء» و«واينشتاين البحتة» و«عملاق التاريخ» و«وسقراط الجغرفيا» و«جبرتي النحو» و«أحمد شوقي البلاغة» عجزوا في حل طلاسم ورموز امتحانات مرحلة الثانوية العامة إلا أنهم نجحوا بإقتدار في سلب كل أموال الأسر الذين لهم أبن او إبنة في الثانوية العامة ولم يقدموا أي جديد إلا إضافة لأرصدتهم في البنوك فلم يقدموا علم يتسلح به الطلاب في مواجهة واضع الامتحان ولا قيمة يتعلمها الطالب أو الطالبة لمستقبله في النهاية دفع ولي الأمر الكادح لا لشيء إلا لتبرأة ضميره أمام الله ثم أسرته أنه لم يقصر في حق أبنائه وأستغله أسوأ إستغلال أولئك من مدعي الإنتماء لمهنة التدريس والتدرسي والمعلمين منهم براء.
وبكل أسف إنتقلت عدوى مراكز الدروس الخصوصية (السناتر) إلى القرى والمراكز وأصبحت تلعب دورًا كبديل للمدرسة خاصة فى الشهادات العامة لدرجة أن بعض المدرسين فى المدن والقرى يجرون اختبارات لقبول الطلاب لديهم وبعضهم أعد أماكن تسع لعدد يصل إلى 200 طالب فى المجموعة أما عن الأسعار، فحدث ولا حرج فهناك بعض المناطق فى بعض المراكز يصل سعر الحصة الواحدة فيها إلى 80 جنيهًا فى وسط الدلتا بل والمراجعات وصلت الحصص لبعض المواد لـ 300 جنيهًا، مدرسون بل تجار يضربون بلا رحمة ميزانيات الأسر المصرية في مقتل تحت مسمي التعليم وبناء مستقبل الأولاد وفي الحقيقة هم يجمعون أموالًا سُحت دون وجه حق ويبنون بيوتهم وأرصدتهم علي حساب أي وكل شيء، وتزيد حالة الإستغلال مع رغبة الأهالى فى تجاوز مشكلات التعليم لأولادهم وتعويض الدور الغائب للمدرسة والبحث عن مدرسين ذى خبرة او ذوي سمعة جيدة وأمام كلمة مستقبل إبنك أو بنتك لا تمتلك إلا خيار الدفع وعدم الإعتراض.
ولا شك أنه منذ زمن بعيد يعاني نظام التعليم في مصر من مشاكل عديدة من بينها صعوبة امتحانات الثانوية العامة وارتفاع أسعار المدرسين وانتشارهم بشكل مُلفت في المجتمع ومع اعتقاد الكثيرين أن هذه المشاكل تسببت في انتفاضة تعلمية إلا أن الواقع يشير إلى وجود إنحدار علمي وتعليمي في النظام التعليمي المصري ولا احد يُنكر أن امتحانات الثانوية العامة المصرية من أصعب الامتحانات في العالم وتتطلب من الطلاب مستوى عالٍ من المعرفة والاستعداد الجيد خاصة مع نظام تعليمي يضع على الطلاب ضغوطًا كبيرة ناهيك عن إرتفاع أسعار المدرسين وانتشارهم في المجتمع ما جعل من الصعب للعائلات تحمل تكاليف التعليم الخاص لأبنائها مما يجعل العديد من الأطفال يفتقدون فرص التعليم المناسبة، ودعونا نعترف بكل وضوح أنه على الرغم من جهود الأسر المصرية والملايين التي تم إنفاقها على التعليم إلا أن النتائج التعليمية للطلاب جاءت مخيبة للآمال والطموح مما يشير إلى وجود انحدار علمي وتعليمي في النظام التعليمي المصري.
ورغم كل هذا ومع إنتهاء إمتحانات الثانوية العامة نهاية الإسبوع الماضي قرب إنطلاق العام الدراسي الجديد، إنتشرت إعلانات مراكز الدروس الخصوصية على حوائط المباني والكباري من جديد، فلا تكاد تمر بشارع من شوارع أي مدينة إلا وتجد إعلانًا للمدرس «فلان»، دعاية رنانة على اللافتات، مثل «جهبز الكيمياء» و«زويل الفيرياء» و«دكتور اللغة العربية» «أفلاطون الفلسفة» و«صاروخ الأحياء» و«واينشتاين البحتة» «عملاق التاريخ» و«وسقراك الجغرفيا» و«جبرتي النحو» و«أحمد شوقي البلاغة»، وأرقام هاتفية للحجز وأماكن تلك السناتر، والتي أصبحت أحد أهم المشاريع الإستثمارية التي يلجأ لها الكثيرين ليتحول بين ليلة وضحاها إلى «صاحب سنتر تعليمي» يقصده أولئك من المتاجرين بعلمهم -إن وجد- ليستغلوا أولياء الأمور في أعز ما يملكون وهم اولادهم، وبكل أسف ينصاع ولي الأمر ويُطيع ويرضخ علي أمل أن يمر إبنه من أهم سنة دراسية حتي لو كلفه الأمر الإستدانة أو بيع شيء عزيز عليه فلا اعز من إبنه ليضحي من اجله.
علينا ان نصرخ ونقول من جديد النظام التعليمي في مصر يحتاج تعديل وتطوير وتحديث ويجب اتخاذ خطوات عديدة كتوفير موارد تعليمية أفضل وتحديثها بشكل دوري وإختيار ممارسي العملية التعليمية وتدريبهم على استخدام التقنيات الحديثة وتحسين بنية النظام التعليمي بشكل عام، ورفع قيمة المعلم المعنوية والإجتماعية والمادية في المجتمع وتشجيع الابتكار والإبداع وتعزيز المهارات الأكاديمية للطلاب وتوفير فرص التعليم المناسبة للجميع كلٍ حسب قدراته بغض النظر عن خلفياتهم وظروفهم الاجتماعية والاقتصادية ويجب علينا جميعًا أن نتحمل مسؤوليتنا تجاه نظام التعليم في مصر وأن نعمل سويًا لتحسينه وتطويره، حتى نستطيع توفير فرص التعليم المناسبة لجميع الأطفال والشباب ونحقق النجاح والإزدهار لمصرنا الحبيبة، علينا توفير كل ما يحتاجه الطالب وبالتالي سيبعد هو بنفسه عن مراكز الدروس الخصوصية التي اري أننا نواجهها بضعف وهوان وإنكسار فمع تطوير المناهج وتنقيتها من كل الشوائب الدخيلة على المواد ومواكبة التقدم من خلال مناهج الحاسب الآلي وتعليم الطلاب على وسائل التكنولوجيا الحديثة وتنمية مهاراتهم الإبداعية ورعاية الموهوبين منهم علينا إنتقاء وإختيار المدرسين بعناية شديدة وعدم ترك الأمور بهذا الشكل الذي يزيد من أعبئنا يوميًا وينقص من فرصنا في تحقيق تقدم تعليمي نتمناه.
وعلينا إعداد المعلم الحق الذي يعد أحد أهم أركان المنظومة فمن المهم الاهتمام به وتدريبه على تبسيط المعلومة للطلاب وسهولة التواصل على الطريقة الأوربية أو غيرها مع تشجيعهم على أن يكونوا نماذج مضيئة وكوادر يفخر بها المجتمع المصري، وبما ان المدرسة هي الحل فمن المهم تهيئة دور العلم بالشكل الذي يستوعب كل طالبي العلم مع ضرورة زيادة راتبه وتحسين أحواله ككل مع تغيير أنماط التدريس من الحفظ والتلقين إلى نسق يعتمد على التفاعل مع المهارات العقلية من تحليل ونقد وإبداع وتطوير المناهج بحيث تكون تفاعلية بالشكل الذي يجعل الطلاب شركاء في وضع مناهجهم.
علينا مقاومة ظاهرة تفشي إمتهان غير المؤهلين لمهنة التدريس قبل أن يحدث تراجع أكثر لأولادنا وشبابنا فالمعلم الذي إمتهن جمع المال دون ضمير مهني يُجبره علي رفع مستوي طلابه التعليمي هو نموذج لإستكمال رحلة الإنحدار الأخلاقي الذي نعاني منه منذ سنوات إن لم نقاومه إنحدرنا علميًا وأخلاقيًا أكثر وأكثر …
قاوموا إنحدار التعليم وأوقفوا مدرسو السبوبة